صنع الله إبراهيم: الحوار الوطنى «كلام فارغ».. وأمريكا تبحث الآن عن بديل لـ«نظام الإخوان»
![صنع الله إبراهيم: الحوار الوطنى «كلام فارغ».. وأمريكا تبحث الآن عن بديل لـ«نظام الإخوان»](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/77134_660_2088679_opt.jpg)
وصف الروائى الكبير صنع الله إبراهيم الأحداث الجارية بأنها محصلة لعامين من الارتباك فى المشهد السياسى، وحمل صنع الله مسئولية الدماء التى تراق للرئيس مرسى ونظامه، وأضاف الروائى الكبير أن ثورة 25 يناير لم تكن سوى انتفاضة لم تكتمل ملامحها لتشكل ثورة بالمعنى الحقيقى المتعارف عليه، ولفت صنع الله إبراهيم إلى محاولات الإجهاض التى تعرضت لها تلك الانتفاضة من خلال المجلس العسكرى وقوى الإسلام السياسى اللذين استبعدا الشباب الثورى من المشهد لحساب مصالحهم الشخصية.
وأشار إلى أن رغبة الإخوان فى السيطرة على مؤسسات الدولة نابعة من خوفهم من تكرار ما تعرضوا له فى الماضى وبالتحديد فى الستينات، مؤكداً أن سياساتهم الخاطئة ستؤدى إلى تراجع شعبيتهم فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
فإلى نص الحوار:
■ كيف ترى المشهد الحالى فى مصر فى ضوء التطورات الجارية؟
- نحن أمام مشهد يعكس حالة الغضب العارمة فى الشارع المصرى، وهذا كان طبيعياً ومتوقعاً أن يخرج الناس فى هذه التظاهرات بسبب أحداث العامين الماضيين وبسبب الاعتداء الصارخ على أهداف الانتفاضة الثورية ومحاولة احتوائها وتطويعها لخدمة مصالح، إما الفصيل الإسلامى أو النظام السابق، ولكن للأسف تم التعامل مع تلك التظاهرات السلمية كالعادة بكم كبير من العنف سواء من جانب وزارة الداخلية أو بعض البلطجية المأجورين، وذلك كله يجعل الصورة شديدة السوء خاصة مع سقوط شهداء، ولكنى أتصور أننا سنشهد حلقة من حلقات الصراع الذى أرى أنه سيستمر لفترة طويلة مقبلة ولن ينتهى قريباً من وجهة نظرى.
■ هل تتوقع أن تمتد مساحة الاحتجاجات وتتزايد خلال الأيام المقبلة؟
- بكل تأكيد، فلا بديل عن الضغط بالاحتجاجات السلمية التى أتصور أنها ستمتد من مدن القناة لتتزايد فى محافظات أخرى تنتفض واحدة تلو الأخرى.
■ كيف تقيم استجابة الرئيس مرسى للأحداث؟
- الرئيس مرسى مش هنا أصلاً ومعندوش فكرة عن اللى بيحصل، فقد خرج علينا بخطاب يحمل لهجة بعيدة تماماً عن واقع الأمر، وكأنه يعيش فى عالم آخر لا علاقة له بتطورات الأحداث، وواقع الأمر أنه يتحمل المسئولية الكاملة عن كل الدماء التى تسيل كل يوم على أرض مصر، وأتصور أنه لو كان يملك قدراً من الذكاء وحسن الإدراك لكان استجاب بشكل فعلى لمطالب الجماهير بتعديل الدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإلغاء حالة الطوارئ وكل ما يتسبب فى هذا الوضع المؤسف الذى وصلنا اليه.
■ وماذا عن جلسة الحوار الوطنى؟
- الحوار الوطنى كلام فارغ لا معنى له، فهذه هى طريقة الديكتاتور عندما يفشل فى التعامل مع شعبه، أن يلجأ إلى الحوار الشكلى الذى لن يقدم أو يؤخر، ولننظر إلى بشار الأسد الآن الذى بدأ اللجوء للدعوة للحوار.
■ وهل تتوقع أن يحسم الجيش الصراع؟[Image_2]
- أعتقد أن تدخل الجيش لن يكون إلا لصالح النظام لأنه جزء منه.
■ وبالنسبة لأمريكا، هل يتبدل موقفها تجاه النظام؟
- أتصور أن الإدارة الأمريكية الآن فى حالة بحث وتشاور واتصالات للبحث عن بديل للنظام القائم ليعقدوا معه صفقة جديدة، بعد أن تأكدوا أن نظام الإخوان منتهى الصلاحية، وبعد أن فشل الإسلاميون فى احتواء الشعب كما كانت أمريكا تتصور، وفقدوا كل رصيد لهم فى الشارع المصرى.
