«الأطباء»: منظومة العلاج مختلة وهيئات كالقضاء والشرطة توفر الدواء لمرضاها مجاناً
«الأطباء»: منظومة العلاج مختلة وهيئات كالقضاء والشرطة توفر الدواء لمرضاها مجاناً
عماد
الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة الأطباء، يعزو غياب إحصائيات دقيقة لمرضى «الروماتويد» فى مصر، إلى عدم وجود مظلة تأمينية شاملة لجميع المصريين، وإلى تعدد الجهات المقدمة للخدمة الصحية.
ويوضح أن هناك من المرضى من يعالَج فى مستشفيات الجامعات، وهناك من يذهب إلى المراكز الصحية التابعة للشرطة، فضلاً عن من يلجأون إلى المستشفيات العامة، كل هذا يؤدى إلى التشتت وغياب أى فرصة لإجراء إحصائيات دقيقة لأى مرض بصفة عامة فى مصر، وليس مرض «الروماتويد» فقط.
«غياب الإحصائيات بالنسبة لعدد المرضى المصابين بأى مرض، شىء سيئ للغاية»، يقول «الطاهر»، ولذلك طالبت نقابة الأطباء بـ«توحيد» جميع الكيانات التى تُقدم الخدمة الطبية، تحت منظومة طبية واحدة حتى يُمكننا ذلك من الحصول على إحصائيات دقيقة لأى مرض. ويقول الأمين العام لنقابة الأطباء، إن التأمين الصحى الشامل سيساعد فى تحسين إجراء أى إحصاء، ولكن لا يعنى هذا الموافقة على مشروع التأمين الصحى الجديد الذى أعدته وزارة الصحة، فالمشروع الموجود حالياً سيئ للغاية، وسيضر بصحة الشعب المصرى، والنقابة معترضة عليه تماماً. ويشير «الطاهر» إلى أن النقابة تطالب بتأمين صحى شامل يغطى جميع المواطنين، ويراعى الظروف الاجتماعية لمحدودى ومعدومى الدخل فى مصر «ولا نقتطع من جيوب الفقراء من أجل القطاع الخاص». ويتهم «الطاهر» هيئة التأمين الصحى بالتقصير فى حق مرضى «الروماتويد» لأنها لا توفر العلاج المناسب للمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج البيولوجى، ولم يغفل «الطاهر» أيضاً عن اتهام الحكومة بصفة عامة لأنها لا توفر الميزانية الكافية التى تستطيع من خلالها الهيئة توفير العلاج للمرضى.
كانت الدولة خصصت 4.2 مليار جنيه لدعم التأمين الصحى والأدوية من جملة مصروفات بلغت 864.6 مليار جنيه خلال العام المالى 2015/2016، أى أن نسبة الإنفاق على التأمين الصحى بلغت 0.4% من إجمالى الموازنة العامة للدولة، طبقاً لحساب الموازنة العامة للدولة.
ويضيف الأمين العام لنقابة الأطباء، أن العلاجات مرتفعة الثمن كالعلاج البيولوجى على سبيل المثال بالنسبة لمرضى «الروماتويد» لا يحصل عليه سوى أصحاب «الياقات البيضاء» الذين يتلقون الدواء مجاناً وهم الأغنياء أصلاً الذين يتقاضون رواتب كبيرة فى الأساس، ويعملون فى هيئات كالشرطة والقضاء والقوات المسلحة، أما هيئة التأمين الصحى التى من المفترض أن تعالج المرضى الفقراء لا يتوفر لديها هذا النوع من العلاج لكلفته المرتفعة.
ويقول «منظومة العدالة الاجتماعية فى مصر مُختلة ومقلوبة، فالدعم الذى من المفترض أن يذهب إلى الفقير يحصل عليه الغنى من خلال الهيئات التى يعمل لديها، وتتكفل بعلاج أعضائها مجاناً».
