أكثر من ثلاثة أعوام مرت ما بين تظاهرات الجمعة (٢٩-٧-٢٠١١) التى عُرفت إعلامياً بـ«جمعة قندهار».. والتظاهرات التى تدعو لها الحركات الإسلامية بالكامل بالتعاون مع فلول النظام السابق من أعضاء جماعة الإخوان.
والواقع أن التغيرات التى حدثت فى أهداف وأفكار بل وسبل الدعوة للتظاهر بين الجمعتين أمر يدعو للتأمل حقاً، فمن الهتاف «يا مشير.. أنت الأمير» و«صوّر صوّر يا أوباما.. الميدان كله أسامة» إلى الهتاف الذى ملّ الجميع من انتظار الإجابة عنه: «ثورة دى ولا انقلاب؟» والذى لا مانع بالطبع أن يصاحبه الكثير من الانتقاد للأوضاع الاجتماعية والسياسية فى البلاد الآن، وهو أمر ضرورى لهم لحبك «التدليس» الذى يمارسونه بحرفية عالية، والذى يستتر خلفه كل ما يحملونه من كراهية وغل للنظام الحالى، بل وللوطن بالكامل، حتى إن بعضهم قد رأى أن أمله الوحيد هو انهيار البلاد بالكامل ووقوعها تحت سيطرة جماعة همجية كـ«داعش»، فقام بالهتاف لها منذ أيام فى المطرية «داعش.. داعش.. مفيش سلمية مع الداخلية»!!
والهتاف الأخير تحديداً ليس له فائدة تُذكر، فجماعة داعش نفسها تعتبر الإخوان من الخوارج عن الدين الإسلامى.. ولكن الهتاف لم يكن إلا لكيد النظام فقط!
الطريف أن التظاهرات التى تحمل الصبغة الإسلامية تتفق كلها فى نقاط أصيلة، وهى البحث عن المطالب المطاطة العامة غير المحددة، كالمطالبة بإقامة الدولة الإسلامية، أو الهتاف للشريعة الإسلامية بالكامل، مع مغازلة السلطة الحاكمة فى كثير من الأوقات. وتتباين بعد ذلك فى سبل الدعوة إليها وطرق الحشد، والتى تُعد طريقة رفع «المصاحف» التى يدعون إليها هذه المرة واحدة منها، ووسيلة لابتزاز المشاعر الدينية من شعب مرهق يعانى من الإحباط ويبحث عن الدين كمخرج من ظروفه العسيرة، فلم يكن نجاح الإخوان فى الانتخابات من قبل إلا نتيجة لهذا الابتزاز!
إن الحركات الإسلامية، على مرّ تاريخها، لم تنجح فى الحصول على أى مكاسب سياسية على الأرض بسبب تظاهرة من قبل. والسبب لا يكمن فى ضعفهم أو انفراط تنظيمهم، ولكن لأن التباين فى شرعية التظاهر نفسه لديهم لهو أمر خلافى. والجماعات التى تقوم أولاً على فكرة يمينية متطرفة تعانى دوماً من استغلال الأشكال المستحدثة من الحريات، بل إن الحرية نفسها لديهم مكبّلة بالكثير من الأفكار السلفية، يصبح معها من الصعب التوافق فيما بينهم ولن يفعلوا.
والواقع أن الأمر يدخل تحت نطاق الكوميديا السوداء، فمن كانوا يفخرون بأن الميدان لن يمتلئ من دون الإخوان أصبحوا يدعون لرفع المصاحف، فى محاولة يائسة لاستجداء المشاركة!
والحركات الإسلامية التى كانت تتباهى بأن القوى السياسية بالكامل فى مصر لن تستطيع أن تنظم «مليونية» دون مشاركتهم أصبحوا يتوسلون إلى نفس القوى السياسية أن تشاركهم محنتهم الأقسى فى تاريخهم.
إن الحديث عن تظاهرات الجمعة المقبل بجدية يُعتبر نوعاً من الهراء، فالداعون إلى النزول إلى الشارع لن ينزلوا من الأساس، ولن يتركوا شاشة حاسوبهم الشخصى.
إنها محاولة بائسة لإظهار بعض القوة للنظام البائد، ومحاولة لجذب أنظار النظام نحو معركة جانبية فاشلة لإقناعه بالجلوس على مائدة المفاوضات فى سبيل استعادة بعض المكاسب السياسية التى فقدوها.
حفظ الله مصر!