أقمنا الدنيا ولم نقعدها بعد خطاب الرئيس السيسي الأخير، وتباري المتبارون علي مواقع التواصل الاجتماعي، يسخرون من بعض المقاطع والكلمات التي وردت علي لسان الرئيس في ذلك الخطاب.الغالبية من المتابعين تعاملوا مع الخطاب دونما تفكر في الدوافع التي اودت بالرئيس الي الانفعال، وذكر عبارات غير معهودة في الخطابات المماثلة !
لم يشغل احدا نفسه بإن يفكر في تلك الدوافع التي دعت الرئيس الي قول عبارة " أنا لو ينفع اتباع كنت أبيع نفسي عشان مصر"، تلك العبارة التي سبقها الرئيس بالتحفظ والتأكيد علي إنه سوف يقول كلمة صعبة جدا !
لم يتوقف احد امام عبارات متفرقة وردت في خطاب الرئيس، لو قام منصف اومجتهد بالتفكر في تلك العبارات لتوصل دونما إرهاق او ذهني الي قراءة ما بين السطور، وبيان ما أراد الرئيس ان يقوله ولكن بشكل غير مباشر!
قال الرئيس ضمن ما قال " انهم يعايروننا بفقرنا " .. لم يشغل احدا نفسه بأن يسأل نفسه عن أولئك الذين يعايروننا بفقرنا، لم يعط احدا لنفسه فرصة للتأمل وان يسرح ولو قليلا مع نفسه كي يربط بين هذه المعايرة وبين الانفعالة الحادة من الرئيس التي جسدت ان هناك أزمة خانقة دفعت الرئيس الي قول العبارة التي وصفها بالصعبة.
ايضا لم يتفكر احدا فيما قاله الرئيس عن حجم المساعدات التي تلقتها مصر من الاشقاء في دول الخليج - والذين كرر الرئيس تقديم الشكر لهم - وحرص الرئيس علي التأكيد ان ما تلقته مصر من دول الخليج لتأمين احتياجاتنا من الوقود كان في حدود ٥١ مليار جنيه من اجمالي قيمة هذه الاحتياجات التي بلغ اجمالي كلفتها ما يقرب من ٤٠٠ مليار جنيه ، حرص الرئيس ايضا علي التأكيد علي ان هذه المساهمات الخليجية ليست منحا ولكنها قروضا ميسرة بشكل كبير جدا وهو الامر الذي استوجب من الرئيس الثناء علي هذا الدعم الخليجي الذي هو قروضا ميسرة وليست منحا او هبات !
لم يهتم احدا بأن يربط بين الكلمات والعبارات الي قالها الرئيس في خطابه الأخير وبين الوضع الشائك الذي تعيشه مصر والوطن العربي والعالم بعد الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣، لم يهتم احد بأن يربط بين هذه الكلمات الرئيس وبين التطورات الحادة التي تحدث علي مدي اللحظة في نطاق الوطن العربي، والتي تنذر بعواقب وخيمة حتما ستصيب الوطن العربي في مقتل ، وستهدد أمنه واستقرار شعوبه، فخلال عام واحد فقط، نشب الصراع بين قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الحوثيين والرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح .. في تلك العمليات اختارت مصر الا تشارك بجيشها في تلك العمليات ، واقتصرت المساهمة المصرية علي إرسال قطع بحرية للمشاركة في تأمين حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب ، وكانت هذه المشاركة المصرية الي جانب مشاركات قوات دولية متعددة تعني بتأمين الملاحة في هذا الممر بإعتباره ممرا دوليا تقصده ما يقرب من سبعين في المائة من حركة التجارة الدولية، ومؤخرا تصاعد التأزم في الوضع الإقليمي واستجدت مطالبات بالتدخل البري في سوريا، في محاولة لحسم الصراع العسكري الدائر هناك دعما لعدة فصائل تحسب علي ما يعرف بالمقاومة السورية .
لم يدع احدا من المتابعين لنفسه فرصة للتأمل والتحليل، لبيان تداعيات القرار المصري بعدم المشاركة بقوات عسكرية في اليمن او في سوريا، فالقيادة المصرية تدرك ان الرأي العام المصري بكل طوائفه يعتز بجيشه، ولا يقبل ان يكون هذا الجيش او بعض وحداته قوات مرتزقة تتوجه الي حيث يطلب منها نظير اجر او مقابل!
لم يلحظ الساخرون من كلمات الرئيس، ان عدم مشاركة قوات من الجيش المصري في اليمن او سوريا اعقبه توقف برامج التعاون الاقتصادي التي امتلأت وسائل الاعلام بأنباءها وتفاصيل المليارات التي سوف تخصص لمشروعات عربية تقام في مصر !
ايضا توقف كثيرون امام مقولة الرئيس ان الارهاب كان وراء إسقاط الطائرة الروسية عقب اقلاعها من مطار شرم الشيخ أواخر العام الماضي، ولكن كان هذا التوقف مثيرا للعجب، فلم ينتبه الكثيرون الا لتأكيد الرئيس بأن الارهاب هو الذي اسقط الطائرة، وكأنه كان هناك شكا في ان وراء الحادث سبب اخر !
لم يدرك كثيرون ان دولا وجهات كثيرة لن تنسي ان ثورة الثلاثين من يونيو التي دعمها الشعب المصري أطاحت بترتيبات إقليمية كانت علي وشك التنفيذ علي الارض، وكان ابرز واهم تلك الترتيبات هو خلع مصر من مكانتها وتأثيرها الإقليمي والدولي !
لقد سخر الساخرون من مقولات الرئيس في ذلك الخطاب .. وبعد ساعات وربما ايام قليلة نسي الجميع الامر وكأن شيئا لم يحدث ، وكأن الأحوال في مصر ستتعدل بشكل تلقائي !!
انني اخاطب المعارضين لنظام حكم الرئيس السيسي قبل مؤيديه ، لابد ان ننتبه ان سقف المعارضه للرئيس ليس مطلقا او بلا حدود، واري ان هناك حدا ادني يجب ان يكون حاكما لمن يعارض ، هذا الحد اري ان يدخل في نطاقه ضرورة توحيد المواقف في مواجهة أية اخطار او مصاعب تواجه أسس الدولة وكيانها، ايضا علي المؤيدين الا يعتقدوا انهم هم الأكثر ولاء وإخلاصا بتأييدهم للرئيس او لنظام حكمه، وليعلموا ان الرئيس والنظام في حاجة الي المعارضين قبل المؤيدين، فهذه حاجة طبيعية وصحية لأي نظام حكم يسعي للإصلاح او لبناء دولة اوشكت علي الانهيار !نحتاج الي اعمال العقل بأكثر مما نحتاج التهريج والاستسهال والسخرية !!!