يعيشون فقراء ويموتون غدراً: جنود الأمن المركزى.. وقود الثورات المصرية
بملامح بائسة وبشرة سمراء، تجده دائماً «انتباه»، لا تقلقه غير الشمس الحارقة، ولا يزعجه البطن الفارغ، ولا حتى السهام التى تصوب تجاهه، فقط يلتزم بالطاعة العمياء للأوامر، وإن كان ثمنها حياته.
جندى الأمن المركزى بات فى الفترة الأخيرة ضحية لكل الأزمات، يدفع بدمه ثمن الديمقراطية المنشودة، ويهان فى الاشتباكات السياسية بين التيارات المختلفة، وتزهق روحه فى حوادث الطرق، آخرها حادث انقلاب سيارة بسيناء أمس الأول، دون أن يحرك أحد ساكناً، ويسأل نفسه: ما الحقوق التى تكفل لهذا الجندى حياة كريمة.
العميد محمود قطرى، الخبير الأمنى، يرى أن أحوال جنود الأمن المركزى سيئة، وهو أمر ليس بجديد، بل موجود منذ عام 1996، عندما ثار الجنود ضد أوضاعهم السيئة، المتمثلة فى وجبات غذائية غير آدمية، بل ويتم سرقتها من المتعهدين قبل أن تصل إليهم، لم يكن لهم أماكن للإيواء وغيرها من السلبيات التى كانت دافعاً لقيامهم بثورة الأمن المركزى عام 1997، حينها بدأ الجهاز الشرطى يعيد النظر فى أوضاع قطاع الأمن المركزى، وتم عمل عنابر لهم، وتوفير الأسرة ذات الطوابق العديدة، وتحسين الوجبات الغذائية التى تقدم إليهم نوعاً ما، غير أنه بمرور الأيام ومع ضعف إمكانيات الدولة وسقوط الجهاز الشرطى فى ثورة يناير، عادت من جديد أوضاعهم السيئة، وإن كانت لا تصل الآن لما كانت عليه قبل عام 1997.
جنود الأمن المركزى هم وقود الثورة الآن، فى رأى «قطرى» فهم يتحملون كل خطايا مصر بشكل عام والداخلية على وجه الخصوص، مؤكداً أن الداخلية عليها دور كبير فى الارتقاء بقطاع الأمن المركزى، وتوفير الرعاية اللازمة لهم، ويتذكر «قطرى» كتاباً قام بتأليفه فى هذا الشأن بعنوان «عبيد الداخلية»، فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، ذكر فيه أوجه التقصير الشديد الذى يعانى منه الجنود فى العمليات، أبرزها عدم توفير القمصان الواقية لهم، مما يجعلهم يخوضون العمليات وصدورهم عارية.
«نفور شديد من أداء الخدمة العسكرية»، هى النتيجة الطبيعية للأوضاع السيئة التى يتعرض لها الجنود، وفقاً لرأى الدكتور يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى، مؤكداً أن الضغوط النفسية والبدنية التى يتعرضون لها دون أى مقابل، تؤثر حتماً على مشاعر المتقدمين للعسكرية.
أضاف «عبدالمحسن» أن طبيعة شخصية الجندى، تحدد رواسب تلك التجربة على نفسية الجندى بعد انتهاء خدمته العسكرية، فالبعض يستفيد فقط من النواحى الإيجابية فى التجربة، فتكون حياته تتسم بالالتزام وسرعة الإنجاز، بينما البعض الآخر يخرج من الخدمة وهو يعانى من حالة نقمة على المجتمع، ويكره كل أنواع الالتزام والجدية.