متحف «المنصورة للحفريات».. هنا بدأت رحلة اكتشاف الديناصور المصرى
متحف الحفريات فى جامعة المنصورة
من معمل بسيط فى الطابق الثانى لكلية علوم المنصورة، بدأت قصة اكتشاف الديناصور «منصوراسورس» فى واحة الداخلة، ليكون الحدث العلمى الأبرز فى 2018، فالإمكانيات المتواضعة لفريق البحث العلمى المصرى لم تقف عائقاً أمام اكتشاف حفرية الديناصور الأول من نوعه، الذى يمثل حلقة مهمة فى تاريخ الديناصورات قبل انقراضها.
داخل متحف المنصورة للحفريات الفقارية بكلية علوم المنصورة، رصدت «الوطن» كميات كبيرة من عظام «الأحافير الحيوانية» المختلفة، لكن أكثرها أهمية كانت عظام «منصوراسورس»، التى جاورتها لوحة كبيرة للشكل التخيلى للديناصور، بينما وقف مدير مركز الحفريات، الدكتور هشام سلام، بجوار الحفريات فخوراً بإنجاز فريقه البحثى.
كانت جامعة المنصورة أعلنت فى بيان صحفى عن نجاح فريق من باحثيها، بقيادة الدكتور هشام سلام، فى العثور على حفرية ديناصور ضخم فى واحة الداخلة بمحافظة الوادى الجديد، موضحة أن الديناصور المكتشف له عنق طويل وأربع أرجل، وعاش قبل نحو 70 مليون عام، ما يلقى الضوء على فترة غامضة فى تاريخ الديناصورات بأفريقيا.
وأشارت إلى أن «الديناصور المكتشف آكل للعشب، وينتمى للعصر الطباشيرى، ويبلغ طوله عشرة أمتار، ويزن 5.5 طن، وهو من فصيلة تيتانوسورز، التى تضم أكبر حيوانات برية عاشت على الأرض»، مضيفة أنه «عاش قرب شاطئ محيط قديم موجود قبل البحر المتوسط، وهو أحد أنواع قليلة من الديناصورات عاشت على البر الرئيسى الأفريقى خلال آخر 15 مليون عام من عصر الديناصورات (ماسازويك) أو الدهر الوسيط».
الفريق البحثى يتحدث: الديناصور المكتشف فصيلة نادرة وقارنا عظامه بعظام من الأرجنتين والبرازيل وأوروبا ويزن 5.5 طن رغم أن وزن فصيلته يصل إلى 70 طناً وهو أول ديناصور فى الحقبة الزمنية التى تصل لـ70 مليون سنة
الدكتور هشام سلام، قائد الفريق البحثى، وقف ممسكاً بقطعة عظمية، وقال: «هذه عظام حقيقية، وتمت دراستها ومقارنتها بالعظام المماثلة فى باقى أنحاء العالم، وبينها عظام لديناصورات مكتشفة فى البرازيل والأرجنتين وأوروبا، ولم نجد بعد الدراسة أى ديناصور مشابه للمكتشف فى واحة الداخلة، وهو ينتمى لمجموعة الديناصورات الضخمة».
وأضاف: «الغريب بالنسبة لنا أن الديناصور المكتشف ليس ضخماً، رغم أنه بالغ، فهو يزن ما يزيد على 5 أطنان، بينما المجموعة المنتمى لها يصل وزن البالغ منها إلى 70 طناً، ما يعد دليلاً مادياً على وجود جسر برى بين قارتى أفريقيا وأوروبا وقتها، فالديناصور من آكلات العشب، وهو وجد فى مرحلة التقزم خلال العصر الطابشيرى».
وعن الفريق البحثى المشارك فى الاكتشاف، قال سلام: «يتكون الفريق من عناصر نسائية، هن الدكتورة إيمان الداودى، أول باحثة مصرية وعربية فى مجال الديناصورات، والدكتورة سناء السيد، والدكتورة سارة صابر، الباحثتان فى جامعتى المنصورة وأسيوط»، مشيراً إلى أن الفريق عمل فى البحث على مدار 5 سنوات متواصلة، شملت أكثر من 20 رحلة علمية.
بين الأدلة العلمية على تفرّد الديناصور المكتشف، قال سلام: «تأكد لنا أن الديناصور من آكلات العشب، وعثرنا على الفك السفلى، وتبين أن له ذقناً طويلاً، ومما يؤكد تميزه أن كل الديناصورات المكتشفة فى السابق من هذه الفصيلة لها 9 أسنان فقط، بينما الأخير له 10 أسنان، ويعتبر أول ديناصور يكتشف فى هذه الحقبة الزمنية التى ترجع إلى 70 مليون سنة»، موضحاً: «وقتها كان شاطئ البحر المتوسط يقع بعد محافظة أسيوط، وكان شمال البلاد مغموراً بمياه البحر، لذلك كانت هذه الديناصورات فى الجنوب وليس الشمال».
