يبدو أن بعض المصريين يعشقون تدمير المؤسسات المصرية، حاول البعض تدمير الجيش المصرى بعد ثورة يناير وحاصروا وزارة الدفاع لأول مرة فى تاريخ مصر والعالم، الوزارة التى تدافع عن الدولة ضد العدوان الخارجى وفشلوا، وحاول البعض تدمير الشرطة المصرية ونجحوا فى ذلك لعدة سنوات، والآن جاء الدور على الأزهر، هؤلاء ينسون أن أى مؤسسة تُهدم فى مصر لا تقوم لها قائمة بعد ذلك، لقد استعصى الأزهر على كل محاولات تدميره من المحتلين أو احتوائه من الحكومات أو الجماعات أو أصحاب الأموال.
الأزهر الشريف هو أول جامع أُنشئ فى القاهرة، مر عبر رحلته الطويلة بعشرات المحن، اجتازها جميعاً منتصراً، لعلة واحدة أنه يحمل رسالة هذا الدين الخالد، أُغلقت أبوابه، ضُربت جدرانه بالقنابل، سقط فى رحابه وعند أبوابه وأمامه مئات الشهداء، دخلته خيل الفرنسيين وحوّلوه إلى اصطبل فترة، تآمر عليه البريطانيون، قاوم كل المحتلين، حاول كل الحكام تطويعه وإخضاعه دون جدوى.
حاولت عشرات الحكومات أن تؤمم رأيه أو أن تجعله تابعاً لها فأبى فى أدب، حاولت جماعات الإسلام السياسى أن تغريه تارة وترهبه أخرى وتشتمه ثالثة أو تصمه بالخيانة أحياناً فصبر صبراً جميلاً ولم ينحن لها، ولم تفلح محاولتهم فى أن يكون تابعاً لهم.
الأزهر يحتاج إلى إصلاح متواصل ومستمر، نعم وهكذا يقر ويفعل شيخ الأزهر الطيب، لكن البعض لا يريد إصلاح الأزهر ولكن يريد ذبحه وموته.
إعلامى بوزن الريشة أعلن وفاة الأزهر، ظن أن مولد الأزهر ووفاته منوط برضا الساسة أو الإعلام عنه، الأزهر كان قبل هذا المذيع وسيعيش بعده.
ملك الموت يمكن أن يأتى إلى كل أحد إلا الأزهر لأنه ليس بشراً ولا حزباً ولا مشروعاً سياسياً، إنه رسالة، والرسالة التى تستند إلى دين خالد لا تموت، ولأنه لا ينازع أحداً على دنيا، أما إذا جار عليه أحد مهما كانت سلطته فالأزهر سيهزمه.
إيران حولت مدرسة «قم» الصغيرة إلى أكبر مدرسة علمية وفقهية شيعية فى العالم، يحج إليها الطلاب من كل العالم ويجدون فيها كل الإمكانيات، ولدينا الأزهر رمز الوسطية والسنة العظيم ولكننا نذبحه كل يوم على مذبح أهوائنا، ولا نعطيه إلا الفتات، ونشتمه صباح مساء.
الذين يشتمون الأزهر عليهم أن يقارنوا بين إمكانيات وصلاحيات مدرسة «قم» اللا محدودة وإمكانيات وصلاحيات الأزهر الهزيلة والتى يتدخل فيها كل من هب ودب من المؤسسات.
لو كان الأزهر عند إيران أو غيرها لسادت به العالم أدبياً ومعنوياً، ولكن الأقزام يشتمون د. الطيب، شيخ الأزهر الزاهد، ولا يستطيعون أن يفعلوا ذلك مع أصغر رجل دين من أى دين آخر أو ملة أخرى، الشيخ الذى لا يتقاضى مرتباً ولا يقبل هدايا الملوك ولا ينطق بفحش مهما شُتم بغير حق ويطور فى الأزهر باستمرار يستحق منا هذا؟!
لقد أصدر الأزهر خمس وثائق فى أيام الثورة الأولى وكلها رائعة ولكن لا أحد يتحدث عنها، وكل الذين كانوا يحتمون بالأزهر وقتها من تيار الإسلام السياسى هم الذين يشتمونه اليوم، وكل الذين كانوا يقولون بمرجعية الأزهر دون غيرها خوفاً من جماعات الإسلام السياسى بعد 25 يناير هم الذين يهيلون التراب على الأزهر اليوم.
لقد هانت العمامة البيضاء هوان الدين نفسه، بعد أن حولته داعش والقاعدة وأخواتهما إلى دين الإرهاب والقتل والدماء فى عرف من لم يفهم الإسلام.
الأزهر خرّج آلاف العلماء والأدباء والشعراء والدعاة والكتاب، وهو رائد الوسطية الإسلامية ورغم ذلك يهيل الجميع التراب عليه.
ازداد الطلاق فى مصر بطريقة غير مسبوقة لأسباب يعلمها الجميع من البطالة والتدهور الاقتصادى والغلاء وغيرها، فما ذنب الأزهر فى ذلك؟
نشأت «داعش سيناء» نتيجة أسباب معروفة هى تهريب السجناء عقب ثورة 25 يناير والفراغ الأمنى الكامل فى سيناء لثلاث سنوات والصراع السياسى، وتهريب أسلحة الجيش الليبى إلى سيناء، فما دخل الأزهر فى ذلك كله؟
هل أصبح الأزهر «الحيطة المايلة» التى يهاجمها كل من هب ودب، وكل من لا يستطيع مهاجمة أحد؟!فهل أصبح الأزهر شماعة يعلق عليها البعض أخطاء التعليم والاقتصاد والسياسة والأحزاب وخطايا البطالة والشباب وغياب الفكر؟!
ماذا يفعل الأزهر إذا كانت كل برامج الإعلام الآن عبارة عن فنان يستضيف آخر ليحكى حكايات تافهة لا تنفع الناس شيئاً؟!
الأزهر مؤسسة علمية ليس لها تماس كبير مع الناس مثل الإعلام أو التعليم، لا تلوموا الأزهر ولكن لوموا التعليم الفاشل الذى خرّج مثل محمود حسن، دبلوم صنايع الذى حاول تفجير كنيسة مارمرقس بالإسكندرية.
هل انتمى أحد من الذين فجّروا الكنائس إلى الأزهر حتى تشنوا عليه هذه الحملة؟ كلهم من التعليم العام، لماذا لم تشنوا هذه الحملة على مؤسسة التعليم العام الفاشلة؟!