الأب "جامع قمامة" والأبناء علماء ومحاضرون
لم يقتلوا أولادهم من إملاق، بل منحوهم فرصة التعلم، وهدم الصورة العالقة فى أذهان كثيرين بأنهم ليس أمامهم إلا أن يصيروا كآبائهم. من فوق عربات جمع القمامة ووسط أكوام البلاستيك والمخلفات خرج هؤلاء، من أب كان يمتهن جمع القمامة، أو من جدٍّ امتهن واحدة من أكثر المهن ظلماً فى مصر. هؤلاء هم الأبناء المحرومون من نعمة الالتحاق بالمهن الرفيعة، الممنوعون من الالتحاق بالقطاعات: القضائى والدبلوماسى والنفطى والشرطى، نماذج من بين أبناء جامعى القمامة، أو من أحفادهم، شقوا لأنفسهم طرقاً ساقتهم إلى مكانات اجتماعية أفضل مما قدّر لهم المجتمع. طفل كان يتهرّب من تسلم شهادته الدراسية خشية زملائه فى المدرسة الابتدائية الذين يكيدون له، لأنه، وهو ابن جامع القمامة، قد تفوق عليهم، صار، فيما بعد، محاضراً فى جامعات أوروبية. وصيدلانية جدها امتهن جمع القمامة، ترفض أن يلتحق ابنها بالسلك القضائى لـ«نعرة» تراها بين كثيرين من أصحاب الأوشحة الخضراء. وجندى منحته الدولة مكنسة وعيّنته جامع قمامة فى إحدى المدارس، فعاقت مهنته الجديدة مستقبل ابنه الذى رُفض فى الشرطة وقطاع البترول فدرس العلوم. نماذج يعكس بعضها غياب مفهوم المواطنة بين المصريين، وحضور طاغ لمعنى الإصرار بين أبناء جامعى القمامة، تُفسح «الوطن» أمامهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم.