كوبرى «غمرة» شاهد على مأساة «بولا» منذ 7 سنوات
كوبرى غمرة، تمر أعلاه وأسفل منه مئات السيارات والبشر، لكن بين ثنايا الكتلة الخرسانية الصماء ببطن الكوبرى كومة من مخلفات المبانى ممتدة بطول الكوبرى، يفترش «بولا» عليه بطانية «ميرى» صوفية النسيج رمادية اللون على الأرض بعد ثنيها طبقتين كسرير وأخرى متهالكة يرفعها على عرق خشبى ومعها ملاءة كخيمة، معتقداً أن له خصوصية فى مكان يأبى الاعتراف بآدمية البشر، لكن القطع فى خيمته المتهالكة لم تخفِ قدميه التى تكسوها طبقة طينية سوداء ويحاصرها سرب من الذباب المتطاير لا يكف عن الطنين، ولم يمنع الحاجز الممزق نظرات المارة تارة بالشفقة و«مصمصة» الشفاة متبوعة بالقول «الحمد الله الذى عافانا مما ابتلى به غيرنا»، وتارة أخرى بالاشمئزاز والقرف.
«محسن» الشهير بـ«بولا» ذو الخامسة والثلاثين عاماً -كما يذكر- عمره الحقيقى الذى يخالف ملامح وجهه التى تتجاوز أكثر من ذلك بكثير، يعمل بجراج سيارات عشوائى يبعد عن مرقده بعشرات الأمتار، يبدأ يومه بصيحات «هانى» صاحب الجراج -الذى يعمل عنده- فى الحادية عشرة التى توقظه من ثبات عميق رغم كل ما حوله، ينهض من نومة قاصداً مكان عمله، يسير ونظره مسلط على الأرض ليس انكساراً بقدر البحث عن شىء يلفت نظره من أكوام «الزبالة» التى تم إلقاؤها أثناء نومه، وبمجرد وصوله للجراج يتولى غسل السيارات وكنس وتنظيف أرضيته ورشه بالماء مقابل عشرة جنيهات وأحياناً تزيد إلى 15 جنيهاً يتقاضاها يومياً من صاحب الجراج، ينفق نصفها على علبة سجائر والنصف الآخر يأكل منه، ولا يدخر شيئاً.
يحكى محسن، القابع منذ سبع سنوات أسفل كوبرى غمرة، قصته قائلاً: «أنا كنت صنايعى نقاش، وكنت بشيل شغل فى المنطقة هنا وشطبت شقق كتير»، لكن بوفاة والدته ووالده فى 2005 قام صاحب البيت بالاستيلاء على الغرفة التى كان يعيش فيها معهم، ولم يجد أمامه غير النوم فى الشارع ومن يومها لم يأتِ له شغل «نقاشة»، مما دفعه إلى العمل فى غسل السيارات، يصمت برهة وعيناه تترقرقان بالدموع، قائلاً «منه لله أخويا لم يقف معى فى مرضى وهو الذى أغرقنى فى الديون ورمانى فى الشارع»، رافضاً استكمال الحديث أو ذكر التفاصيل.
لا يمتلك «محسن» غير قميصه «الكروهات» وبنطلونه الذى يرتديه وطقم آخر فى الجراج، ويقوم هو بغسل ملابسه كلما شعر أنها غير نظيفة ويرتدى الطقم الآخر، ومصدر ملابسه الوحيد من «الزبالة».
ورغم كل ما يمر به «محسن» يصفه هانى صاحب الجراج الذى يعمل معه، بأنه زاهد فى الدنيا ويقتنع بما يأخذه من فلوس فى نهاية اليوم، فإذا أخذ عشرة جنيهات لا يعترض ولا يطلب زيادة، ويصفه صاحب الجراج بالأمين قائلاً: «لم يسبق له أن ثبت عليه سرقة أى شىء».
أخبار متعلقة
مصر التى تحت الكبارى
محامٍ يبنى بيته أسفل كوبرى «سرياقوس».. وشعاره «إن خرب بيت أبوك خذ لك منه قالب»
كوبرى مسطرد: وكر البلطجية.. والمقاهى تقدم حجر الحشيش بـ6 جنيهات والبانجو بـ 4
كوبرى دائرى الخصوص: تعديات بالجملة.. ومكان على حافة الانفجار
كوبرى «بلقس».. «الشحاتة خير من المشى البطال»
كوبرى «أبوحشيش» نموذج للتعديات وفساد المحليات
كوبرى «غمرة» شاهد على مأساة «بولا» منذ 7 سنوات