أول جمعة بعد رفع الحظر: الشوارع تعود للسهر
عندما دقت السابعة مساء الجمعة الأولى بعد فك الحظر، لم يهرول المواطنون إلى أقرب وسيلة مواصلات، ولم تُغلق المحال التجارية أبوابها، لم تتوقف رحلات مترو الأنفاق أو مواقف الميكروباص عن العمل، ولم تغلق المطاعم أبوابها، وظلت ملاهى الأطفال تعمل حتى بعد منتصف الليل، وظلت الأسر والعائلات ساهرة فى الحدائق العامة، فى تلك الليلة عاد المصريون إلى الشوارع فى يوم العطلة الأسبوعية، بعد أن كانوا ممنوعين بحكم الحظر، «الوطن» رصدت ملامح ليلة الجمعة فى شوارع القاهرة الساهرة.[SecondImage]
الساعة تشير إلى السابعة وخمس دقائق يجلس على الأرض مع أسرته على «النجيل» بميدان مصطفى محمود بشارع جامعة الدول العربية، يتبادل عيد سلطان، الرجل الخمسينى، مع أسرته أطراف الحديث، فهو معتاد على الخروج فى العطلات الرسمية أو يوم الجمعة إلى حدائق القاهرة كى يجد متنفساً له ولأسرته، «سلطان» الذى يعمل سائقاً بإحدى الشركات الخاصة ويقطن فى منطقة إمبابة اعتاد أن يكون مستقره الحدائق والمتنزهات العامة، حيث يعبر عن فرحته بإنهاء الحظر قائلاً «الحمد لله كده الواحد بيستمتع هو وأسرته بيوم الإجازة فى الشارع، قبل كده فى وقت الحظر كنت قبل الساعة 6 مساء بتحرك عشان أروح على البيت مع أسرتى، دلوقتى الساعة سابعة والشوارع ماشية عادى والناس عايشة حياتها».
الكافيهات والمقاهى الليلية بجامعة الدول تمتلئ عن بكرة أبيها، فى داخل أحد «الكافيهات» يقف محمد سعيد، المدير، يعطى تعليماته لطاقم الخدمة، يشير «سعيد» إلى أن أصحاب المقاهى والكافيهات فى أيام الحظر كانوا يعتبرون يوم الجمعة إجازة من العمل، لأن الزبون لا يأتى للمحل، ولأن الحظر يوم الجمعة يمنع الأسر المصرية من النزول والسهر لوقت متأخر، كما يؤثر على دخل المحل والعاملين، لذا يقوم بوقف بعض العمال يوم الجمعة. ويضيف متحدثاً عن تغير الحال فى أول ليلة جمعة لم يطبق فيها الحظر «الحمد لله الناس موجودة وسهرانة والدنيا ماشية وفيه شغل».
الساعة تقترب من الثامنة، كل «الفاترينات» مضاءة والزبائن تتردد على المتاجر، السيارات تسير بغزارة فى شارع جامعة الدول العربية تجتاز مدرعتين للجيش مستقرتين على مقربة من ميدان مصطفى محمود، المدرعة الأولى تقف فى الاتجاه المؤدى إلى شارع السودان، والثانية فى الاتجاه المعاكس. لا يتوقف الشارع كما كان يحدث فى كل جمعة يطبق فيها الحظر، يمر «عمال الديليفرى» فى سرعات كبيرة من وسط السيارات فيما يستقر على جانبى الطريق شخص يبيع الشاى للجالسين على المقاعد الخشبية بجوار المساحات الخضراء التى تتوسط الشارع.[FirstQuote]
الحالة المرورية جيدة فى شوارع المهندسين، تزداد الشوارع صخباً كلما اقتربنا من منطقة بين السرايات، المكتبات تفتح أبوابها أمام الطلاب الراغبين فى تصوير أوراق دراسية ومستندات، المقاهى تمتلئ عن بكرة أبيها بالساهرين من شباب جامعة القاهرة القاطنين بالمدينة الجامعية للطلاب، يقول عبداللطيف عادل، طالب بالفرقة الأولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة ومقيم بالمدينة الجامعية والذى يحرص على قضاء جزء من وقته على المقهى «أنا من مدينة الصف، كل يوم جمعة بالنسبة لى عذاب، رغم إنه يوم إجازتى، لما أرجع من البلد يوم الجمعة على القاهرة كنت بخرج من البيت بدرى عشان أوصل المدينة الجامعية بدرى قبل ميعاد الحظر، ولما أدخل المدينة مفيش خروج بعد الساعة 6 مساء، رغم إن المدينة ما فيهاش ترفيه ولا تليفزيون، بس أنا مجبر على كده فى يوم أجازتى». يتابع «لكن دلوقتى بقعد بحرية على القهوة وأتفرج على التليفزيون وأقضى وقت حلو».
