حين ظهر المحامى «نبيه الوحش» يحرّض على أعراض النساء على الشاشة قائلاً: «إن من ترتدى بنطلوناً مقطعاً فإن التحرش بها واجب وطنى، واغتصابها واجب قومى»، كتبت هنا، فى جريدة «الوطن» مقالين، كان الثانى بعنوان «لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم» قلت فيه إن «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لم يحرك ساكناً، ولم يتخذ قراراً، واختبأ الأعضاء فى اجتماع مغلق حتى الآن!.. دون أن يخرج علينا ولو بتصريح مثلما فعل المجلس حين (حظر)، بشكل عاجل، الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، حفاظاً على السير والأخلاق العامة واحتراماً لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة».
وبعدها انهالت البلاغات على النائب العام من كل حدب وصوب، تطالب بمحاكمة عاجلة لـ«الوحش» و«منعه من الظهور»، تمت محاكمته بالفعل. والمفترض أن قرار منع «الوحش» من الظهور على الفضائيات هو من صميم عمل «المجلس الأعلى للإعلام» و«نقابة الإعلاميين».. لكن الطرفين دخلا فى صدام بدلاً من التعاون لدعم الإعلام وتصحيح مساره!
وفى الندوة التى نظمتها الزميلة «هدى رشوان»، مدير تحرير موقع «هن»، أحد المواقع الفرعية لـ«الوطن» عن «الكود الأخلاقى» لصورة المرأة فى الدراما والإعلام، والضوابط التى من شأنها أن تحد من بث المواد السلبية عن النساء فى الأعمال الفنية والصحف والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، والتى حضرها الكاتب الصحفى محمود الكردوسى، رئيس التحرير التنفيذى للجريدة، والدكتورة سوزان القلينى، رئيس لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وبعض كاتبات الرأى بـ«الوطن»، منهن «أمينة خيرى وهبة عبدالعزيز»، كنت مضطرة لإعادة ترديد ما كتبته كثيراً وطالبت به دون أن يجد صوتى استجابة.
بداية، فمن وجهة نظرى، «المجلس القومى للمرأة» يتصدى منفرداً لمحاولات «تنميط النساء» فى الإعلام إما كـ«سلعة» تؤدى دور امرأة لعوب أو عاهرة وتقدم نفسها كـ«رشوة جنسية»، أو وضعها فى سياق «متطرف» تروّج للنقاب وتعدُّد الزوجات وتخضع للضرب والإهانة، وهو ما وصفته «قلينى» بأنه «تشويه لصورة المرأة فى الإعلام، وتكريس للعنف ضدها وتهميش دورها».
«قلينى» أكدت أن المرأة «مُهانة» فى الأعمال الدرامية والمحتوى الإعلامى، فى ظل محاربة بعض النساء لقضايا المرأة، كمطالبة «منى أبوشنب» بنشر فكرة تعدد الزوجات، لكن المشكلة أن «القومى للمرأة» لا يملك «آليات» واقعية لتغيير هذه الصورة المشوهة، كما أن تحديد المفاهيم والمصطلحات نفسه يصطدم بـ«حرية الإبداع»، و«الكود الأخلاقى» ليس ملزماً لأحد!.
لقد كتبت -من قبل- أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لا يهتم ببرامج تحرض على العنف الأسرى، ولا بأخرى تنشر السحر والشعوذة وتتخصص فى تغييب الناس بنشر الخرافات (راجع برنامج صبايا الخير لريهام سعيد)، وأن أقصى ما فعله المجلس هو منع الألفاظ النابية من مسلسلات رمضان وتغريم صاحبها!
ولا يهتم المجلس باستغلال الأطفال فى الإعلانات والتسول بهم، والاتجار بآلام المرضى لجمع التبرعات، ولا بمشاهد ضرب الأطفال فى الأفلام والمسلسلات، فكيف يهتم ببرامج متخصصة فى بثّ فتاوى مناهضة للمرأة تحرّض على التحرش بها إن كانت «سافرة» ويبرر «ضرب الزوجات» بالشرع، وينشر «ثقافة داعش» التى تحرّض على «سبى النساء، واستحلال أعراض نساء الأقباط»، فكيف يتعامل مع فضائيات تتبارى فى جلب ضيوف من التيار السلفى للحديث عن «نكاح المتوفاة، ومفاخذة الطفلة، ووطء البهيمة» دون أى رادع أخلاقى أو تفعيل لميثاق «الشرف الإعلامى»؟!
المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتصور أنه بديل للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، وبديل عن «نقابة الإعلاميين».. وهو فى واقع الحال ليس مختصاً بمراقبة المحتوى، ولا يمتلك «كوادر بشرية» تمتلك من «الوعى» ما يؤهلها لرفض أو قبول ما يُعرض على الشاشة!
وبحسب سوزان القلينى فإن لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة «ليست سلطة تنفيذية، ولكنها مسئولة عن وضع سياسات مساندة للمرأة والأسرة». وهذه السياسات غالباً ما تصطدم بسطوة ونفوذ «النجم» على الشاشة، فحتى الآن لم يتم وقف الإعلامية أمانى الخياط التى تقدم برنامج «بين السطور» على قناة On tv، رغم قرار نقابة الإعلاميين بوقفها لمدة شهر، وما زال ظهورها مستمراً على الشاشة.. وهو ما يُعد تحدياً صريحاً لإرادة الدولة المتمثلة فى نقابة الإعلاميين!
نحن نعيش فى حالة من التخبط والاضطراب بين الجهات المختلفة التى تمارس دور «الرقيب» رغم أن دورها يجب أن يقتصر على رسم سياسات الارتقاء برسالة الإعلام وخلق حالة من الاستنارة الفكرية والثقافية، وفى القلب من هذه الخريطة الإعلامية المرتبكة يبحث «المجلس القومى للمرأة» عن «كود أخلاقى» يناهض «التمييز ضد النساء»، ويكرس «المساواة بين الرجل والمرأة» فى الحقوق والواجبات، والمعالجة الموضوعية للمحتوى الإعلامى، وهو ما قد يبدو «مهمة مستحيلة» بعد أن نصبت عدة جهات من نفسها «رقيباً» على المحتوى الإعلامى، رغم عدم اختصاصها، وقررت فرض «سياسة المنع» والحجر على حرية الإبداع.
«الكود الإعلامى» لن يتحقق إلا بنشر وعى مجتمعى عام، وهدم للثقافة السلفية السائدة، و«تمكين النساء» فعلياً لفرض النموذج الإيجابى من الواقع إلى الشاشة. نحن لسنا بحاجة لكود أو ميثاق، بل بحاجة لمجتمع «حاضن للمرأة».. لا يخنقها بنقاب ولا يبتذلها ببدلة رقص!.