الدكتور صبرى الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة، يقول إن الأدوية الحيوية والمؤثرة فى الأمراض الكبيرة معظمها «ناقص» فى سوق الدواء، مرجعاً السبب لعدم وجود خطط حكيمة من وزارة الصحة ومن الحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة، لتفادى نقص الأدوية الحيوية فى السوق، ما أفقد المنظومة الدوائية فى مصر قيمتها. وطالب «الطويلة» بإنشاء هيئة عليا لصناعة الدواء فى مصر، تكون خاضعة لرئاسة الجمهورية، يرأسها صيدلى بدرجة وزير، تكون منوطة بجمع شمل منظومة الدواء فى مصر والنهوض بها. وحاولت «الوطن» التواصل مع وزارة الصحة عبر متحدثها الدكتور خالد مجاهد، وهيئة التأمين الصحى من خلال الدكتور على حجازى، إلا أن الاثنين لم يردا على هاتفيهما أكثر من مرة.
الدكتورة عُلا رجب وهي مدير إدارة تنمية الموارد في مستشفى قصر العيني (أحد مستشفيات جامعة القاهرة)، توضّح أنّ العالم بدأ في العام 1960 ينتبه إلى أنّ أمراضًا بعينها تُهاجم المفاصل ولا تتركها من دون تشويهها، ومنها الأيدي والأرْجُل.
"الروماتويد مرض يهاجم الجهاز المناعي وهو مزمن ينتقل من مفصل إلى مثيله كاليد والرجل ومن جهاز إلى آخر، ويصاحب ذلك ورم وارتشاح في مكان الإصابة"، تشرح الدكتورة عُلا وهي عضو في الكليّة الأمريكيّة للروماتيزم وزميل دولي، أنّ الأوعية الدمويّة في جسم المريض من الممكن أن تُصاب بالمرض ويوثر ذلك بدوره على كل مكان في الجسم.
في بداية الأمر كان الأطباء يُعالجون المرضى عن طريق الكورتيزون (وهو مسكن للألم على المدى القصير ويحد من التورم من الالتهاب في المفاصل) وبعدها بدأت طريقة جديدة في العلاج وهي عن طريق الحقن بـ"الذهب"، وهي عبارة عن جرعات أسبوعية تُخفف من الألم، ثم انتقل الأطباء إلى الاعتماد على إلباس المرضى "أسورة معدنيّة"، وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي. تقول عُلا.
أسباب الإصابة بمرض الروماتويد "عضو-نفسية" كما تقول الطبيبة عُلا، ومنها تعرُّض الإنسان إلى صدمة عصبية أو نفسية كفقد عزيز أو فشل قصة حب، ومنها أن يُصاب بنزيف مثلًا في حادث سير أو نحوه، هذا فضلاً عن أن المرض ينتقل عن طريق الوراثة في بعض الحالات، وزواج الأقرباء.
تحديث الوصفات العلاجيّة للمرض يتم كل 3- 5 سنوات عن طريق أبحاث تجريها الكليّة الأمريكيّة للروماتيزم American College of Radiology، والجمعية الأوروبيّة للروماتيزم European League Against Rheumatism، بالإضافة إلى مراكز بحثيّة في اليابان، ويتبادل العلماء في الجهات الثلاث وغيرها، الأبحاث وتخرج وصفات علاجيّة أكثر نجاعة وتقدمًا. بحسب عُلا وهي عضو مؤسس في الاتحاد النوعي لجمعيات البحث العلمي.
الدكتورة عُلا أسست أول جمعية مختصّة بمرضى "الروماتويد" في مصر تحت اسم "جمعية أصدقاء مرضى الروماتويد وجهاز المناعة المفصلي"، تقول إنّها اكتشفت من خلال الزيارات الميدانيّة أنّ عددًا كبيرًا من المصريين يتناولون مُسكّنات لـ"الروماتويد" من دون استشارة أو زيارة طبيب، كما أن كثيرين لا يعرفون إصابتهم بالمرض من الأساس.
