قابل عدد من المصريين والعرب الحرائق التى اندلعت فى إسرائيل منذ ثلاثة أيام بقدر لا بأس به من الشماتة. الأمر يبدو طبيعياً، فإسرائيل كانت ولم تزل عدواً، نال العرب من قبله أذى كبير، كم من بيوت هدمتها، وكم من مدن خربتها، وكم من بشر قتلتهم بآلتها العسكرية، من الطبيعى جداً أن يفرح من فرح ويشمت من شمت فى عدو سبق أن أحرق البشر والحجر والشجر، الناس هكذا، الإسرائيلى يفرح بأى أذى يلحق بأى دولة عربية، لذلك من الطبيعى أن يسعد ويشمت أى عربى فى أى أذى يلحق بإسرائيل، لكن هذا أمر والتفسيرات الساذجة التى ساقها البعض فى تفسير سبب نشوب هذه الحرائق أمر آخر.
قرأت وسمعت من البعض تفسيراً يذهب إلى أن السبب الرئيسى لاندلاع الحرائق فى إسرائيل يرتبط بالقرار الذى اتخذته حكومتها بمنع الأذان عبر ميكروفونات المساجد الفلسطينية، وهو الأمر الذى قابله أهل فلسطين بإطلاق الأذان من البيوت ومن الكنائس فى مشهد شديد الروعة، ليس من المستبعد أن يسجله التاريخ، الربط بين منع الأذان وحرائق إسرائيل يبدو ساذجاً، بل شديد السذاجة، لسبب بسيط هو أننا لو افترضنا أن منع الأذان أشعل الحرائق فعلينا أن نسلم بأن العودة إلى قديمه، ورفعه عبر الميكروفونات لا بد أن يؤدى إلى إطفائها، لذا تبدو الطريقة التى تعاطى بها البعض مع هذا الحدث معبرة عن أسلوب تفكير عقيم، يشكل سبباً مباشراً من أسباب تراجعنا أمام عدونا التقليدى. فالعدو يستند إلى تفكير عقلانى، ويؤسس حياته على العلم ومنطق العقل، فى حين يتسم تفكيرنا بالقفز على الواقع، وإطلاق العنان للتفسيرات الميتافيزيقية التى تؤدى إلى هذا النوع من «الهرى» الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.
حدثتك ذات مرة عن فاصل الدعاء على عدونا بتشتيت الشمل وتفريق الجمع منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلى عام 1948 وحتى الآن، كل جمعة تعلو الأصوات داعية المولى عز وجل بذلك، ولا يتشتت إلا شمل العرب وما يتفرق سوى جمعهم، لأن الدعاء أساسه السعى ورجاء التوفيق من الله، والشكر أساسه العمل والعطاء للآخرين: «اعملوا آل داود شكراً»، النصر لا يأتى إلا بالفكر المنظم والعمل المؤسس. كتب الشاعر نزار قبانى بعد هزيمة 1967 قائلاً: «ملخص القضية يوجز فى عبارة.. لقد لبسنا قشرة الحضارة.. والروح جاهلية»، فالجهل لا بد أن يفضى إلى الهزائم، والتعامل الجاهل معها يؤدى إلى تعميق جراحاتها، وفى اللحظة التى قرر فيها المصريون والعرب الارتكان إلى أسباب علمية وفكر ومنطق سليم وعمل مخطط تمكنوا من تحقيق نصر تاريخى على عدوهم فى السادس من أكتوبر عام 1973. واللافت فى الأمر أنه لم يظهر فارق كبير بين طريقة تعاطى المصريين والعرب مع هزيمة 67، وأسلوب تعاطيهم مع نصر 73، فقد فسرنا الهزيمة بالبعد عن المولى عز وجل، وفسرنا النصر بالقرب منه (صيحة الله أكبر فى أكتوبر)، ولم يلتفت أحد إلى النجاح العلمى والعملى الذى أدى إلى النصر، لذلك كان من الطبيعى أن ننال هزيمة فى «معركة السلام» يخيل إلىّ أنها أشد وطأة من التى نلناها فى الحرب.. يا للعجب!