«الوطن» ترصد من واشنطن: 3 مشاهد تكشف نهاية زمن الأزمات مع مصر
فى السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، فقط ثمة مصالح قائمة وعلاقات تتجه صعوداً وهبوطاً لكنها لا تنقطع، فعلى مدى عام كامل ظلت السياسة الأمريكية تجاه «ثورة 30 يونيو» ملتبسة أحياناً وغامضة أحياناً أخرى، وعلى الرغم من فتور العلاقات المصرية الأمريكية بعد هذا التاريخ، الذى بلغ مداه العام الماضى، فإن الأمر تغير إلى النقيض، العام الحالى، ولغة الخطاب حملت الكثير من رسائل «تلطيف الأجواء» بعد مرور عام تقريباً على حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى.[FirstQuote]
وعلى مدار 7 أيام قضتها «الوطن» فى العاصمة الأمريكية واشنطن ضمن الوفد الصحفى لبعثة «طرق الأبواب» التى نظمتها غرفة التجارة الأمريكية بمصر، بدا واضحاً أن هناك 3 مشاهد كاشفة توضح أن تغيراً فى الموقف الأمريكى تجاه مصر قد حدث، ليس فقط على المستوى الرسمى، لكن أيضاً على مستوى مراكز الفكر، ومنظمات التمويل الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. المشهد الأولى يتمثل فى ردود المسئولين فى واشنطن على أعضاء البعثة بشأن مصر، فوفقاً لما قاله أنيس إكليمندوس، رئيس غرفة التجارة الأمريكية، فإن وفد الغرفة المكون من 40 عضواً التقى نحو 50 عضواً بالكونجرس، و11 مسئولاً بالوزارات المختلفة، و21 منظمة بحثية ومؤسسة دولية. «إكليمندوس» كشف عن أن الوفد الذى التقى كبار المسئولين فى كل من وزارات الخارجية والتجارة والأمن القومى والدفاع خرج بانطباعات عديدة أهمها أن هناك تفهماً كبيراً للموقف فى مصر من جانب جميع من التقوهم، خاصة من كانوا قبل ذلك معارضين لمصر. وأضاف: الدفة تحولت بمعدل 180 درجة من جانب الإدارة الأمريكية لصالح النظام الحاكم فى مصر. ولعل فى ما قالته كانداس بوتينام، مسئول ملف مصر بالخارجية الأمريكية خلال لقائها مع الصحفيين على هامش البعثة من أن الولايات المتحدة «ستستمر فى علاقتها الاستراتيجية مع مصر، من أجل استقرار هذه المنطقة المضطربة للغاية» دليلاً واضحاً على تغير لغة الخطاب الأمريكية تجاه القاهرة.
وبحسب ما قاله رئيس الغرفة والوفد، فإن مباحثات الوفد المصرى العام الحالى غلب عليها الطابع الاقتصادى، مؤكداً أن النجاح الذى حققه المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ ساعد فى تغير كبير فى النظرة الأمريكية الحالية التى انقلبت رأساً على عقب فى أقل من عام، لافتاً فى الوقت ذاته إلى أن ملف جماعة «الإخوان» لم يكن حاضراً خلال أغلب اللقاءات.
وأشار إلى أن النظرة الأمريكية كانت تميل ناحية المؤشر السلبى العام الماضى، لكن الصورة اختلفت كلية فى ذهن كبار المسئولين الأمريكيين الآن. أما المشهد الثانى، الذى يمكن اعتباره ذا دلالة قوية على تغير النظرة إلى مصر، فيتمثل فى موقف مؤسسات التمويل الدولية، مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، إذ أعلن حافظ غانم، رئيس البنك الدولى، خلال لقائه البعثة، عن أن البنك بصدد مضاعفة قيمة التمويل لمشروعات مصر خلال الفترة المقبلة ليصبح 5 مليارات دولار، وهو أمر يقترب مما قاله الدكتور حازم الببلاوى، رئيس المجموعة العربية بصندوق النقد، عن أن «الصندوق ينتظر مكالمة هاتفية من مصر فى أى وقت»، وأن «مصر تسير فى الاتجاه الصحيح». وبحسب أنيس إكليمندوس، فقد أبدى ممثلو المنظمات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولى إعجابهم بالخطوات التى اتخذتها الحكومة وإصرارها على تحقيق النجاح وتمكنها بالفعل من تحقيق معدل نمو وصل إلى 4.2%.