يشير بكر عباس، صاحب المقهى، إلى أن دخل المقهى كان ينخفض يوم الجمعة بنسبة تصل إلى 50%، رغم أن يوم الجمعة فى الأيام العادية يوم «رابح» على حد تعبيره.
الساعة تشير إلى التاسعة مساء ينتشر عدد من سيارات الأمن المركزى ومدرعتان لقوات الجيش بامتداد سور جامعة القاهرة من ناحية منطقة بين السرايات، أمام مديرية أمن الجيزة ما زالت قوات الأمن تغلق ميدان النهضة من جميع الاتجاهات أمام حركة السيارات، حيث وضعوا سلكاً شائكاً أمام مدخل الجامعة الرئيسى من ناحية كوبرى الجامعة واتجاه بين السرايات وميدان الجيزة. لم تمنع قوات الأمن المستقرة عند جامعة القاهرة أحداً من المرور مترجلاً من الأسر أو الأفراد، حيث يجلس عدد بسيط من الأسر على المساحة الخضراء المجاورة للباب الرئيسى لجامعة القاهرة، منهم من يحمل كرة ويلهو مع أطفاله، ومنهم من يجلس متأملاً فى هدوء بمحيط المكان، ومنهم من يتناول الطعام، يقول حسام السقا، رب إحدى الأسر الموجودة «الحظر كان خانق مصر والمصريين، خاصة يوم الجمعة لأننا كلنا بننزل فى يوم الإجازة نتفسح، كنا بنقضى اليوم ده فى البيت».
كان الزحام سمة مميزة لميدان الجيزة، الأوتوبيسات و«الميكروباصات» كانت تقف فى مواجهة مسجد الاستقامة لا تستغرق وقتاً فى إكمال حمولتها من الركاب، فيما تقف سيارات أخرى أسفل كوبرى الجيزة بموقف مدينة السادس من أكتوبر ويقبل عليها العشرات من الركاب، يتحدث أحمد كامل، أحد سكان مدينة السادس من أكتوبر، مؤكداً أنه يعمل فى أحد المتاجر بميدان الجيزة، وكان مضطراً يوم الجمعة أن يغادر المتجر قبل ميعاد الحظر بساعتين حتى يصل إلى بيته فى مدينة 6 أكتوبر، ويضيف «كنت بتمرمط وأبقى خايف الطريق يتقفل ويطبق الحظر قبل ما أوصل بيتى».[SecondQuote]
عقارب الساعة تشير إلى العاشرة مساء، الحياة فى شارع فيصل لم تختلف كثيراً، فالمقاهى تمتلئ عن آخرها والمحال التجارية تعمل بكل طاقتها، والمطاعم لم تسكن كما كانت فى مثل هذا الوقت من كل أسبوع، وعيادات الأطباء تستقبل المرضى، الصيدليات تزاول نشاطها، داخل إحدى الصيدليات يؤكد بخيت عزت، مساعد صيدلى أنه كان يغلق الصيدلية فى وقت الحظر فى تمام السابعة يوم الجمعة من كل أسبوع، رغم أنه كان بإمكانه عدم الإغلاق لكنه لا يأمن الشارع فى الوقت المتأخر، ويضيف: «المظاهرات كانت بتعمل اضطراب للبلد والأوضاع الأمنية سيئة عشان كده كنت بقفل بدرى يوم الجمعة، بس دلوقتى الساعة تزيد عن عشرة مساء وما زال الإقبال على الصيدلية كبيراً، وده بيفرق معايا كتير ويرفع مبيعاتى لأكثر من 25%».