■ كيف تقيم العامين الماضيين منذ قيام ثورة يناير؟
- هناك أمران أساسيان يجب أن نضعهما فى الاعتبار ونحن نقيم العامين الماضيين أولهما أن ما حدث فى 25 يناير لم يكن ثورة بل انتفاضة لم تكتمل بعد لتصبح ثورة، أو بعبارة أخرى نحن أمام ثورة قيد التحقق، الأمر الثانى أنه كان من الطبيعى فى ظل الظروف التى قامت فيها هذه الانتفاضة بدون قيادة أن تتم محاولة إجهاضها إما لحساب النظام القديم متمثلاً فى قيادة القوات المسلحة، أو لحساب فصيل الإسلاميين الذين التحقوا بها متأخراً، وهذا كله أدى للوضع القائم حالياً والذى يتمثل فى حالة استمرار الغضب الثورى داخل الشعب واستعداده للنزول للشارع طوال الوقت رغم محاولات تضييق الخناق عليه، وفى وسط هذا، للأسف هناك أمر مضحك وهو تصدر واجهة المعارضة بوجوه من النظام القديم بشكل أو بآخر، فى حين يغيب الشباب الثورى الحقيقى الذى تعرض للضرب والاعتقال أثناء الــ18 يوماً وقام بعمل بطولى لم تقوَ عليه الأحزاب القديمة أو النخب التى انضمت له مترددة، ثم أصبحت الآن فى صدارة المشهد، وهذه مشكلة أعتقد أنها سوف تعالج فى القريب العاجل.
■ ولكن ألا يتحمل الشباب مسئولية غيابهم عن المشهد الحالى؟
- إلقاء المسئولية على الشباب أعتبرها محاولة لنفى المسئولية عن الجانب الآخر، فما حدث أمر طبيعى نتيجة عدم وجود خبرة سياسية أو قيادة واضحة، فتم اختراقهم من ناحية الأحزاب القديمة وأجهزة المخابرات وأمن الدولة وبالتالى تم تفريق جهودهم وإدخالهم فى متاهات لم يجنوا من ورائها شيئاً.[Quote_1]
■ اتخذت أكثر من مدخل للتوثيق فى بعض أعمالك الروائية مثل عناوين الصحف فى «ذات» أو مشاهد الحرب الأهلية فى «بيروت».. فماذا سيكون مدخلك لتوثيق المرحلة الحالية؟
- الشىء الملفت أو الأهم فى رأيى هو الدور الخفى الذى لعبته المخابرات الأمريكية بالتعاون مع الإخوان المسلمين والسلفيين، ومحاولة تخريب الثورة وإفشالها، وكذلك خلفيات المشهد الإعلامى خاصة فيما يتعلق بقناة الجزيرة ودورها البارز فى تنفيذ ذلك المخطط.
■ كيف ترى صراع الإخوان مع أجهزة الدولة ومحاولة السيطرة عليها؟
- الإخوان يسعون للسيطرة وإحكام قبضتهم على كل أجهزة الدولة ولديهم رغبة شديدة فى إقصاء الآخر، خوفاً من تكرار ما حدث لهم فى العقود السابقة مثل الستينات، وينسون أنهم المسئولون عن ذلك بسبب محاولتهم مرتين اغتيال جمال عبدالناصر، وإعدادهم لقوائم اغتيال تشمل صحفيين وسياسيين وقضاة، وكذلك تاريخهم فى الاغتيالات بداية من النقراشى والخازندار، من جانب آخر هم الآن لديهم حالة «نشوة» مرتبطة بممارستهم السلطة لأول مرة فى تاريخهم، بشكل ينطبق عليه مثل شعبى أن «اللى يشوف لحمة لأول مرة فى حياته يتجنن»، كما أنهم وجدوا أنها فرصة لن تتكرر بالنسبة لهم خاصة أنها لم تكن فى حساباتهم على الإطلاق بدليل عدم اشتراكهم فى أحداث يناير إلا بعد مرور ثلاثة أيام عندما تأكدوا من إمكانية نجاحها.
