سكة سفر
الصورة البديعة لا تشير إلى محطة مترو الأنفاق فى طوكيو، أو محطة قطار لندن، وإنما تحمل بصمات مصرية تعود إلى وسط القاهرة: محطة رمسيس، التى كانت يوماً أشبه بالسرداب؛ الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، حتى أحالها مهندس معمارى، بلمسات سحرية عقب ثورة يناير، إلى ما يظهر من قبة ذات زخارف وعواميد ذات إنارة تشرح الصدر، وسلالم ولوح إلكترونية تريح أطنان البشر الموجودين فى محطة القطار، ذات التاريخ الحافل فى مصر.
المحطة، التى أنشئت فى القرن التاسع عشر وكانت تحمل اسم باب الحديد، وهناك فيلم ليوسف شاهين يحمل الاسم ذاته، كانت بمثابة المصب الذى فيه تلتقى كل المحافظات ليذهب كل إلى مسعاه، فلم يكن وقتئذ يُعرف مترو الأنفاق، الأمر الذى جعل القطارات تذهب إلى أماكن قريبة أحياناً. وتلك القطارات العتيقة، التى كانت تُستخدم فى تلك الحقبة، يوجد نماذج منها الآن أمام واجهة المحطة. تلك المحطة التى حملت مكانة مهمة لدى المصريين، حيث يُعدُّ القطار هو وسيلة المواصلات الأكثر استخداماً قديماً وحديثاً، مهما بلغت المحطة من سوء أو شهدت من تطور.
يدوى صفير القطار، تشاهد أصنافا من البشر يمثلون مصر بكل روحها، هذا عريس يسير بجوار عروسه، مسافرين لقضاء شهر العسل، وهذا طالب قادم من أقاصى الصعيد باحثاً عن العلم فى القاهرة، وهذان عصفوران يتناجيان بهمسات الحب قبل أن يسافر كل لبلدته، وهذه سيدة شعثاء غبراء على قسماتها وعثاء السفر تسأل الناس نقوداً تعيدها لمحافظتها البعيدة، وعجوز يرتدى ملابس تجعله أشبه بمعلمى السينما، جيبه منتفخ من فرط الأموال التى سيذهب بها إلى سوق العبور، وتلوح مجموعة من الأصدقاء يتسامرون، فرحين بإجازة الصيف بالإسكندرية التى طال انتظارها، ومن خلفهم شاب ذو بشرة سمراء ورداء أخضر اللون، يترقب مصيره فى كتيبته بالجيش بعد أن تأخر القطار عن موعده المحدد، بين كل هؤلاء وأولئك عمال النظافة، ينحنون أرضاً ملتقطين ما يلقيه العابرون بلا اكتراث.