7 سنوات مذيع وقارئ نشرة.. أسرار سعد عبد الوهاب خلف ميكروفون الإذاعة
نام على الهواء والشيخ عبدالرحمن الدراوي انقذه وأغلق الميكروفون
سعد عبدالوهاب
عاش سعد عبدالوهاب حياته وكأنه ضيف أو عابر سبيل، كان مشواره الفني متأرجحًا بين مجموعة اختيارات غير مفهومة للمحيطين به، درس الزراعة، لكنه لم يتقبل البقاء في وظيفته كمهندس زراعي في الصعيد، وعمل في الإذاعة ثم استقال منها لأجل السينما، وهجر السينما ليتفرغ للموسيقي، وسرعان ما قرر الابتعاد عن الأضواء، واتخذ قرارا بالإقامة في المملكة العربية السعودية، وقدم هناك مجموعة أغان دينية، بعدها نقل نشاطه إلى الإمارات العربية المتحدة، وكان صاحب لحن النشيد الوطني الإماراتي، وغناه بصوته، وحين قرر العودة إلى مصر، ليستأنف نشاطه الفني، هاجمه المرض وحال دون تحقيق رغبته في العودة للأضواء.
يوميات سعد عبدالوهاب في بيت العائلة
ولد سعد حسن عبد الوهاب في 16 يونيو عام 1926، وتفتحت عيونه على عائلة مترابطة، يقيم كل أفرادها في عقار يمتلكه الجد (عبدالوهاب)، وكان يقيم في ذات العقار عمته وعمه الموسيقار محمد عبدالوهاب، وفي هذا المكان أحب الموسيقي بفعل الأجواء المحيطة بموسيقار الأجيال، وأحب السينما بحكم الحكايات التي كان يسمعها من المخرج محمد كريم، الذي تجمعه صلة قرابة بوالده جعلته يتحدث عنه دائما باعتباره (عمه)، وكان أول من طلبه منه اقتحام هذا المجال.
سعد عبدالوهاب يلتحق بكلية الزراعة
كان لـ سعد عبدالوهاب عدة محاولات في عالم الموسيقي، لكن هذه المحاولات توارت قليلا بعد أن التحق بكلية الزراعة جامعة القاهرة، وتخرج منها عام 1949، وحصل على وظيفة كمهندس زراعي في نجع حمادي بالصعيد، لكنه عاد لاستئناف نشاطه الفني مرة أخري، وفكر في العمل بالإذاعة المصرية، ليكون قريبا من أجواء الفن، وحين اعلن عن اختبارات قبول لدفعة جديدة من المذيعين، وجاء إلى القاهرة، وخضع للاختبار ثم عاد إلى وظيفته في الصعيد.
بعد 10 أيام استقبل المهندس سعد عبدالوهاب خطابا من الإذاعة يبلغه بنجاحه، ويطالبه بالحضور لاستلام العمل، فقرر حزم امتعته، ونقل متعلقاته إلى القاهرة، لكن جهة عمله طلبت منه الانتظار لمدة شهر، ليتمكن من الحصول على راتبه.
أول يوم لـ سعد عبدالوهاب في مقر الإذاعة
ذهب سعد عبدالوهاب إلى مقر الإذاعة المصرية في 5 شارع علوي بوسط القاهرة، واستقبله كروان الإذاعة محمد فتحي، وبعد جولة سريعة تعرف خلالها على المقر، ومكان أستوديو المذيعين، وجرى الاتفاق على أن يتولى سعيد أبو السعد تدريبه لمدة أسبوعين على قراءة النشرة، وبعدها يبدأ ممارسة مهمته أمام الميكروفون.
بعد أسبوعين بالضبط، حصل سعد عبدالوهاب على الضوء الأخضر للوقوف أمام الميكروفون، وظل يراجع مضمون البرنامج اليوم للإذاعة قبل أن يخرج على الهواء ليعرضه على المشاهدين، ودخل الأستوديو، وبدأ في القراءة من الورقة، وكان ينطق الكلمات ببطء شديد في البداية، وبعد قليل تحول أداءه للأفضل.