■ كيف ترصد ممارسات حكومة الإخوان فى الشهور الماضية؟[Quote_2]
- حتى الآن الإخوان لم يقدموا أى حلول لمشاكل الشعب، ولديهم سياسة متخبطة ولا يملكون رؤية واضحة لحلول اقتصادية أو اجتماعية، وأى رؤية يطرحونها تجدها متشابهة مع رؤى نظام مبارك لاعتمادهم على الحلول الرأسمالية، وإن كانوا يعتمدون على أدنى أشكال الرأسمالية وهى «التجارية»، فأقصى أحلامهم هو إنشاء «سوبر ماركت»، وهذا أمر محبط جداً للناس بجانب سياسة الاعتداء على المعارضين ومحاولات ترهيبهم، وأخيراً التصريحات الغريبة التى يخرجون بها كل يوم والتى تعيدنا للعصر الجاهلى سواء من ناحية الهجوم على المرأة، أو تلك التى تتنافى مع ما تربينا عليه من أخلاق التسامح والتعددية والتى أفزعت الكثيرين وأولهم المسيحيون لدرجة أن 100 ألف مسيحى هاجروا من مصر خلال الفترة الماضية وهى خسارة كبيرة جداً لأنهم تربوا وتعلموا فى هذا البلد ويشكلون جزءاً من ثروته القومية.
■ وماذا عن تصريحات عصام العريان بشأن عودة اليهود؟
- هذا كلام فارغ وتافه ولا معنى له ويعكس جهلاً شديداً، ولكنه من زاوية أخرى هى محاولة خبيثة لإرضاء أمريكا وإسرائيل.
■ هل تتوقع تراجع شعبية تيار الإسلام السياسى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
- بكل تأكيد ولكن هذا مرهون بإجراء الانتخابات بشكل سليم ونزيه، ولكن ما شاهدناه من تجاوزات وانتهاكات فى الاستفتاء على الدستور وفى الانتخابات الرئاسية لا يبعث على الاطمئنان إلى أن هذه الانتخابات ستتم بشكل سليم، ولكن إذا لم يحدث ذلك، فأتصور أن هذا التيار سيشهد تراجعاً حاداً، فمن خلال تحركاتى اليومية واحتكاكى بطبقات مختلفة من البشر فى الشارع ألمس حالة رفض تامة لسيطرة الإخوان ولسياساتهم ولخطابهم المتشدد، والمضحك أن محور خطابهم فى أغلب الوقت هو المرأة بشكل يعكس الكبت الجنسى الذى يعانون منه، بجانب التكفير والتحريم طوال الوقت بشكل بشع جعل الكثيرين ينفرون منهم خلال الفترة الماضية.
■ وفى المقابل.. هل تتوقع أن تنتقل الأصوات الرافضة لهم إلى جبهة التيارات المدنية فى الانتخابات أم سيعزفون عن المشاركة؟
- رفض هذه الأصوات للتيار الدينى لا يعنى بالضرورة تأييدها للمدنى بدليل ما حدث فى انتخابات الرئاسة حين ذهب الكثير من الأصوات لمرسى ليس عن قناعة وإنما رفضاً لأحمد شفيق والعكس، وذلك ناتج فى تقديرى الشخصى عن عدم وعى، ولكنى أعتقد أنه أمام التيارات المدنية تحدٍ كبير لاجتذاب تلك الأصوات لصفها يستلزم عليها العمل على إقناعهم وتوعيتهم بالعملية الانتخابية وأهمية المشاركة، بشرط وضع الضمانات اللازمة لمنع التزوير بمراحله المختلفة وهى عديدة لا تقتصر على الصندوق.
■ أنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة، فكيف ترى الواقع الحالى فى ظل تلك النظرية؟
- عندما نجد دولة مثل أمريكا لديها استراتيجية معينة تسعى لتحقيقها مثل احتواء الإسلام السياسى عن طريق دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين مالياً وتغيير أنظمة من أجل تمهيد طريقها للوصول للحكم، وكل هذا يتم دون الإعلان عن التفاصيل وهذا شىء عادى نتعرض له طول الوقت بمساعدة أطراف أخرى وتظهر مؤشراته من خلال مواقف كثيرة مثل الدور التخريبى لقناة الجزيرة فى الفترة الماضية وزيارة رئيس المخابرات القطرية لمصر، وأخيراً القنوات الفضائية التى هبطت علينا باسم الدين وهذا كله جزء من تفاصيل المؤامرة.
■ كيف تفسر تغير طبيعة الشخصية المصرية فى الفترة الماضية فى اتجاه العنف اللفظى والجسدى ورفض الاختلاف فى الرأى؟[Quote_3]
- هذا أمر طبيعى نتيجة الضغوط التى يتعرض لها الناس كل يوم وعلى كل المستويات، فعندما تتأمل وجوه الناس فى الشارع أو فى مترو الأنفاق تجدهم فى حالة يرثى لها نتيجة ما يتعرضون له فى كافة مناحى الحياة وتفاصيلها اليومية، وبالتالى يكون من السهل حدوث هذا التغير بهذه الدرجة الحادة.
