فى بداية السبعينات كتب الشاعر محمد حمزة واحدة من أجمل إبداعاته الشعرية، التى التقطها بليغ حمدى ومنحها للمطربة عفاف راضى لتشدو بها (سلم سلم سلم سلم مد إيديك يا حبيبى وخد سلامى) والتى اختارها الملحن لتكون مقدمة لأشهر مسلسل إذاعى فى تلك الفترة (حبى أنا) وقد رددها أبناء هذا الجيل وما زالت للآن تحمل لهم ذكريات الحب والرومانسية. وبحثاً عن هذا الوحى الذى أطلق تلك الكلمات التى عاشت بيننا تحمل ترجمة دقيقة لمعنى الحب أقول لكم أحبتى إن للأيدى وعناقها لغة ومعانى وتعبيرات، وإن اليد هى البوابة الملكية التى يدخل من خلالها كل محب إلى عالم حبيبه بإرادته الحرة ووعيه الفطرى التلقائى، لأن اليد لا تحتاج إلى صورة شعرية كى تقنع الحبيب بحديثها، فهى وحدها مجاز ابتكره الخالق ليقرب بين القلوب، فاليد لا تقول كلمة لها معنيان ولا تقف عاجزة أمام اختلاف اللغات، كما أنها لا تعرف الكذب، وبطبيعة الحال لم تفت تلك الملاحظة العلماء والباحثين فقاموا بدراسات حول معانى المصافحة وطرقها التى تترجم طبقاً لعلماء النفس قبل الأحبة، حيث أكدوا أن اليد تحتوى على أربعة أنواع من النهايات العصبية التى تجعل الأصابع شديدة الحساسية، حيث تعتبر حاسة اللمس من أقوى الحواس لدى الإنسان، كما يؤكدون أن الإحساس باللمس إحساس ميكانيكى، وقد اخترعوا جهازاً يسمى (رسّام استجابة الجلد) وهو جهاز صُمم لقياس الاستجابات الكهربائية للجلد كما يكشفها (الجلفانومتر)، حيث يكشف قدرة مقاومة جلد الشخص الذى يخضع للاختبار للتيار الكهربائى، وإذا كان هذا هو الرأى العلمى فإن للمحبين رأياً آخر، وكذلك للعادات والتقاليد التى تختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة أو ديانة لأخرى.
فالمحبون يطبقون كلمات الشعراء والمطربين، ويسعدهم أن تقول أم كلثوم فى أغنية (انت عمرى) التى كتبها الشاعر أحمد شفيق كامل (هات إيديك ترتاح للمستهم إيديا)، ويؤكدون أن للأيدى لغة خاصة، وأنها تتكلم وتهمس وتغضب وتحتج وتعلن العصيان وتعود للحنين وللسلام والاعتذار وطلب عودة الود والمغفرة والإنصات والتدليل، وربما للغناء أيضاً والبوح بالأسرار، بينما فى عرف علماء التخاطب والإشارة فإن وضع اليد والأصابع والحركات يشكل كلمات معينة وتوحى الأيدى بتعبيرات وأفكار مألوفة، وفى دراسة أمريكية نشرت فى العديد من الإصدارات باللغتين العربية والإنجليزية كشفت أن المصافحة تعكس شخصية الإنسان بما معناه (قل لى كيف تصافح أقل لك من أنت)، حيث ترجمت جميع حركات اليدين، فقوة المصافحة ومدة التواصل وتبادل النظر بين المتصافحين كلها أساليب تعبر عن الشخصية، فالمصافحة بالقفاز تمنح شعوراً بالثقة والاهتمام، بينما المصافحة بطريقة مترهلة تعنى عدم الاهتمام، والمصافحة السريعة تقول (أنا أهتم بك)، والقوية تقول عن صاحبها إنه واثق بنفسه، أما المصافحة بتبادل قبضات اليد فهى الدليل على الألفة والحب والوفاء بين الطرفين، كما أن عالم السياسة والدبلوماسية يهتم بالمصافحة أمام الكاميرات، لأنها من العادات الرسمية فى الثقافة الإنسانية والدولية الحديثة وفى لقاءات القمة بين الرؤساء والملوك فإن الصورة الرسمية التى تتوج الصحف وشاشات التليفزيون هى تلك التى تتلقى فيها الأيدى تحية وإعلاناً لتوقيع الاتفاقيات، وبعيداً عن العلم والدبلوماسية والحب وكلمات نزار قبانى الذى خاطب حبيبته فقال لها (أيا امرأة تمسك القلب بين يديها سألتك بالله ألا تتركينى) وهو اعتراف ضمنى للرومانسيين الحالمين بأن قلوبهم تقع بين أيدى المحبوب، فإن عجائز العائلة كانوا يرددون دائماً أن المرأة صاحبة اليد الجميلة التى تزينها أصابع ممشوقة تجيد كل شىء فى الحياة بداية من الرسم والحياكة وأعمال المنزل وتزيينه وإعداد الطعام وترتيب ملابسها وملابس الزوج المحظوظ بزوجة ماهرة مبدعة فى كل شىء، فإنها تجيد التعبير عن مشاعرها بكل لمسة منها. فابحثوا أحبائى عن مصافحيكم وما تحمله لكم تلك الأيدى طبقاً للعلم والدبلوماسية وللعادات والتقاليد ولقانون المحبين.