اللافت أن جميع من التقوا بعثة الغرفة فى واشنطن من المسئولين ركزوا فى الأساس على الملف الاقتصادى، وكأنهم أرادوا توصيل رسالة إلى مصر بأن «مرحلة الفتور ذهبت وأن صفحة الإخوان قد طويت»، ووفقاً لما قاله «إكليمندوس» فإن أهم الاستفسارات التى ركز عليها عدد كبير من الأمريكان خلال تلك الزيارة تركزت حول كيفية تحقيق وإنجاز ما تم الاتفاق عليه فى شرم الشيخ، وكذلك حل مشكلة الطاقة، إضافة إلى التشريعات التى قد تعوق المستثمرين وتقف حجر عثرة فى سبيل تنفيذهم لمشروعاتهم سواء الكبرى أو المتوسطة التى ستقام فى مصر خلال المرحلة المقبلة. وأشار إلى أن الوفد المصرى ركز على أن مصر ترغب فى مشاركه سواء الدول المختلفة أو رجال الأعمال وكبار المستثمرين للمساهمة فى عملية التنمية الشاملة التى يتطلع إليها الجميع، وتوفير فرص عمل للشباب من خلال إقامة المشروعات الاستثمارية دون طلب مساعدات مالية. وقال «أنيس» إن أهم ما أثير أيضاً خلال تلك اللقاءات هو طلب عدد من أصحاب الشركات الأمريكية ضرورة تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة دخول مصر، والبعد عن التعقيدات التى تفرض من أجل الحصول عليها، موضحاً أن الفترة الماضية شهدت تراجعاً فى نسبة الموافقات على التأشيرات المصرية لرجال الأعمال الأمريكيين. عمر مهنا، رئيس الجانب المصرى فى مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، قال إن الأمريكيين يتابعون جيداً كل ما يحدث فى مصر، وإن العديد منهم لديه الآن معلومات كثيرة عن مصر وعن كل الأحداث التى تتم فيها، كما أن لديهم قناعة كاملة بأن مصر بلد مستقر وتمثل قاعده انطلاق قوية للاستثمار فى أفريقيا.[SecondQuote]
وأضاف: إنهم ينظرون إلى مصر على أنها ما زالت حليفاً استراتيجياً وهذا تغير نوعى فى نظرتهم الحالية، إذ كانت النظرة العام الماضى تتمثل فى أن علاقتهم بمصر مجرد علاقة تبادل منفعة فقط، مؤكداً أن أمريكا أصبحت الآن تعتقد أن مصر هى الوحيدة القادرة على حفظ الأمن وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يتمتع بالحكمة فى قراراته بشكل كبير.
فيما قال جمال محرم، رئيس الغرفة السابق وعضو وفد «طرق الأبواب»، إن عدداً كبيراً من أعضاء الكونجرس الأمريكى الذين كانوا يتبنون وجهه نظر متشددة ضد مصر والنظام المصرى، تغير موقفهم الآن وأصبحوا ينظرون بنظرة تفاؤلية إلى كل ما يحدث الآن خاصة على المستوى الاقتصادى، وقال إن مباحثات العام الحالى غلب عليها الطابع الاقتصادى ولم يتطرق أحد من الذين تقابل معهم الوفد إلى النواحى السياسية. أما المشهد الثالث فيتمثل فى تغير وجهة نظر المراكز البحثة، إذ بدت الصورة أمام تلك المراكز أوضح بعد مرور عام، بل إن أغلب تلك المراكز أجمع على أن الأمور فى مصر أصبحت أكثر استقراراً من ذى قبل، مقارنة بالفترة التى تلت 30 يونيو مباشرة، وقبل كل ذلك فإن العلاقة بين القاهرة وواشنطن استراتيجية، ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر.