هادى الباجورى: التحدى كان دافعى لإخراج «الضيف» وتوقعت حذف الرقابة بعض المشاهد
المخرج هادى الباجورى
فى تجربته الإخراجية الرابعة فى السينما، قدّم المخرج هادى الباجورى مغامرة سينمائية محسوبة، بتصدّيه لإخراج فيلم «الضيف» للكاتب الكبير إبراهيم عيسى، ليس فقط لطبيعة الفيلم الذى يناقش أفكاراً لم يسبق أن طُرحت فى السينما المصرية بهذه الصورة، ولكن أيضاً بسبب طبيعة الأحداث التى تدور فى «لوكيشن» واحد، والتى ربما تدفع البعض للتردد فى خوض التجربة لصعوبتها.
فى حواره لـ«الوطن» يتحدث «الباجورى» عن كواليس التجربة وظروف موافقته عليها، وتفاصيل التصوير وردود الفعل التى وصلته حتى الآن.
فى البداية.. كيف عُرض عليك فيلم «الضيف»؟
- من خلال شركة iProduction، التى سبق أن تعاونت معها من خلال فيلم «هيبتا»، ووجدت اتصالاً من المنتج أحمد فهمى، أرسل لى بعده السيناريو. وفور القراءة الأولى أبديت إعجابى بالعمل، وطلبت منه الجلوس مع الكاتب إبراهيم عيسى، وأبديت فى البداية تخوفاً من أن يكون شخصية غير مرنة أو صدامية، ويكون من نوعية الكتّاب الذين يرفضون إجراء أى تعديلات على أعمالهم أو تغيير أى تفاصيل بها، خاصة أنه كاتب كبير ولديه أعمال سابقة فى مجال الرواية، ولذلك سألت الشركة عن التعامل معه هل سيكون مرناً أم متحفظاً على إجراء تعديلات على السيناريو، فأخبرونى أنه مرن للغاية، ولم أصدق هذا الكلام إلا بعد أن اجتمعنا معاً فى الشركة لمناقشة العمل، ثم تكرر الاجتماع فى جلسة خاصة، أنهينا بها كل التفاصيل التى أردنا تعديلها فى السيناريو لكى يخرج العمل للنور.
وما الذى جذبك فى فيلم «الضيف» لتوافق على إخراجه؟
- ما يجذبنى فى أى عمل درامى أقوم بإخراجه عنصران هما التشويق وحبكة الورق المكتوب، وهما متوفران بشدة فى فيلم «الضيف»، فرغم أن إطار الفيلم يدفع أى مخرج للقلق، لكون أحداثه تدور فى «لوكيشن» واحد، فإن المخرج الجيد هو من يقدر على توظيف هذه المشاهد بعناصر جذابة لا تجعل المشاهد يمل. وهنا كان التحدى الذى دفعنى لقبول العمل، فأنا دائماً أبحث عن التحدى فى أى فيلم أتصدى لإخراجه، وكل عمل قدمته كان مختلفاً جذرياً عن الفيلم الذى تلاه، بداية من «واحد صحيح»، مروراً بـ«وردة» و«هيبتا»، وأخيراً «الضيف».
ما أبرز التعديلات التى تناقشت فيها مع الكاتب إبراهيم عيسى؟
- اعتدت فى الجلسة التى تجمعنى بالسيناريست أن نقرأ معاً السيناريو كاملاً مرة واحدة متواصلة، ومع كل جزء أرغب فى تعديله أو فهمه نتوقف ونتناقش، فمثلاً فى فيلم «الضيف» لم يكن هناك شخصية الضابط أو شخصية الخال، وبإضافتهما زادت مساحة التشويق فى الأحداث، فالضابط كان له دور فعال فى كسر المشهد الذى ظل لمدة 45 دقيقة فى المكتب، إضافة إلى أننا قمنا بتغيير أجزاء من السيناريو لجعل المشاهد متشوقاً لسماع كل كلمة من كلمات السيناريو ولا يشعر بالملل بسبب قلة اللوكيشنات أو طول الحديث المتبادل بين الأفراد.
لماذا كانت كل كادرات الفيلم ثابتة ولم تتحرك فيه الكاميرا إطلاقاً؟
- أحببت أن أجعل المشاهد جزءاً من الفيلم، وأن أنقل له حالة كل مشهد كما لو كان جالساً مع الأسرة، ولذلك حافظت على أن تكون أغلبية الشخصيات فى منتصف الكادر الثابت، كما اهتممت بتفاصيل الفنانين الصامتين فى المشاهد، من خلال ردود فعلهم فى سياق الحديث، مع التركيز على الوجه وحركة اليد.
كيف تم اختيار الممثلين للفيلم؟
- أنا من المخرجين الذين يتمسكون دائماً بأن يكون اختيار الفنانين من مهامه الرئيسية، وأرفض تدخل أى شخص فى اختيار أبطال عمل أقوم بإخراجه. ومنذ القراءة الأولى أرى خالد الصاوى وشيرين رضا وأحمد مالك وجميلة عوض كاختيارى الأول والأخير للعمل، وجميعهم وافقوا على المشاركة منذ أن أرسلت لهم السيناريو ولم يترددوا لحظة.
الإيرادات لا تشغلنى.. وجائزة «تالين» فخر للسينما المصرية والعربية.. وتوقعت فى البداية عدم مرونة «عيسى».. ومخاوفى زالت مع أول جلسة
كيف كانت ردود فعل خالد الصاوى وشيرين رضا على المشاركة فى الفيلم؟
- شيرين رضا كانت أول من انتهى من قراءة السيناريو، وأول جملة قالتها لى عقب القراءة هى «عاوزة أصور الفيلم فوراً»، أما خالد الصاوى فقد قدم تنازلات مادية كبيرة من أجل المشاركة فى الفيلم، حيث أُعجب للغاية بالسيناريو، ولكنه سأل عن إمكانية تأجيل تصويره لتعاقده على تصوير مسلسل درامى، فأخبرته بعدم قدرتى على التأجيل، إضافة إلى أن هذا الفيلم سيكون من بطولته وسيكون علامة فى مشواره لكونه عملاً مثيراً للجدل، وظل خالد فى حيرة بسبب تعاقده على مسلسل وتقاضيه جزءاً من مستحقاته المالية منه، وبين المشاركة فى الفيلم، فتركته بعد المحادثة وقلت له: «هستناك بكرة، الدور فى انتظارك»، ولم يخيّب الصاوى ظنى، فقام على الفور بالاعتذار عن المسلسل، ووافق على المشاركة فى الفيلم.
ما المدة التى أخذتها منذ فترة التحضير للفيلم إلى ظهوره للنور؟
- بشكل تقريبى عملنا على الفيلم لمدة 6 أشهر، ما بين جلسات قراءة السيناريو والتعديل عليه إلى أن تم تصويره، كما قمنا بعقد جلسات مع الفنانين. وقد حرصت على ألا يتقابل خالد الصاوى وأحمد مالك ولا مرة طيلة التحضير للعمل، فـ«مالك» كان متخوفاً من الوقوف أمام «الصاوى»، ولذلك كنا نجلس مع خالد الصاوى بمفرده ومالك بمفرده، وكانت أول مقابلة لهما معاً خلال التصوير الفعلى للعمل.
ما مدة التصوير الفعلية للعمل؟
- التصوير استغرق 5 أسابيع وأربعة أيام، وكنا قبل التصوير قد حددنا مدة 4 أسابيع فقط، ولكن بسبب سفر البعض لعدة مهرجانات وتصوير يوم خارجى فى قهوة الحرية ازدادت الفترة، وهنا لا بد أن أوجه شكراً للمونتير أحمد حافظ على المجهود الذى بذله فى مونتاج الفيلم، فهناك مشاهد صُورت ما يقرب من 15 مرة.
ألم تخشَ أن يحدث ربط بين شكل شخصية خالد الصاوى فى الفيلم ومؤلف العمل إبراهيم عيسى؟
- إطلاقاً، لا يوجد أى ربط مطلقاً بينهما، ربما أنا من وضعت على الشخصية جرعة ما من حياة إبراهيم عيسى، فظهور خالد الصاوى فى الفيلم بالجلباب لم يكن من الأصل مكتوباً فى السيناريو، فحين زرت إبراهيم عيسى فى منزله ووجدته يرتدى الجلباب خطر فى بالى فكرة أن يظهر الصاوى بالجلباب فى بيته قبل أن يرتدى القميص والبنطال وقت ذهابه إلى المكتب، فأُعجب إبراهيم عيسى بالفكرة، أما النظارة المربعة التى يظهر بها بطل العمل فاستوحيتها من صورة قديمة للفنان الراحل فؤاد المهندس، حيث وقعت فى يدى صورة له بتلك النظارة فطلبت من صنّاع الفيلم أن يحضروا لى نظارة مثلها.
هل كنت متخوفاً من جهاز الرقابة أن يحذف مشاهد من العمل؟
- بالتأكيد كنت متخوفاً من بعض الجمل فى الفيلم، خاصة أننا فى وقت تتغير فيه الأوضاع بشكل عام من حولنا، كما أننا ورغم أن السيناريو حصل على موافقة بدون ملاحظات، لكن وقت طلبنا أن تتم مشاهدة العمل لم يأتِ أحد لمشاهدته، ووجدنا تأخيراً من الرقابة فى التصريح للعمل، ولكن الحمد لله فى النهاية عُرض الفيلم دون حذف أى جملة منه.
إلى أى مدى، فى وجهة نظرك، نجح «الكدوانى» و«ممدوح» فى ظهورهما كضيفَى شرف؟
- إلى حد كبير جداً.. فإبراهيم عيسى كتب شخصية ماجد الكدوانى كما ينبغى، فهو رجل خفيف الظل، ولكنه لا يتحدث دون أن يترك بصمة فى الحديث، ظهوره فى الفيلم كان موفقاً للغاية، وكان نقطة محورية فى أحداث العمل، أما دور محمد ممدوح فكان يمثل رؤية ضابط الشرطة لطبيعة الشخصية الرئيسية فى الفيلم وتعاطيه معها، وكنت متوقعاً حذف الرقابة لهذا المشهد، ولكن تفاجأت بإجازته كما كان مكتوباً.
«الصاوى» و«مالك» لم يلتقيا طوال فترة التحضير.. والموسيقى لم تكن ضرورية فى العمل
لماذا غابت الموسيقى التصويرية عن الفيلم إلا فى مشهد النهاية؟
- الموسيقى، فى أغلب الحالات، نلجأ لها لتوصيل حالة لم تصل عن طريق المشهد، ولم أشعر بأن الفيلم يحتاج موسيقى تصويرية، حيث أردت أن يعيش الجمهور نفس حالة الأبطال بدون تدخل الموسيقى، والأصوات التى كان يسمعها الجمهور لها علاقة بالمكان من مطر وبرق، وتناقشت مع الفنان هشام نزيه بشأن هذا الأمر، إلى أن اقتنع بوجهة نظرى.
كيف رأيت الفوز بجائزة الجمهور بمهرجان تالين السينمائى؟
- فخر كبير للفيلم المصرى والعربى الحصول على تلك الجائزة، ففيلم الضيف حصد أول جائزة لفيلم عربى فى هذا المهرجان عبر تاريخه، والجائزة جاءت عن استحقاق لأنها عن آراء الجمهور الغربى فى الفيلم، وبالنسبة لى فأنا لست من المخرجين الذين يسعون لحصد الجوائز وتجميعها، أنا أعمل من أجل تقديم فيلم جيد يستحوذ على إعجاب المشاهدين، ولا أهتم بفكرة الإيرادات بقدر ما يشغلنى أن يشاهد العمل أكبر عدد من الجمهور.