كثيراً ما يقال إن شهر رمضان فى مصر يمتلك طابعاً خاصاً يميزه عن غيره من البلدان العربية والإسلامية، صدق الفنان العروبى الرائع حسين الجسمى عندما غنّى «رمضان فى مصر حاجة تانية»، إذ تعتبر عادات رمضان جزءاً لا يتجزأ من الوجدان المصرى، ويظل من الملحوظ أن العادات الرمضانية فى مصر تحتفظ بثباتها، بل وتزداد تأصيلاً مع مرور الوقت، مما يبرز استمرارية التراث الثقافى المصرى العظيم.
المستشرق الإنجليزى إدوارد وليام لاين، الذى زار مصر أكثر من مرة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، سجل ما شاهده فى كتابه الشهير (عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم)، صورة مكتوبة لاحتفالات المصريين بشهر رمضان، ليتراءى لنا أن مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم لم تتغير كثيراً رغم مرور قرنين من الزمان على مشاهدات المستشرق الإنجليزى، الذى رصد اهتمام المصريين بتزيين الشوارع والطرقات، وتعليق المصابيح فى الشوارع وفوق المآذن، وفراغ الشوارع من المارة فى ساعات النهار، وتزاحمها قبيل الإفطار وطوال ساعات الليل، على المقاهى وفى باحات المساجد.
على أن شهر رمضان بالنسبة للمصريين كان ولا يزال هو الشهر الذى تتعزز فيه روح المحبة والتواصل الاجتماعى الحى، بعيداً عن التواصل الإلكترونى، الذى فشل حتى الآن فى نقل التفاعلات الحقيقية بين الأفراد والعائلات، لذلك يمثل شهر رمضان فرصة حقيقية لتعزيز الترابط الاجتماعى والتآزر بين أفراد المجتمع عموماً والمكوّن الأسرى بشكل خاص.
القيمة الجميلة التى تضاف إلى القيم العظيمة لهذا الشهر الكريم تتجسد بوضوح فى تعزيز التركيز على الأسرة والعلاقات الاجتماعية، بما يمثله شهر رمضان من فرصة كبيرة للتركيز على الأسرة والعلاقات الاجتماعية. عندما نقضى وقتاً أكثر مع أفراد العائلة، بشكل يُعزز الروابط الأسرية، والاستقرار الاجتماعى والعائلى.
لطالما بقى شهر رمضان مناسبة حقيقية لدعم أواصر المحبة بين مكونات المجتمع المصرى، وفرصة لزيادة اللحمة بين عنصرى الأمّة، بين المسلمين والأقباط، الذين أثروا قيمة الدين لله والوطن للجميع، وأننا مجتمع واحد تجمعنا عادات وتقاليد مشتركة، لطالما اعتبر الأشقاء فى الوطن من جميع الطوائف المسيحية المصرية شهر رمضان مناسبة حقيقية لأن نثبت للمتربصين بنا أن محاولاتهم المستميتة لشق صف وحدتنا، تبقى بلا أثر لها على أرض الواقع، محافل الإفطار المتعددة فى الكنائس المصرية بطول البلاد وعرضها خير دليل على حيوية اللحمة الاجتماعية بين مكونات هذا الشعب العريق. فى هذا الشهر الكريم تتجسّد بقوّة وحدة الشعب المصرى مسلمين ومسيحيين، وهى رسالة واضحة يراها العالم بأسره، تكشف بوضوح لا لبس فيه مستوى وحجم العلاقة الطيبة بين قطبى المجتمع المصرى، ومن محاسن الصدف أن يتزامن الصوم الكبير فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هذا العام مع بداية صوم شهر رمضان المبارك.
كما يُعدّ شهر الصوم فرصة حقيقية لتعزيز الروح الإنسانية والرعاية الاجتماعية من خلال تحفيز الناس على مد يد العون للمرضى والمحتاجين. فيه يتسارع إقبال الأفراد على التبرعات والأعمال الخيرية، بما يرتقى بالمساهمات الشعبية فى دعم المشروعات الخيرية من بناء مستشفيات وعلاج مرضى، والمساهمة فى فك كرب الغارمين والغارمات، شهر رمضان هو تاج أعمال الخير، وأيقونة قيم التراحم، وموسم إصلاح الروح، وصيانتها من أعطال النفس التى تصيبنا على مدار العام.