رغم أن الساعة اقتربت من الحادية عشرة فإن اليوم فى شارع الهرم لم يبدأ بعد داخل الكازينوهات الليلية التى عادت للعمل فى يوم الجمعة، السمة المميزة لهذا الشارع عادت فى يوم العطلة الأسبوعية، تنقطع مظاهرات الإخوان التى اعتاد عليها قاطنو الهرم فى مثل هذه الأيام ويسير الشارع بشكل طبيعى، تمر سيارات الأجرة والميكروباص متجهة إلى نهاية شارع الهرم، فيما يتجه البعض إلى ميدان الجيزة.
الفرحة تملأ عيون الأطفال داخل أحد الملاهى المتنقلة بشارع الهرم، أمهات يقفن لمتابعة الأطفال، منهم من يركب القطار متشبثاً بطفله ومن يأكل الحلوى ومن يقفز على ألعاب مطاطية، تقول سماح عاشور، موظفة «إحنا النهارده مبسوطين مع أطفالنا وبنستمتع بيوم الأجازة، عكس الجمعات اللى فاتت كنا بنقعد قدام التليفزيون وبنخاف ننزل الشارع من المظاهرات».
يقول شرف الدين نجم، صاحب إحدى الألعاب بالملاهى وهو سورى الجنسية «شغلنا كله يعتمد على الإجازات والعطلات، المصريين كانوا ما بينزلوش يوم الجمعة لأنهم بيخافوا من اليوم ده، الإقبال كان ضعيف جداً يوم الجمعة وكان دخل الألعاب قليل، اليوم الدخل زاد الحمد لله عن كل يوم جمعة».
الساعة تشير إلى الثانية عشرة مساء، ما زال مترو الأنفاق يعمل فى محطة الشهداء، الأعداد داخل المترو كبيرة، على خط الجيزة يقف عويس محمد، يعمل «كهربائى»، يحمل فى يده «شنطة» سوداء تحتوى على معداته، يقول «أنا شغال موظف حكومى بس دخلى مبيكفيش باضطر أسترزق من أى سبوبة، وأنا صنايعى كهربائى بانتهز الكام ساعة اللى بعد الشغل وأدوّر على أكل عيشى، ما بخرجش يوم الجمعة أتفسح لأن ما عنديش الرفاهية دى».
ويضيف: «أنا ساكن فى صفط اللبن ومتعود يوم الجمعة أشطب شغلى بدرى، أو أرحّل الشغل إلى الساعة 6 الصبح قبل ما أطلع على شغل الحكومة، دلوقتى لما الحظر اتلغى بقى فيه حرية فى الشغل ومعايا وقت أقدر أنجز فيه».
فى تمام الساعة الثانية عشرة والنصف، أعلن ناظر محطة الشهداء عن آخر قطار متجه إلى الجيزة، هرول الركاب كى يستطيعوا الركوب.
رغم أن الوقت بعد منتصف الليل فإن الحياة فى ميدان رمسيس تمر كأن الوقت فى ساعات الذروة فى الصباح. مع اقتراب الساعة الثانية صباحاً، سقطت «الشبورة» على شوارع القاهرة، وبدأ الصخب وأصوات السيارات المارة يهدأ شيئاً فشيئاً حتى عاد الهدوء إلى شوارع القاهرة بعد ليلة ساهرة.