البداية كانت فى عام 2008، حسبما يقول سلام: «كنا نبحث عن هذه الديناصورات منذ 10 سنوات، وعثرنا على الأجزاء الأولى فى عام 2013، ويعد الاكتشاف مهماً، لذلك لاقى اهتماماً من كل الوكالات العالية، كما نشر فى أكبر مجلة علمية»، مضيفاً: «من خلال هذا البحث نقرأ تاريخاً لم يره البشر، ويمكن أن يكون هذا الاكتشاف نواة لأكبر متحف فى الشرق الأوسط، ويؤكد أن وحوشاً كانت تعيش على أرض مصر قبلنا».
أما الدكتورة سناء السيد، عضو الفريق البحثى، فقالت: «البحث العلمى لا يتوقف، وبدأنا التفكير فى بحث جديد، ونحن أثبتنا نظرية كانت موجودة، والمنصوراسورس أثبت وجود ارتباط جغرافى سابق بين قارتى أفريقيا وأوروبا، بالتأكد من وجود نسب بين الديناصور المكتشف فى مصر، والديناصورات الأخرى المكتشفة فى أوروبا»، مضيفة: «الجديد أن جميع الاكتشافات السابقة فى هذا المجال داخل مصر كانت من جانب بعثات أجنبية، بينما الاكتشاف الأخير كان لبعثة مصرية».
وأوضحت: «فكرة تكوين كوادر مصرية فى مجال الحفريات الحيوانية كانت للدكتور هشام سلام، بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة أكسفورد، ونحن بدأنا من الصفر، فلا يوجد لدينا سوى دكتوراه واحدة فى الثدييات، وعانينا كثيراً فى البداية، فحتى الأدوات لم تكن موجودة، وكنا نحصل عليها من الولايات المتحدة، ومن بين الصعوبات أن معظم الفريق من السيدات، لذلك كانت هناك اتصالات شخصية بين أسرنا والدكتور هشام».
وأضافت: «كنا نعمل بروح الفريق وراء هدف رئيسى، وسافرنا فى رحلة شاقة إلى الصحراء لمدة 21 يوماً، وكل الرحلات التى سافرنا فيها كانت لأماكن لم يلمسها بشر من قبل، وعندما عثرنا على منصوراسورس عرفنا أننا سننشر البحث فى النيتشر، وطبقنا عمليات علمية صارمة، وتعلمنا تشريح الديناصور، وكنا نعمل بعناية فائقة، ولكى نقول إن هناك جنساً جديداً من الديناصورات تم اكتشافه كان علينا إجراء مقارنات بين مئات العينات على مستوى العالم».
وقالت الدكتورة سارة صابر، عضو الفريق البحثى، والمدرس المساعد فى قسم الجيولوجيا بـ«علوم أسيوط»، إنها كانت أول باحثة مصرية تحصل على جائزة SEDN فى أكبر مؤتمر دولى للأحافير الفقارية، والمنعقد بالولايات المتحدة فى أكتوبر 2016، وضم ما يقرب من ألفَى عالم وباحث من المتخصصين فى الحفريات الفقارية، وكان موضوع الدراسة المقدمة منها «بقايا التماسيح من رواسب العصر الطابشيرى العلوى فى واحتى الداخلة والخارجة بالوادى الجديد».
وأشارت إلى أن دخولها فى الفريق البحثى كان فى عام 2013، عندما طلب منها الدكتور هشام سلام المشاركة فى محاضرة كان يلقيها على طلبة كلية العلوم بالوادى الجديد، موضحة: «عقب المحاضرة ذهبنا إلى واحة باريس، وهناك وجدنا بقايا ديناصورات غير كاملة، فتوجهنا إلى واحة الداخلة، وأثناء البحث عثرنا على كسرات عظمية، وبالحفر وجدنا الكثير منها، وتأكدنا فى النهاية أنها عظام ديناصور».
وأضافت أن «استكمال العمل الاستكشافى كان يحتاج أسبوعين، إلا أن الفريق لم يكن يملك ما يساعده من أدوات، وواجهتنا مشكلة فى مغادرة الموقع لجلب المعدات، نظراً لوجود محجر فى موقع الاكتشاف، فلجأنا إلى تغطية الاكتشاف لحين عودتنا مرة أخرى، وأسفرت الجهود اللاحقة عن اكتشاف عظام الديناصور كاملة».