أثارت مظاهرات الطلاب فى الجامعات الأمريكية قلق إدارة الرئيس «جو بايدن» فى «واشنطن» بذات المقدار الذى تثير به قلق «بنيامين نتنياهو» وحكومته فى «تل أبيب».
ومبعث القلق لا يكمن فى اندلاع المظاهرات التى بدأت فى جامعة «كولومبيا» فى ولاية «نيويورك»، ولكن فى انتشارها المتسارع فى أكثر من (40) جامعة أخرى حتى الآن، وهو ما يشير إلى أن جيلاً جديداً ظهر فى أمريكا، يرفض السيطرة الصهيونية على دوائر صنع القرار، مع ما يصاحب ذلك من توقعات بتغيير بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وخلخلة العلاقة الأبوية بين «تل أبيب» و«واشنطن»، خاصة مع وجود عدد كبير بين المتظاهرين من الطلاب اليهود، أكدوا موقفهم ضد إسرائيل والصهيونية، ووصفوا ما يحدث فى «غزة» بأنه جريمة حرب، ويجب ألا يفلت «نتنياهو» من المحاكمة الجنائية بتهمة الإبادة الجماعية.
انفجرت مظاهرات الطلاب الأمريكيين كالقنابل العنقودية، التى لا يتوقف تأثيرها على مكان سقوطها فقط، وحتى إن توقفت تلك المظاهرات اليوم أو غداً، فستمتد تداعياتها لدوائر عديدة، ولأشهر وسنوات قادمة.
وتشير كل التوقعات إلى أن الأثر السريع والمباشر للمظاهرات، على المدى القريب، ستكشفه انتخابات الرئاسة الأمريكية التى ستجرى نهاية العام الجارى، بعد أن باتت فرصة فوز الرئيس «بايدن» بولاية ثانية صعبة للغاية، خاصة مع انضمام الآباء والأمهات للمظاهرات خارج الحرم الجامعى، وتعاطف عدد كبير من الشعب الأمريكى، بعد قمع الشرطة وتعاملها العنيف مع الطلاب والأساتذة، بذات النهج الذى تتعامل به الأنظمة السلطوية مع معارضيها.
وحسبما يرى المراقبون، فإن تأثير المظاهرات الأمريكية على المدى المتوسط سيمتد إلى الرأى العام الغربى لتغيير نظرته لإسرائيل، التى طالما ابتزت أوروبا بـ«الهولوكوست»، وكشفت عن وجهها القبيح بما ارتكبته من إبادة جماعية لأهالى «غزة».
ويبقى الأثر الأخطر على المدى البعيد -نسبياً- فمن بين هؤلاء الطلاب سيخرج رموز الإدارة الأمريكية، وسيصل بعضهم لمقاعد الكونجرس الأمريكى بغرفتيه (الشيوخ والنواب)، خاصة بعد انضمام جامعات النخبة فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تضمها «رابطة اللبلاب»، وتجمع تحت مظلتها أشهر وأقدم وأعرق ثمانى جامعات فى أمريكا والعالم، وهى جامعات «كولومبيا، وبراون، وكورنيل، ودارتموث، وهارفارد، وبنسلفانيا، وبرينستون، ويال».
ومع هؤلاء الطلاب وبهم، بعد تحولهم إلى رموز فى المجتمع، وفى مفاصل الإدارة الأمريكية، ستتحرر آلية صناعة القرار من سيطرة اللوبى الصهيونى المنحاز دوماً لإسرائيل.. وللحديث بقية.