مولانا الداعية: شيخ «سوبر ستار» وجمهور «حاضر ونعم ويفتح عليك»
صورة أرشيفية
ظاهرة قديمة منذ قدم الأمر الإلهى فى القرآن: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، لكنها تحولت فى النصف قرن الأخير إلى شىء آخر، وبدلاً من أن تكون الدعوة للجميع، صارت حكراً على أفراد بأعينهم تحولوا تدريجياً إلى نجوم «سوبر ستار»، يوجهون ويرشدون وينصحون ويأمرون وينهون لآلاف وملايين قصدوهم وصدقوا فيهم وأحاطوا بهم والتفوا حولهم وصاروا فى ركبهم، من الشيخين محمد متولى الشعراوى، وعبدالحميد كشك، اثنين من أشهر الدعاة وأكثرهما شعبية فى الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى عمرو خالد، الذى أدخل مفهوم «الداعية المودرن» مع بداية الألفية الجديدة، ليظهر العشرات بعد ذلك على نفس لونه ويحققوا نجاحات متباينة، وصولاً إلى دعاة السلفية الوهابية الذين اكتسبوا شهرة واسعة مع نهاية العقد الأول من هذه الألفية، على رأسهم الثلاثى: محمد حسين يعقوب، وأبوإسحاق الحوينى، ومحمد حسان.
«عزالعرب»: الظاهرة تصاعدت على مدار عقود لظروف سياسية.. وتراجعت بعد 25 يناير و30 يونيو بسبب الرفض الشعبى ضد «سلفنة» الدين و«أخونة» السياسة
«الشيخ قال» عبارة ظلت تتكرر على ألسنة كل فريق من المتابعين لأحد هؤلاء الدعاة، التزام كامل بما يقول، وحفاوة فى كل مرة من ظهوره، من ابتسامة لا تفارق الوجوه حتى تقبيل اليد والالتفاف حول الداعية أو سيارته الفارهة، هالة باتت تحيط بكل نجم يظهر فى سماء الدعوة، وهى الظاهرة التى أضرت بالدعوة نفسها، وحولتها إلى تجارة لكسب مال أو شهرة أو جاه ونفوذ، بحسب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، الذى أكد أن العديد من الفضائيات المنسوبة للدين التى انتشرت عبر شاشاتها هذه الظاهرة، كانت تخدم أجندة غير إسلامية باستخدام الشعارات الدينية، وأن بعض الدعاة سعوا لتحقيق مصالح اقتصادية واجتماعية مع الشعبية التى حققوها، فبحسبه قد وظف غالبية الدعاة الجدد فى مصر الدين لصالح المال بدلاً من توظيف المال لصالح الدين، وهو ما يسميه البعض بـ«تسليع الدين»، إذ تنحرف الدعوة عن أهدافها الحقيقية لتتجه لأغراض تجارية نفعية، ووفقاً لذلك، تصبح مصدراً للإثراء السريع. «كريمة» يؤكد احترامه وتقديره لعديد من المشايخ والدعاة الذين سماهم بـ«أساتذتى وشيوخى وأحذيتهم فوق رأسى»، لكنه استدرك: «احترامى الشخصى للكثير من الأسماء، لا يجعلنى أؤيد أو أدعم ظاهرة ليست من الدين فى شىء، بل جعلت من الدين سلعة تجارية يتكسب منها البعض، ويخدم بها البعض الآخر أجندات سياسية واجتماعية». يؤكد الأستاذ الأزهرى أن الدعوة فى الإسلام أمر موجه لعموم المسلمين بـ«الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، لكن أن تتحول الدعوة إلى طريق للمال أو السلطة أو الزعامة، فهذا ليس من الدين فى شىء.
نجاح هذه الظاهرة كان مرتبطاً بظروف سياسية على مدار أكثر من عقد، لكنها بدأت فى التراجع مع تغير هذه الظروف عقب ثورة 25 يناير، بحسب محمد عزالعرب، الباحث بالمركز الإقليمى للدراسات: «متابعة ظاهرة الداعية خلال الفترة التى تلت ثورة يناير 2011 تشير بوضوح إلى أن تراجعاً حدث فى دور وتأثير الدعاة عموماً على اختلاف انتماءاتهم ومرجعياتهم، خاصةً فى الآونة الأخيرة بعد مرحلة 30 يونيو، وهو الأمر الذى خصم من رصيدهم بعد أن نجحوا فى تكوين رأسمال اجتماعى كبير قائم على الثقة بينهم وبين شرائح مختلفة داخل المجتمع فى الفترات السابقة، لا سيما بين أبناء الطبقة الوسطى الجديدة، التى بزغ نجمها جلياً».
يعدد «عزالعرب» أسباباً لهذا التراجع على مستوى الجماهيرية والتأثير: «تزايد الرفض المجتمعى لتوظيف الدين فى المجال العام، محاولات سلفنة الدعوة وأخونة الإدارة، أى سيطرة السلفيين على الدعوة تحت سيطرة وتحكم من الإخوان، الاستخدام السياسى للدعوة بصورة كبيرة بعد ثورة 25 يناير، المشاركة السياسية والاهتمام بالقضايا العامة التى تزايدت معدلاتها على حساب الدعوة الدينية، وأخيراً سقوط وفشل تجربة الإخوان والصعود السياسى للسلفيين»، بالرغم من ذلك فإن الباحث الاجتماعى يشير إلى أن الظاهرة لن تختفى تماماً، لكنها ستستمر بتأثير وجماهيرية محدودة عن الفترات السابقة: «الداعية الدينى سيستمر، لكن دائرة الدراويش المحيطين به هى التى ستتقلص بشدة، وسينخفض رأس المال الاجتماعى أو السياسى الذى كان يتمتع به نجوم الدعاة القدامى والجدد».