شاطئ "الموت" مهجور.. الشوارع خالية والمقاهي بلا زبائن والشقق تبحث عن سكان
شاطئ النخيل شهد حوادث غرق خلال الأيام الماضية
الشاطئ مُغلق ولافتات التحذير منتشرة فى كل مكان.. الشوارع خالية من المارة، والمحلات والمقاهى بلا زبائن، وسيارات الأجرة تبحث عن ركاب، والإقبال منخفض جداً على تأجير الشقق، وهدوء قاتل يضرب شاطئ النخيل بحى العجمى غرب الإسكندرية بعد انتعاش مؤقت شهدته المنطقة بمجرد تخفيف الإجراءات الخاصة بفيروس كورونا، إلا أن الحياة توقفت بعدما شهد الشاطئ حادثاً مروعاً ابتلع فيه البحر 11 شخصاً تسللوا خلسة إلى «شاطئ الموت»، وباتت المنطقة مهجورة، فى مشهد لم يحدث من قبل خلال موسم الصيف.
لافتات بطول 1800 متر على "النخيل" للتحذير من نزول البحر بعد غرق 11 شخصاً
«محافظة الإسكندرية، الإدارة المركزية للسياحة والمصايف.. طبقاً لقرار السيد رئيس مجلس الوزراء ومحافظ الإسكندرية.. يحظر نزول الشاطئ قطعياً.. الشاطئ مغلق»، عبارة وُضعت على لافتة تحذيرية كبيرة سوداء اللون، أمام البوابة الرئيسية لمدخل النخيل بجانب الكثير من اللافتات الأخرى الصغيرة التى تحذّر المواطنين من نزول البحر وتنتشر على الشاطئ الذى يمتد لمسافة 1800 متر.
طابور "التمناية" ينتظر الركاب
«يا أستاذ، الشاطئ مقفول وممنوع حد يقرّب منه» بهذه الكلمات حذّر أحد الموظفين المسئولين عن مراقبة الشاطئ، مُصيّفاً حاول الاقتراب من الشاطئ، موضحاً أنهم يقفون على الشاطئ يومياً من 7 صباحاً حتى 7 مساء، ومساحة الشاطئ كبيرة، ولا يستطيعون السيطرة عليها بالكامل، دون تفعيل دور البوابة مرة أخرى بمنع دخول النخيل سوى بكارنيه يُثبت أنه من سكان أو مؤجرى شقق بالداخل، مضيفاً: «لما نمنع الناس من الاقتراب من الشاطئ بيزعلوا مننا ويتخانقوا معانا».
أعداد المُصيّفين بالشاطئ انخفضت بشدة عقب حادث الغرق الأخير، وغلق الشاطئ نهائياً، ولم تتبقّ داخله سوى أعداد قليلة من الأسر التى اعتادت المجىء سنوياً وفى أحد الشوارع الجانبية يسير عماد أحمد، 53 عاماً، فنى ديكور بالقاهرة، بصحبة ابنه، حيث اعتاد «عماد» المجىء سنوياً إلى شاطئ النخيل بصحبة أسرته على مدار 10 أعوام، موضحاً أنه قرر المجىء إلى النخيل هذا العام بعدما هدأ فيروس كورونا وانخفضت أعداد الإصابات، ولم يكن يعلم بحادث الغرق أو غلق الشاطئ، لأنه جاء فى نفس توقيته تقريباً.
وتابع: «أعداد المصيفين السنة دى أقل كتير عن السنين اللى فاتت، والفترة دى من كل سنة كنت تلاقى الدنيا زحمة جداً صبح وليل، والناس هنا قلّت علشان الشاطئ مقفول، ولو البحر ده اتفتح هنشوف كمية الناس اللى هتيجى، لأن دى مش أول مرة تحصل حوادث هنا».
غلق شاطئ النخيل أمام المُصيفين، جعل «عماد» يقضى يومه برفقة زوجته وأبنائه الصغار على ممشى الشاطئ، وبعدها بالجلوس على أحد المقاهى، مضيفاً: «معظم الناس اللى بتيجى هنا بيبقى علشان البحر، ولما اتقفل فيه اللى لغى الحجز، وفيه اللى قعد يومين تلاتة ومشى، لأن قفلة البحر بتضايق ناس كتيرة»، مشيراً إلى أنه ترك أبناءه الكبار فى شاطئ الهانوفيل والصغار معه بالنخيل.
تأجير الشقق السكنية بمنطقة شاطئ النخيل تأثر سلبياً، نظراً لقلة المصيفين الوافدين إلى المنطقة، وهو ما اتفق عليه السماسرة، موضحين أن سوق التأجير والبيع والشراء توقفت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.
