بروفايل: غلاف الكتاب.. من «ورقة سميكة» تحميه إلى «لوحة فنية» تحتضن مضمونه
يتشابه أغلب المصممين فى عملهم، يسلكون جميعهم نفس الطريق الذى يبدأ بتناول الكتاب من يد كاتبه أو ناشره، ويصل إلى اكتسائه بغلاف يعبر عن مضمونه ومحتواه، أو يشترك معه فى الحالة العامة والجو النفسى، خلال فترة زمنية تطول أو تقصر.
يتناول الفنان الكتاب بالقراءة المتمعنة، ثم يدع لرأسه الفرصة للتفكير فى الشكل الأنسب، فترة زمنية غير محددة تختمر فيها الأفكار برأس المصمم، ثم يعقد جلسة مناقشة مع الكاتب والناشر، تمتزج أفكار الثلاثة فى جلسة المناقشة ببعضها، تنصهر الاقتراحات معاً، وتُطرح الرؤى، ويتناقشون فيما بينهم حول الجو العام الذى يرى كل منهم أنه الأنسب لاحتواء الكتاب وإخراجه، لكن جلسة واحدة لا تكفى؛ لذا تتعدد الاجتماعات النقاشية، حيث إن المصمم لا ينظر للغلاف على أنه مجرد عمل يجب إنجازه فى مدة زمنية محددة، بل إنه واحد من أهم عوامل تسويق الكتاب، التى تتمثل فى اسم الكاتب وعنوان الكتاب وغلافه، وجميعها تتضافر لتشكل عوامل تسويقية، تقل فرص الكتاب فى النجاح وتحقيق الانتشار المطلوب، فى ظل غياب أحدها.
مر فن تصميم غلاف الكتاب بمراحل مختلفة لا يغفلها المصممون، حيث يتتبع الفنان والمصمم وليد طاهر، الأغلفة منذ عقود، كانت آنذاك شديدة البدائية والبساطة، لا تحوى إلا اسمى الكاتب والكتاب وخلفية ملونة صماء، كما كانت فى الكتب التى تصدرها «دار المعارف»، حيث لا تعدو كونها وسيلة للمحافظة على ورق الكتاب، وتخلو من أى قيمة جمالية أو تعبيرية تدور حول المضمون.
ومع بداية الستينات، ومع تخرج دفعات جديدة من كلية الفنون الجميلة، تطور الفن وتطور إلى جانبه فن إخراج الصحف والمجلات، بينما كانت التكنولوجيا والكمبيوتر، علامة فارقة فى تاريخه، حيث اعتمدت الأغلفة فى أغلبها على تصميمات الكمبيوتر، فيما أصبح اعتمادها الأول الآن عليه، إلى جانب الرسم اليدوى، والصور الفوتوغرافية والجرافيك، ليصبح غلاف الكتاب لوحة فنية كاملة مستقلة بذاتها.
وأوضح طاهر، أن بعض الأغلفة قد لا يجد القارئ، أى تقارب بينها وبين الكتاب، وهو ما يفسره على أن بعض الأغلفة قد تأخذ بعداً سيريالياً، حيث يشترك الغلاف مع الكتاب فى الموضوع الرئيسى، ولا يعبر عن كل تفاصيله.
ويروى طاهر تجربته الشخصية، حيث إنه يعكف على قراءة الكتاب بدقة ليقدم ثلاثة أو أربعة أغلفة للجنة النشر، والتى تنتقى بدورها الغلاف الأنسب، وذلك لتلافى التكرار فى الأغلفة، حيث الأغلفة الكثيرة التى يقوم بتصميمها الفنان، تجعله عرضة لتكرار أفكاره، وهو ما يحاول تجنبه قدر الإمكان.
يتبع المصممون الأسلوب ذاته خلال عملهم، لكن كل مصمم ينتمى إلى مدرسة فنية ما فى تصميم الغلاف، فغلاف الكتاب قد يعتمد فيه المصمم على الرسوم فقط، أو الجرافيك، أو الصورة الفوتوغرافية، كما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث المزج بين العناصر السابقة أو بين عنصرين منها على الأقل، ليخرج الغلاف كلوحة فنية موازية للكاتب، أو ترد على موضوع الكتاب، أو تتلاءم معه فى الجو النفسى، بحسب ما قال، لكنه يشير إلى مشكلة واجهت المصممين فى الآونة الأخيرة، حول استخدام الصور الفوتوغرافية، وهى الوقوع فى استخدام صور لأناس يرفضون ظهور صورهم على الأغلفة، ويفاجأون بوجود صورهم الشخصية على أغلفة الكتب المتراصة فوق أرفف جميع مكتبات مصر، مما يثير غضبهم، فيما قد يتحول إلى مقاضاة المصمم، لذا لجأ المصممون إلى ما يعرف بـ«الموديل»، وهو الشخص الذى يعتمد عليه المصمم فى التقاط الصور التى يريد، دون الإضرار بخصوصيات أحد.
ولعل تصنيف الكتاب أحد العوامل التى توجه المصمم، حيث الكتب القانونية، وكتب الدراسات السياسية والاقتصادية، والكتب التاريخية، لا تحتاج للوقت الذى يستغرقه العمل الأدبى، كالشعر والقصة القصيرة والرواية، حيث أن العمل الأدبى يحتاج إلى قراءة أكثر دقة، حتى يتمكن المصمم من لمس الحالة التى يحويها العمل، على النقيض مع الكتب الأخرى التى يكتفى المصمم بمعرفة الفكرة الرئيسية التى يدور حولها الكتاب.
وعن الفنانين الذين وضعوا علامات فارقة على طريق هذا الفن، يقول رسام الكاريكاتير والمصمم هشام رحمة، إن محيى الدين اللباد، وحلمى التونى، ووليد طاهر، وأحمد اللباد فى دار ميريت، كان لهم دور كبير فى تغيير نمط إخراج الكتاب ككل، وهو ما يصدق عليه وليد طاهر، حيث يقول إن أغلفة الكتاب لم تكن لها مراحل تاريخية محددة، بقدر ما مرت بمحطات مختلفة تغير فيها الفن، حيث إنه ظل روتينياً لفترات طويلة، لكنه اتفق على أن محيى اللباد الذى عمل مع دار شرقيات، وحلمى التونى فى دار الشروق كان لهما الفضل الأكبر، فى تطوير الفن، وقطع أشواط كبيرة على طريق النهوض به.