الجهل بالمرض يزيد من معاناة المرضى حيث لا يعرف كثيرون أنهم مصابون بالمرض من الأساس، حيث انطلقت قافلتان للجمعية في البر الغربي والأقصر، وأجرت الكشف على 600 حالة تبيّن إيجابية 47 حالة منها، وتقول عُلا "إّن عددًا كبيرًا من المرضى لم يكن يعلم أنّه مصاب بالمرض منهم تلك الحالات"، وتشير إلى أنّ نشاط الجمعيّة توقف بسبب أنّها ومن معها من الأطباء الذين كانوا يشاركونها في قوافل العلاج تكفلوا بالإنفاق على جميع أنشطة الجمعية منذ تأسيسها من دون أي مساعدة سواء من التبرعات أو دعم حكومي.
تأسست الجمعيّة في العام 2009 ونشطت فعالياتها حتى ثورة يناير 2011، وتطوّع للعمل فيها أساتذة في جامعات الإسكندرية وعين شمس والأزهر والقاهرة، ونظّمت 7 قوافل من خلال الكشف على المرضى في مديريات الصحة الموجودة في المحافظات المختلفة، إلا أنّ الأدوية وأجهزة الكشف كانت تجلبها الجمعية معها في زياراتها.
"في عهد جماعة الإخوان المسلمين في العام 2012 طُلِب منّا أن نضع (لوجو) حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ما قبل الإطاحة بنظام الإخوان) على سيارات قوافل الجمعيّة، كما أنّهم رفضوا فتح أي مديرية للصحة في المحافظات المختلفة من دون تحقيق هذا الشرط، وهو ما رفضناه بشكل قاطع" تقول عُلا.
"عدم خضوع المرضى في مصر إلى نظام تأمين صحي اجتماعي شامل أدى إلى غياب إحصائيات دقيقة بأعداد المرضى"، وتوضّح الطبيبة عُلا، أنّ 22% من المصريين مصابون بفيروس التهاب الكبد الوبائي C و«اكتشفنا أنّ عددًا كبيرًا من المصابين بـ(C) مصابون أيضًا بالروماتويد".
"جمعية أصدقاء مرضى الروماتويد وجهاز المناعة المفصلي" نظّمت قوافل طبيّة في مدن البر الغربي وإسنا وأرمنت في الصعيد، وبعد توقيع الكشف الطبي على عيّنات عشوائية من الأهالي تبيّن أنّ عددًا كبيرًا من الأهالي مصابون بالمرض وهم يجهلون ذلك تمامًا ووصل المرض إلى مراحل متقدمة جدًا من التشوهات، وتقول عُلا: "الحالات التي أجرينا كشوفًا طبيّة عليها في الصعيد ودرجات التشوّه لم نعد نراها في المدن. الصعيد يعاني كثيرًا".
وعن تكلفة العلاج الشهري لمريض "الروماتويد" تقول عُلا إنّ "روشتّة" العلاج بالنسبة للمريض البسيط قد لا تزيد عن 300 جنيه شهريًا، ومن الممكن للأدوية التي يتعاطها المريض أن توقف مسيرة المرض، وهناك أدوية جديدة وهي الأدوية البيولوجية تمنع تآكل العظام إلا أنّ ثمنها مرتفع للغاية.
"بعد حرب مع وزارة الصحّة، صادقت الحكومة على قرارات علاج بقيمة 150 جنيهًا للمريض كعلاج شهري على نفقة الدولة" تقول عُلا، موضّحة أنّ الأدوية الصناعية التي تساعد في وقف مسيرة المرض- إلا أنّها لا تشفي المريض تمامًا- تتكلف على الأقل 500 جنيه في الشهر".
وتطالب عُلا، وزارة الصحة بتكثيف حملات التوعيّة، وتقول إنّ التشخيص المُبكّر يساعد بنسبة 60 إلى 70% في شفاء المريض، وتضيف: "الوعي الصحي يغيب عن المصريين بشكل كبير، لا بد وأن يدخل مرض الروماتويد في حزمة اهتمامات وزارة الصحة حيث إنّ عددًا كبيرًا من المصريين يعانون جراء المرض".
وتتهم عُلا، وزارة الصحة بـ"التقصير" تجاه مرض "الروماتويد"، تقول "لا بد وأن يأخذ المريض جزءًا من الاهتمام، لأنّها دائرة مغلقة، وإذا لم تحدث التوعيّة اللازمة، فمن الممكن يؤدي المرض إلى إعاقة الحالة.