رحم الله فناننا الكبير «توفيق الدقن»، صاحب العبارة الأشهر «أحلى من الشرف مفيش».. التى كان يتوج بها شره فى الأفلام، الذى كان غالباً فى مجمله مناقضاً للشرف، أو ضرباً لفكرة الشرف.. عاودنى وجه الدقن وأنا أتابع فيديو مصوراً لمسئول كبير، أوقعت به قبل يومين، الرقابة الإدارية التى يدعو الناس، صباحاً ومساء «الله يباركها ويقويها».. الفيديو كان لحوار مع المسئول الذى تم الإيقاع به، لأنه «مرتشى»، يساوم على طعام الفقراء المدعوم، (شىء فى منتهى الانحطاط)، وقد أخذته «الجلالة» والعظمة وهو يشرح دوره ودور الشركة الحكومية التى يترأسها فى الإسهام لوصول السلع المدعومة من الدولة غالباً، إلى الناس، بأحسن الأسعار، مع بعض ديباجات «وطنية».. كنت من قبل، وفى نفس السياق تقريباً، قد شاهدت فيديو لمساعدة محافظ، اصطادتها أيضاً هيئة الرقابة الإدارية لفسادها، والفيديو كان درساً فى الوطنية تلقيه على الموظفين، وملخصه «ما تقولش إيه إدتنا مصر وقول حاندى إيه لمصر».. فى حقيقة الأمر أن تجاسر الفساد فى المراكز القيادية، بعد ما جرى فى مصر ووقاحة استمراره رغم التصريح الواضح والمباشر من رئيس الدولة، بأنه لا أحد فوق الحساب، وأنه لن يفلت من العقاب من تسول له نفسه أن يمد يده على ما ليس من حقه، ورغم هذا الحضور الحقيقى لجهاز الرقابة الإدارية، هذا الاستمرار الذى لم يتورع ولم يرتدع ويصر على أن «يأكل لحم أخيه حياً»، وأن يرتدى مسوح الوطنية، محتاج لدراسة فعلاً، لنعرف: لماذا لا يخاف الفاسدون؟ لماذا رغم التوجه المعلن وملامح المحاسبة التى لا يمكن إنكارها؟ من أين تأتيهم هذه «الجسارة الوقحة»؟ ثم سؤال آخر حول آليات «شبكات الفساد» المصغرة، أو «تعاونيات الفساد»، لو جاز التعبير.. يعنى المسئول الكبير ومدير مكتبه، والمسئول الإعلامى ومسئول الاتصال السياسى.. هذا التنسيق المتناغم، لا بد أن يستوقفك أيضاً ولا بد أيضاً أن يثير كلاماً عن القيادات الفاسدة التى تختار بعضها البعض و«توفيق الرؤوس فى الفساد»، وعدم وجود أشكال من المحاسبة والرقابة الداخلية داخل الهيئات.. دعك من الأرقام التى تم تسريبها عما يتقاضاه هؤلاء الفاسدون كدخول رسمية وهى مبالغ بعشرات الآلاف، (أقلها عشرون ألفاً للمسئول الإعلامى الذى كان فى طريقه إلى التصعيد)، وخذ بالك من المصادفات كل مسئول تضبطه الرقابة الإدارية، فى أرشيفه، ما يثبت أنه أخذ دور «معلم الشعب»، فى أوقات عديدة، وألقى «عظات» فى حب الوطن وحتمية التضحية، ولولا الملامة لقال لنا «أحلى من الشرف مفيش» على طريقة الدقن، الله يرحمه، والإنترنت، الله يسترها، حفظت لنا هذه العنتريات الوقحة، ولو كنت من المتخصصين، لأخضعت هؤلاء لدراسة عن «إنثروبولوجيا الفساد»! ولجعلت محاكماتهم «علنية»، وإن كنت أشك أن هؤلاء الفاسدين يقيمون أى اعتبار لمفهوم «التجريس».
لماذا لا يخاف الفاسدون؟ ومن أين تأتيهم كل هذه «العطانة»، التى بها يساومون فى كل شىء ولا يتورعون عن سرقة الفقراء؟