أحدثكم الْيَوْمَ عن أجمل المشاعر التى تنتابنا ونغرق فيها ونعيش بها ولها وإن افتقدها إنسان يكون بلا روح ولم نعرف لها سبباً حتى الآن، أو بمعنى أوضح لم نتفق على سببها الرئيسى، أحدثكم أحبتى وأصدقائى عن الحب الذى حير الأطباء والعلماء ومن قبلهم الشعراء والكتاب فى البحث عن ماهيته، وحتى الآن ما زال الحوار والجدل قائماً والنزاع أيضاً عن الأحقية فى إطلاق أسهمه إلى القلوب، ومنذ سنوات طويلة والجدل قائم حول بدايته بين أطباء القلب والمخ والعيون وبين الأغانى والمطربين، كل ينسب لنفسه بداية قصص الحب الجميلة وأعراضها وسماتها وحتى معاناتها وأمراضها، يتنافس الجميع على الفوز بها حتى استطاع أطباء المخ والأعصاب الفوز بحق الإشراف عليها ورعايتها، حيث أكدت أبحاثهم أن العقل هو الذى يحب ويكره ولا دور للقلب فى ذلك وأن ما يردده المحبون والمبدعون والحالمون والمحلقون فى سماوات الحب عن أعراضه ودقاته ونغزاته ليست إلا وهماً، لأن كل هذه التغيرات ليست سوى مظهر من مظاهر الحياة الانفعالية للفرد ترتبط بشحنة انفعالية متناسقة، شأنها فى ذلك شأن السعادة والضحك والحزن، وكلها تخرج من الجهاز العصبى للإنسان، خاصة أن جميع مراكز الانفعالات تتركز فى العقل، أما القلب فهو جهاز شأنه شأن جميع الأجهزة فى جسد الإنسان، وزيادة فى الإيضاح يقول أهل الطب إن القلب ليس إلا عضلة مليئة بالدماء الحمراء والزرقاء، وليس لديه أى وقت للحب، فإذا وضعت يدك على قلبك ستجده فى حالة نبض ودق من ضخ الدماء إلى جميع أجزاء الجسد، فعضو له مثل هذا الدور ليس لديه وقت للحب، وكل ما يتلقاه من أوامر تتلخص فى هل يضخ الدم كثيراً أم قليلاً؟ أما العقل، الذى يسكن بعيداً وحده فى أعلى مكان فى الجسد البشرى متربعاً كالملك فوق عرشه، معطياً الأوامر للجميع بما فيها القلب نفسه بالعمل أو التوقف وربما الهدوء أو الصخب أو العنف أو التململ، حيث توجد داخله غدة تسمى (الهايبوثلاماس) ومعها الغدة (النخامية) و(الصنوبرية)، وهذه الغدد تتحكم فى جميع المواد التى تفرز وتحرك المشاعر بين النوم واليقظة والحب والكراهية والسعادة والفرح والوحدة والانسجام والجوع والعطش والرغبات بجميع أنواعها، وقد وصل الاهتمام به إلى إجراء البحوث والتجارب الطبية للوصول إلى حقيقته، حيث قام أحد العلماء البريطانيين ويدعى (د. بارتلز) بإجراء دراسة ميدانية على ١٧ رجلاً وامرأة فى حالة حب، وعرض على كل منهم صورتين، الأولى للحبيب والثانية لصديق، ومن خلال فحص الدماغ بالرنين المغناطيسى فى الحالتين وجد أن هناك تدفقاً دموياً غزيراً غنياً بالأكسجين إلى المناطق المسئولة عن المشاعر الإيجابية عند النظر لصورة الحبيب وتدفقاً بسيطاً عند النظر إلى صورة الصديق، وهكذا ربط الأطباء بين الحالات الشعورية الرومانسية وإفراز مادتى (الدوبامين) و(النوربيفرين)، اللتين تظهر آثارهما بتفاصيل هذه العلاقة الجديدة، أما الأدباء والشعراء فإن لهم رأياً لا يتغير فى أسباب الحب، ومن أجمل ما قرأت (أحبك لأننى أذكر نظرات إعجابك لى منذ سنوات وسنوات وأحتفظ بها فى ذاكرتى، واضعاً كل واحدة منها فى إطار ذهبى بديع لم تستطع السنوات تغيير لونه أو العبث به)، (وأحبك لأننى أبحث دائماً عن كف يدك وأصابعك لتحتضن يدى، فأشعر أننى حصلت على الدعم والسند والمشجع والسد المنيع الذى يدفع عنى الأذى والدفء الذى يقوى مقاومتى لبرودة الشتاء ويرطب كل شىء حولى فى حرارة الصيف ويمتعنى بورود الربيع وألوانها وروائعها ويعدنى فى الخريف بليل ساحر رومانسى نقضيه معاً فى انتظار ليالى الشتاء)، و(أحبك لأننى وجدت ملامحى تتغير وتشبهك وطباعى تتبدل لتناسبك وطموحاتى تعلو وتعلو لتصل للقمة التى تحتلها)، ويكفى أن نقرأ أيضاً كلمات نزار قبانى (الحب هو التعويض العادل عن كل بشاعات هذا العالم وحماقاته وجرائمه)، ليعرف كل واحد منا الإجابة عن هذا السؤال (ليه أنا باحبك؟).