بروفايل| سميح القاسم الصوت الضائع
«الأحياء هم أبناء عم الموت»، هكذا كتب الشاعر الراحل محمود درويش، يصف العلاقة مع الموت، لم يعرف «درويش» أن بيت شعره سيعيش لينطبق على رفيق دربه سميح القاسم، وكأنهما تواعدا أن يرحلا فى نفس الشهر، مع اختلاف السنوات، آن لـ«القاسم» أن يضع نعشه من فوق كتفه، فيسكنه، فيما تظل قامته منتصبة، وهامته مرفوعة، وكفه مطوية على قصفة زيتون تعلن سلامه للعالم، فيرحل فى وقت لا يزال وطنه يتعرض فيه لهجمات بربرية متوحشة. وكما قال رفيق دربه «درويش»: «سنكتب من أجل ألا نموت، سنكتب من أجل أحلامنا»، فإن «القاسم» الذى مد مكتبة الشعر بما يزيد على 80 كتاباً لن يغيب، حتماً سيعيش فى قصائده وشعره إلى الأبد.
وُلد الشاعر، فلسطينى الهوى والهوية، فى بلدة الرامة الواقعة شمال فلسطين، عام 1939، لأسرة درزية، وهى ذات البلدة التى كبر ودرس فيها، قبل أن تحتلها إسرائيل فيما احتلت من أراضٍ فلسطينية فى عام 1948، ذاق «القاسم» مرارة الاحتلال، ثم مرارة الاعتقال على أيدى المحتلين أكثر من مرة، ورفض التجنيد الإجبارى الذى فرضته قوى الاحتلال على أبناء طائفته من الدروز، وفى ذات الوقت تفجرت موهبته الشعرية ليكتب عن قضية وطنه كما لم يكتب من قبل، فيهاجم جنود الاحتلال: «تقدموا.. تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم.. فكل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم»، ويناشد أهله «يا إخوتى السمر الجياع الحالمين ببعض راية.. ما زال فى تاريخنا سطر لخاتمة الرواية»، ويتحسر «أحس أننا نموت، لأننا لا نتقن النضال»، ويبكى: «أتراك تذكر.. آه يا ويلى على مدن الخيام»، على أن أعلى قصائده صوتاً تلك التى غناها الموسيقى وعازف العود الشهير مارسيل خليفة، والتى يقول فيها: «منتصب القامة أمشى.. مرفوع الهامة أمشى.. فى كفى قصفة زيتون.. وعلى كتفى نعشى، وأنا أمشى وأنا أمشى»، وهى ذات القصيدة التى نال عنها «القاسم» جائزة «غار الشعر» من إسبانيا، والتى لم تكن جائزته الوحيدة، تلتها جائزتان من فرنسا، هذا غير جائزة «البابطين» الشهيرة، و«وسام القدس للثقافة» الذى منحته له فلسطين، فيما أهدته مصر «جائزة نجيب محفوظ»، بالإضافة إلى جوائز أخرى من جهات عدة كـ«جائزة السلام»، و«جائزة الشعر الفلسطينية»، وغيرهما.
رحل «القاسم» تاركاً خلفه أربعة أولاد هم: «وطن»، و«وضاح»، و«عمر»، و«ياسر»، كما ترك أحلامه الصغيرة فى دواوينه الشعرية التى منحها عناوين «مواكب الشمس»، و«أغانى الدروب»، و«دمى على كفى»، و«قرآن الموت والياسمين»، و«الموت الكبير»، بينما حملت كتبه النثرية عناوين «عن الموقف والفن»، و«الرسائل»، و«رماد الوردة، دخان الأغنية»، كلها تخلد اسمه، وترفع ذكره، وتضعه فى مكانته التى يستحق مع غيره من شعراء القضية، أولئك الذين علموا العالم كيف تكون الكلمة أقوى من طلقات المدافع.