■ هل ترصد فى الفترة الماضية أى ملامح للتمرد على الموروثات الفكرية والشعبية للمواطن المصرى؟
- الموروثات الفكرية والشعبية مليئة بتفاصيل كثيرة، منها الجيد والسيئ ولكنى أرى أهم ما تم التمرد عليه فى تلك الموروثات هو الخوف والرهبة من السلطة والذى اختفى تماماً وأصبح من الإيجابيات التى جاءت بها 25 يناير، ولكن تظل كل هذه التغيرات الواقعة ناتجة عن عملية الاتصال بالعوالم الخارجية من خلال الإنترنت والفضائيات.. وغيرها من ضرورات الحياة العصرية واختلاف أنماطها.
■ كيف ترى ملامح الرئيس محمد مرسى من خلال متابعتك لخطاباته ومقابلاته؟
- هو رجل تقليدى، محافظ، بعيد عن العصر وعن الواقع، يميل دائماً لنوعية الخطابات التى تحاول التقرب من الناس على شاكلة «أهلى وعشيرتى»، أما على المستوى الشخصى فلا يمكننى الحكم عليه جيداً لأننى لم أقابله ولكنه يبدو شخصاً طيباً ومحترماً لديه نوايا طيبة، وللأسف الأمور لا تقاس بالنوايا.
■ كروائى.. ما أكثر شخصية تصلح لبطولة عمل روائى من ضمن الشخصيات الموجودة على الساحة حالياً؟
- كلهم تقريباً يملكون مقومات الشخصية الدرامية، ولكنى أرى فى جمال مبارك الشخصية الأكثر ثراء على المستوى الدرامى، فهو شاب بلا أى مواهب ولا خبرات وجد نفسه فجأة يعد لأن يكون رئيس جمهورية وبدأ فى التصرف على هذا الأساس، بل إنه تعامل بالفعل فى السنوات الأخيرة كما لو كان الرئيس، ثم يتغير الأمر ويتبدل فى لحظات ويجد نفسه فى السجن، وكثير من الروايات الساخرة فى التاريخ مثل «العبيط» لديستوفسكى ومسرحية «الملك هو الملك» لسعد الله ونوس اعتمدت على مثل هذا النموذج كبطل للأحداث.
■ هل هناك ما يمكن أن يطلق عليه «الأدب الثورى»؟
- لا أرى أن هناك مصطلحاً بهذ المعنى، فالأدب هو الأدب سواء كان قبل الثورة أو بعدها أو مصاحباً لها، فالأدب بطبيعته به تمرد على الواقع القائم، ولكن هناك أعمال قدمت بعد الثورة وتحديداً فى مجال الشعر والموسيقى والأفلام الوثائقية وجاءت فى إطار كونها إبداعاً يستجيب للأحداث الجارية ليس أكثر.
■ كيف ترد على الاتهام الموجه للمثقفين بانعزالهم عن الشارع؟
- هذا اتهام غير صحيح بالمرة، فالمثقفون جزء من المجتمع فهم معلمون وأطباء وصحفيون ومهندسون، وبعيداً عن التصنيف التعليمى، فهناك الكثير من غير المتعلمين يملكون ثقافة، فالثقافة هى القدرة على فهم الحياة وتحليلها وهذا قد يتوفر عند الكثيرين، أما فيما يتعلق بالنخبة التى تعمل فى السياسة والتى لا تستطيع أن تتواصل مع مجموعة كبيرة من الناس مثلما يحدث مع تنظيمات أخرى ناجحة فى ذلك، فأنا أرى فى ذلك سلبية مرتبطة بظروف عديدة منها القمع فترة طويلة، أو انتماء أغلبهم للطبقة المتوسطة وبالتالى خضوعهم لمتطلبات المجتمع الاستهلاكى الذى يفرض إعطاء الأولوية لمصدر دخل، وغيرها من الأمور التى قد تؤدى بهذا المثقف لفقدان علاقته بالجماهير وفشله فى مخاطبتها، كما أنه لم يمتلك منابر تتيح له هذا الاتصال فى ظل غياب صحافة حرة وإعلام حر فى الفترة الماضية، فى حين أن الطرف الثانى يملك مساجد وزوايا تؤثر فى الجماهير، ولكن فى النهاية تاثير المثقفين فى حلقة ضيقة ليس مشكلة لأنه يستتبع ذلك حلقات أخرى تتسع وتزداد تأثيراً فى المجتمع يوماً بعد يوم.