حين غادر سعد عبدالوهاب الأستوديو، وجد عامل التليفونات ينتظره، وقال له: «أنا جاءت لي مكالمات كثيرة من المستمعين، بيسألوا هي الإذاعة جايبة عبدالوهاب يقدم النشرة.. حرف حرف»، يقصد نشرة البرامج، وبعدها تبادل المذيع الجديد والعامل الضحك.
مدير الإذاعة يستدعي سعد عبدالوهاب بسبب أخبار فلسطين
كانت أول ملاحظة تلقاها المذيع سعد عبدالوهاب من زملائه، تتعلق بالبطء في قراءة خارطة البرامج والنشرة، لكن حماسه ورغبته تجاوز هذه الأزمة كان سببا في تلقيه أول ملاحظة سلبية من مدير الإذاعة.
كان سعد عبدالوهاب يجتهد في حفظ خارطة البرامج، والتدرب قبل موعد الهواء، ليضبط أداءه أمام الميكروفون، وحين تمكن من تجاوز عقبة البطء، اصبح يمتلك جرأة مبالغ فيها خلال قراءة نشرة الأخبار، وخاصة فيما يتعلق بأخبار فلسطين، وكان كلما صادف معلومة أو خبر يتعلق بالأراضي المحتلة، يتفاعل معها، ويحول الخبر إلى خطبة حماسية عن القضية الفلسطينية، وهو ما جعل مدير الإذاعة يستدعيه، ويبلغه أنه مقدم نشرة (يعني ناقل لخبر)، وكان رد المذيع المتحمس أنه لا يستطيع أن يتمالك أعصابه فيما يخص أخبار فلسطين، لكن مدير الإذاعة طلب قال له (لا لازم تمسك أعصابك.. وتلتزم بنص النشرة).
قارئ قرآن ينقذ سعد عبدالوهاب من كارثة على الهواء
كان سعد عبدالوهاب مطالب بالوصول لمقر الإذاعة في الـ 5 صباحا، ويغادره في الحادية عشر صباحا مع نهاية الإرسال، باعتباره مذيع الفترة الصباحية، والاستثناء الوحيد في حياته كمذيع هو حفل أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر، وكان خلال هذا اليوم يبقي في الإذاعة ليعلن بداية الحفل، وينتظر الختام الذي قد يمتد لساعات الفجر، وفي هذا اليوم كان يدخل مقر العمل محملا بطعام وشراب يكفي يومه، وسهرته وهو يستمع لحفل كوب الشرق.
كان يوم المذيع الشاب محكوم بساعات عمله في الإذاعة، وأي محاولة لتنفيذ نشاط فني كان معناها الإصابة بحالة إرهاق لا يعلم مدها، لكنه تعرض لهذه الأزمة في إحدى المرات، فبعد أن وصل مقر عمله، ودخل الأستوديو، وجلس أمامه قارئ القرآن، وبدأ كلاهما يستعد للقيام بمهمته، تولي المذيع تقديم القارئ، وبدأ الشيخ في التلاوة، وبعد أن انتهي.. لم يبدى المذيع أي تجاوب يوحي بأنه جاهز لإعلان نهاية التلاوة، وتقديم الفقرة التالية، وهنا قرر القارئ أن يسير على أطراف أصابعه، ويتحرك تجاه المذيع، واكتشف أنه نائم.
أغلق القارئ ميكروفون المذيع، ومد يده ناحيته ليوقظ، وبمجرد أن فتح المذيع عينه، قال بصوت مرتفع (أيه.. حصل ايه)، فتحدث إليه القارئ بهدوء ليبلغه، أنه انتهى من القراءة، وعليه أن يتدخل للإعلان عن الفقرة التالية، وأبلغه أنه أغلق الميكرفون حتى لا ينتبه أحد لما جرى، وشكره المذيع على ما فعله، وأكمل مهمته، لكنه ظل طوال سبع سنوات مدة عمله في الإذاعة، لم ينس هذا الموقف، ولم ينس اسم بطل هذه الواقعة.. القارئ الشيخ عبدالرحمن الدراوي.