داخل أحد مكاتب السمسرة جلس أحمد على، 32 عاماً، صاحب المكتب على كرسى بالمدخل، وهو يعمل فى مجال السمسرة منذ 5 أعوام، موضحاً أن الإقبال على تأجير الشقق تأثر أولاً بفيروس كورونا، ثم بدأ الوضع يتحسّن قليلاً حتى حادث غرق 11 شخصاً فتوقف الحال تماماً حتى الآن، مضيفاً: «الموسم ده بايظ خالص، وشغالين دلوقتى على أنه لو واحد بيبيع الشقة بيطلع لى نسبة فيها، وموسم الصيف الطبيعى بتبقى فيه حركة بيع وشراء كبيرة للشقق بجانب التأجير».
"سمسار": الشقق من 150 لـ700 جنيه فى اليوم
وأوضح أن أسعار تأجير الشقق خلال موسم الصيف تبدأ من 150 جنيهاً فى اليوم الواحد حتى 700 جنيه، وتتوقف الأسعار على القرب أو البُعد عن شاطئ البحر، ولو الشقة المُكيفة يرتفع سعرها 50 جنيهاً فى اليوم، مشيراً إلى أن أسعار شراء الشقق فى النخيل يبدأ من 190 حتى 500 ألف جنيه، وهى المواجهة للبحر، أما أسعار تأجير الشاليهات المُطلة على البحر فتتراوح من 3500 إلى 5 آلاف جنيه فى اليوم، ويتوقف السعر على المساحة أو وجود حمام سباحة أو مواجهة البحر.
محلات ومقاهٍ مغلقة، وأخرى مفتوحة، لكنها خالية من الزبائن، داخل منطقة النخيل، فى أحد المقاهى الكبيرة بالشارع الرئيسى المؤدى إلى الشاطئ، لا يجلس سوى 3 زبائن، بالإضافة إلى منصور عكاشة، 43 عاماً، صاحب المقهى، الذى يعمل بالنخيل منذ 15 عاماً، موضحاً أن هناك الكثير من المحلات والمقاهى أغلقت تماماً خلال الفترة الأخيرة بسبب الظروف الصعبة التى يمرون بها، وقال بنبرة غاضبة: «الوضع الفترة دى سيئ جداً فوق ما حد يتخيل، وباكمل قبض العمالة اللى شغالة معايا فى الكافيه من جيبى الخاص، لأننا خرجنا من أزمة كورونا، وبدأت بعدها الدنيا تمشى، رُحنا داخلين على حادث الغرق الأخير، والكافيتريا مفيهاش غير 3 زباين قاعدين عليها، وبافكر أقفلها».
طابور طويل من سيارات سوزوكى، المعروفة فى الإسكندرية بالـ«تمناية»، تتراص خلف بعضها فى مدخل الشارع الرئيسى المؤدى إلى شاطئ النخيل، فى مشهد لا يحدث خلال موسم الصيف الذى كان يعجّ بالمصيفين سنوياً، وتزدحم معه الشوارع بهذه السيارات التى تُعتبر وسيلة المواصلات الرئيسية فى المنطقة، ولكن هذا العام ظهرت «التمناية» خالية من الركاب، واضطر بعض السائقين لعدم تحميل السيارة بالكامل أثناء الدخول، مع الرجوع من ناحية الشاطئ والسيارات دون ركاب.
على ناصية أحد الشوارع الجانبية، جلس خالد محمود، 39 عاماً، مرتدياً جلبابه داخل سيارته «التمناية»، منتظراً خروج أىٍّ من المصيفين أو السكان، وقال بلهجة صعيدية: «واقف على ناصية الشارع مستنى أى حد يشاور لى أدخل أجيبه من الشارع جوه، لأنى مش لاقى أى زباين، ومن بعد المغرب مفيش شغل، وطول النهار أدخل بنفر وأخرج بنفر تانى وأحياناً باخرج فاضى».
يعمل «خالد» سائقاً منذ 25 عاماً، وجاء من محافظة قنا فى نوفمبر بعدما تواصل مع معارفه ونصحوه بالمجىء إلى العجمى والعمل بها سائقاً، وفقاً لكلامه، مضيفاً: «الشغل مريح خالص بسبب كورونا، ولما بدأت الدنيا تهدا كنا منتظرين الدنيا تبقى أحسن، وفعلاً فتحت لمدة أسبوع والشغل بدأ يرجع حلو تانى، وفجأة حصلت الحادثة اللى غرق فيها 11 شخص فى النخيل، ومن وقتها والدنيا وقفت تانى» مؤكداً أنه من النادر تحميل السيارة بالكامل، ومن يجده فى طريقه يوصله إلى الخارج بأجرة 2.5 جنيه فقط.