عندما تعلمنا معنى كلمة حلم فى بداية أيامنا الناعمة الودودة المدللة المليئة بالحب والهدهدة والأحضان الدافئة الداعمة المشجعة والمحفّزة لهرمونات السعادة والتفاؤل والقبلات البريئة التى تخدّر الآلام وتوقف أنهار الدموع وتمسح الأوجاع وتقهرها.
وعندما عرفنا كيف نغمض عيوننا وننتظر رؤية ما نريد ونحب فى الظلام ونحاول الإمساك والتشبث به، فربما ننجح فى الحصول عليه والاحتفاظ به، تعلمنا أيضاً من حكايات الأجداد والجدات أن ما نفقده تحتفظ به الشمس، لتعيده لنا فى الوقت المناسب، وضحكنا وضحكت معنا الأحلام عندما عرفنا الحقيقة ولم يتبقَّ من تلك الحكاية الجميلة إلا الأغنية التى عشنا معها طفولتنا بصوت المبدع عبدالمنعم مدبولى (أن أن أن الشمس البرتقانى عليها ليا سِنة).
فقد كانت تلك الأسنان اللبنية أغلى ممتلكاتنا، وعندما تذهب إحداها بلا عودة كنا ننتظر ظهورها من جديد ونتوسل للشمس أن تعيدها، ونتأمل مكانها كل يوم أمام المرآة، ونغنى ونرقص ونضحك، لأن الشمس البرتقانى عليها لينا سِنة. ولأن قلوبنا تعشق وتذوب وتندمج وتنصهر مع الوعود والكلمات العذبة واللمسات والأحلام، فقد ظلت تلك الكلمات تدور وتدور فى ذاكرتنا، وكبرنا وبحثنا وقرأنا ورسمنا الشمس بألوانها المختلفة فوق دفاترنا الصغيرة وتعلمنا فى كتب الكيمياء والجيولوجيا أن الشمس تدور حول نفسها، ولكن بطريقة مختلفة عن دوران الأرض حول محورها قليلاً، فمركز الشمس والمنطقة الإشعاعية يدوران حول محور الشمس كجسم صلب بالسرعة نفسها، بينما الطبقات الخارجية مثل منطقة الحمل الحرارى والغلاف الضوئى تدوران بسرعات مختلفة، لأن الشمس كتلة غازية هائلة مسرعة دورانها عند خط الاستواء، تختلف عنها عند الأقطاب.
وكبرنا أكثر، فرسمنا الشمس بالفرشاة وألوان الزيت المعبّرة أكثر عن الحقائق، رسمناها فوق قطع كبيرة من خامات أكثر دقة ووضعناها فى المعارض الدولية والجامعية، وحصل بعضنا عنها على جوائز واعتراف صريح بانضمامه لعالم الفن والإبداع والإحساس الراقى والرؤية العميقة والأنامل الذهبية، ودخلنا مستوى أعلى من التفكير والتأمل لتلك (الشمس البرتقانى) وسألنا أنفسنا كم يستغرق دوران الشمس ونظامنا الشمسى حول مركز المجرة، فاكتشفنا أن هناك طريقاً خاصاً جداً يُسمى (درب التبابة أو الطريق اللبنى)، وهو المركز الذى يبعد عن الشمس بـ٢٨ ألف سنة ضوئية ويستغرق نظامنا الشمسى ما يقترب من ٢٣٠ مليون عام لتقوم بدورة كاملة حول مركز المجرة، وهى المجرة الحلزونية التى تنتمى إليها الشمس والأرض وبقية المجموعة الشمسية. وهنا كانت لنا وقفة مع تلك البرتقانية اللون، حيث نبحث وننتظر عودة ممتلكاتنا ورموز سعادتنا وشباب قلوبنا وأحلامنا لأنها أخذتها على سبيل الاستعارة على أن تعيدها فى الوقت المناسب.
ومن أجمل ما يمكن أن نشعر به كما علمتنا الحياة لحظات انتظار المحبوب والنجاح واللقاء بعد غياب والإعلان عن ارتباط طال انتظاره وصورة جماعية تنطلق منها المشاعر والضحكات وتضم ملامح تؤكد الانتماء وقوته وترسم شجرة العائلة وتلون فروعها التى تصل إلى السماء بأزهار صغيرة وجذورها التى غرست فى أرض سخية معطاءة فى أعماق لا يصل إليها أعداء أو محبو الشر والفرقة، ولذلك سأظل أُردد مهما مرت بى السنوات والأيام (الشمس البرتقانى عليها ليا ضحكة وفرحة وقصة حب ونجاح)، وسأهمس بالأرقام التنازلية، لأهتف عندما يحين اللقاء ويعود إلى ما أنتظره.