«نحن لا نصنع التاريخ بل التاريخ هو من يصنعنا».. عبارة شهيرة وردت ضمن خطابات الزعيم والناشط السياسى مارتن لوثر كينج. كلمات تسجل ضرورة توثيق التاريخ بكل دقة بعيداً عن الشوائب، تضمنتها بعض مؤلفات سردت التاريخ وفقاً لأهواء كتابها. الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى سياق أنشطتها كمنظومة متكاملة، احتفت بتاريخ مصر العريق، سواء البعيد أو المعاصر.. قناة الوثائقية منذ انطلاقها أصبحت بإنتاجاتها المتميزة مكتبة ثرية حافلة بالأفلام التسجيلية عن أهم الأحداث والشخصيات المصرية والعالمية. الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وثقت التاريخ عبر أقرب وسائل التواصل إلى قلب المشاهد.. الدراما حين خلقت حالة من الإبداع والوعى والمتعة والتنوير مع عرض ثلاثية «الاختيار»، التى كشفت للمشاهد فى صيغة جمعت بين الدراما واللقطات الواقعية حقائق الأحداث التى عاشتها مصر بين 2011 حتى 30 يونيو 2013. فى السينما لم يغب عن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تسجيل ملحمة ضمن بطولات سطرها الجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف فى فيلم الممر.
15 فبراير عام 2015 بث تنظيم داعش فيديو هو الأكثر وحشية فى تاريخه الدموى، يتضمن ذبح 21 مواطناً قبطياً مصرياً كان قد اختطفهم فى وقت سابق. رد الرئيس عبدالفتاح السيسى جاء فورياً وحاسماً فى كلمة طارئة، مؤكداً أن مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد بالأسلوب والتوقيت المناسب للقصاص من القتلة. القصاص لم يتأخر.. خلال ساعات فجر ذات اليوم شنت القوات الجوية المصرية غارات على مواقع وأهداف محددة للتنظيم التكفيرى استهدفت أعداداً من قادته.
مشهد الاستهلال فى فيلم السرب جاء موجزاً ومعبراً عن محاولات التنظيمات التكفيرية التسلل عبر حدود مصر الغربية فى عدة محاولات لتهريب الأسلحة وغيرها، إذ مهد المشاهد لتوالى الأحداث التى انتهت بنجاح الغارات الجوية التى شنها سلاح الطيران ضد قواعد داعش فى درنة. المؤلف عمر عبدالحليم ربط بإبداع بين الأحداث الواقعية والحبكة الدرامية فى تتبع الجوانب الإنسانية للشخصيات التى صاغها بمهارة وحرفية. يستعرض القسوة والزيف اللذين يتسم بهما نمط حياة هذه التنظيمات مع أكاذيب وهم الإمارة التى خلقها قادة هذه التنظيمات للتغطية على حجم النفاق الذى تتسم به حقيقتهم. أبرز المشاهد التى نسجها المؤلف فى التعبير عن ألم وأحزان أمهات الشهداء ظهر فى تفاصيل مشهد رائع لعارفة عبدالرسول -فى دور والدة أحد الشهداء- عند رؤية وجه ابنها ضمن الضحايا. أيضاً يحسب لكتابة العمل تنقل المشاهد بين قادة السلاح الجوى والمخابرات الحربية ما عكس التضافر بينهما فى متابعة كل تفاصيل الضربة الجوية.
كادرات ولقطات المخرج أحمد نادر جلال قدمت للمشاهد عملاً فنياً لا يقل فى مستواه وضخامته عن أهم الأعمال العالمية، سواء إنتاجياً أو مستوى عناصره المختلفة. المونتاج، الجرافيك، التصوير. تفاعل مع رؤية المؤلف فى ضبط إيقاع حركة الكاميرا التى اتسمت بالنقلات السريعة فى مشاهد التخطيط والإعداد للضربة الجوية، ومتابعة كبار قادة القوات المسلحة وأجهزة المخابرات الحربية لتفاصيلها فى دلالة على سرعة تحرك هذه الأجهزة للثأر لدماء المصريين، كما حدث فى الواقع بينما يغلب إيقاع أهدأ على مشاهد الخطوط الدرامية الأخرى، سواء فى علاقة نيللى كريم بزوجها أمير التنظيم محمد ممدوح أو شقيقها دياب «العقرب»، خصوصاً أن طبيعة الحوار بين أفراد التنظيم جاءت مطابقة لواقع الحالة اللاإنسانية لحياة أفراد هذا التنظيم. إذ رغم كون الشخصيات من إبداع المؤلف فإنها موجودة فعلاً داخل هذه التنظيمات وإن اختلفت أسماؤها، أيضاً فى تتبع شخصية «خديجة» صبا مبارك، الصحفية وعلاقتها القديمة بأمير التنظيم. هذا التناغم فى ضبط المخرج إيقاع حركة الكاميرا بين الشحنات الوطنية والإنسانية، حتى استخدام تقنية الجرافيك فى بعض المشاهد جاء بقدر مدروس دون أن يخدش الفكرة الأساسية للعمل القائمة على أحداث واقعية.
جميع أبطال العمل ظهروا فى أفضل حالات الأداء، عكس خضوعهم لتدريبات عديدة تحديداً فى المشاهد داخل الطائرات الحربية. المستوى العالى من الاحتراف فى أداء الشخصية المركبة التى أدتها ببراعة نيللى كريم.. أحمد السقا، دياب، شريف منير، محمد ممدوح، عمرو عبدالجليل، والظهور المتميز لمصطفى فهمى، أحمد صلاح حسنى، محمد فراج، وعدد آخر من الفنانين تجاوز أداؤهم الإتقان لدرجة التوحد مع الحدث حتى أصبحوا جزءاً منه وهو جزء منهم.
ملحمة «السرب» هى إضافة مهمة بعد فيلم «الممر». حقق بكل جدارة التميز فى جميع العناصر الفنية، بالإضافة إلى ما يتطلبه العمل الفنى من عناصر التشويق والمتعة وأهمية التفاصيل التى كشفها للمشاهد عن ساعات زمنية حاسمة دار خلالها هذا الحدث المهم. الإقبال غير المسبوق الذى يشهده الفيلم بالتأكيد هو مؤشر أن الجمهور ينتظر المزيد من هذه الأعمال. أخيراً يحسب للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، شركة «سينرجى» والمنتج تامر مرسى توثيق العمل البطولى الذى نفذته القوات الجوية تأكيداً لرسالة القيادة السياسية والقوات المسلحة.. «الدم المصرى غالى.. والبلد ليها صاحب».