«صالح».. كان «مزارعاً» بالأجرة ثم أصبح بائع خيش ومقشات: «إحنا نخض اللبن.. والزمن يخض فينا»
![«صالح».. كان «مزارعاً» بالأجرة ثم أصبح بائع خيش ومقشات: «إحنا نخض اللبن.. والزمن يخض فينا»](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/163325_660_4371231_opt.jpg)
مقرفصاً، معمماً بلفة صعيدية، يركن بجسده النحيل، على سور منزل أحد قادة النهضة العلمية فى مصر، رفاعة رافع الطهطاوى، كعادته يومياً، يستيقظ مع دقات فجر اليوم الجديد، يحمل محمود صالح بضاعته، بعد أن أمضى ليلة بأكملها، مستغرقاً فى إعدادها وتجهيزها للبيع، فيما يسير صوب الطريق السريع، مخترقاً المحاصيل الخضراء، التى كان يوماً ما، يدق الفأس دقاً فيها فتنبت زرعاً تسر الناظرين، قبل أن يحكم عليه صاحب الأرض بإنهاء عمله، ليضحى على المعاش فى الأربعينات من العمر. ستون عاماً وما يزيد هى عمر «صالح» الآن، لا يتذكر منها سوى سنوات بائسة يائسة للمشقة، فهو ابن الشقاء، ربيب الزريبة والمصطبة، وفى قريته «بنى هلال» فى مركز المراغة، كلهم أشقياء، يُحرك بأنامله الصغيرة خيوط الجريدة الثخينة الجافة، فتظهر فى نهايتها أشكال، هذه «مقشة»، وهذه «فاصة» يتم استخدامها فى تحضير الجبنة القريش، وبعد الخيوط «سلب» الأخرى التى يبيعها لأصحاب مهنة المعمار يستخدمونها فى ربط الأخشاب، فيتسلقون عليها، علاوة على قطع من خيش النخل. بوجه باسم بشوش، وعيون كادت المياه البيضاء تتمكن منها، يسرد «صالح» قصته مع الفاصة: «زمان كانوا بيخضوا اللبن الرايب.. وبعد كده يعملوه جبنة.. دلوقتى إحنا اللى بنتخض من الزمن.. ما بقاش فيه لا لبن ولا رايب ولا جبنة.. التكنولوجيا قتلتنا»، الحال الذى قتله الهدوء بزيادة، يصفه «صالح» بأنه «فضل ونعمة من الله»، فآفة زماننا الآن ليست النسيان ولكن «عدم الشكر والثناء على نعم الله» -حسب حديثه- «البلد كلها خير بس اللى يسعى».
مجاورة «صالح» لمنزل رائد العلم رفاعة الطهطاوى بمدينة طهطا، أغدقت عليه بالزبائن: «المكان هنا كويس.. وكل الناس بتعدى منه.. وأهى الحمد لله مستورة»، لدى «صالح» من حطام الدنيا ثلاثة أولاد وبنتان، حرص على تعليمهم حتى لا يصابوا بما أصاب والدهم من الشقاء: «نفسى أشوفهم أحسن ناس.. ويساعدونى».