أول ظهور سينمائي لـ سعد عبدالوهاب
كان المخرج محمد كريم أول من طالب سعد عبدالوهاب باقتحام مجال السينما، وظل يدفعه ناحية هذه الخطوة، ويدبر له لقاءات مع جهات الإنتاج، ودعمه في أول تجاربه السينمائية، ليظهر اسم المطرب والموسيقي الشاب لأول مرة على أفيش فيلم «العيش والملح» سنة 1949، أمام نجمة الاستعراض نعيمة عاكف، وإخراج حسين فوزي، والثلاثة قدموا معا في العام التالي فيلم «بلدي وخفة»، وتحمس المخرج للمطرب الشاب، وقدم معه في نفس العام فيلم «سيبوني اغني»، أمام المطربة صباح، وتشارك الثلاثة فيلما أخر في نفس العام هو «أختي ستيتة».
قدم سعد عبدالوهاب للسينما 7 أفلام، 6 منها خلال فترة عمله في الإذاعة، وحين قرر أن يتفرغ لمشروعه الفني، وقدم استقالة من الإذاعة، كان نصيبه مع السينما فيلما واحدا هو «علموني الحب»، والغريب أن أغنية «الدنيا ريشة في هواء» التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، لم تكن ضمن أغاني الفيلم، بل تم إضافتها بناء على رغبة موسيقار الأجيال، وبعد مكالمة تليفونية ابلغ فيها نجل شقيقه بأنه يرغب أن يقدم هذه الأغنية ضمن أحداث الفيلم، وكان رد النجم الشاب أنه انتهي من تسجيل كل أغاني الفيلم، لكن عمه اصر على موقفه، وتحقق له ما أراد.
النجاح الذي حققته أفلام سعد عبدالوهاب دفع الكثيرين للاعتقاد بأنه على موعد مع نجومية سينمائية منقطعة النظير، لكنه فاجأهم برغبته في التركيز مع مشواره الموسيقي، وكانت النتيجة أن رصيده من الأفلام تجمد عند رقم 7، وفي المقابل ينحصر رصيده الموسيقي في غناء وتلحين ما يقارب 100 أغنية.
مع انطلاق بث التلفزيون المصري، سعى المطرب الشاب سعد عبدالوهاب لتصوير أغنيتين دينيتين، واحدة عن شهر رمضان، والثانية عن الحج، وجرى بثهما، لكنه كان دائم الشكوى من عدم تكرار إذاعتهما، وبالغ في حماسه للأغنيتين لدرجة أنه أعلن رغبته في تقديم أغان دينية فقط، ومع توقف نشاطه الفني المعتاد.. قرر السفر للمملكة العربية السعودية، والإقامة فيها لمدة تقارب 7 سنوات، وقدم خلالها مجموعة من الأغنيات الدينية، ثم انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، وظل بها ما يقارب 3 سنوات، وكان حصادها قيامه بتلحين وغناء النشيد الوطني الإماراتي.
المرض يمنع سعد عبدالوهاب من استئناف نشاطه الفني
عاد سعد عبدالوهاب إلى القاهرة، وقال وقتها أنه يرغب في التفرغ لرعاية نجليه، وظل بعيدا عن الأضواء الفنية، لكنه خطط في هدوء لاقتحام سوق الكاسيت، وطرح ألبوم جديد ينعش مسرته كمطرب، وجهيز ألحان لمجموعة من المطربين، وبعد سنوات من المحاولات الهادئة.. هاجمه المرض، وحرمه من استئناف نجاحاته السابقة، وفارق الحياة في 22 نوفمبر عام 2004.