«محاسبة الحكومة».. قرار أنقذ إندونيسيا من «الفوضى» وحوَّلها لدولة «ناجحة»
لا تزال التدابير والإصلاحات التى اتخذتها الحكومة الإندونيسية بعد الإطاحة بالطاغية «سوهارتو» تحظى بإعجاب الكثيرين نظراً لما حققته من نتائج إيجابية انعكست على الإندونيسيين كافة، الأمر الذى دفع بعض المراقبين إلى دعوة مصر إلى الاقتداء بالنموذج الإندونيسى الذى يقوم على «محاسبة الحكومة»، خاصة بعد أن أثبتت حكومات ما بعد الثورة فشلاً ذريعاً فى اتخاذ تدابير ترضى الملايين التى خرجت مطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
فبعد الإطاحة بالرئيس الإندونيسى سوهارتو عام 1998 الذى كان متربعاً على رأس الدولة لفترة تجاوزت ثلاثة عقود، قامت الحكومة الجديدة فى البلاد بإحداث تغييرات جذرية من شأنها أن تضع الحكومة فى موضع المساءلة وتلزمها بالشفافية تجاه مواطنيها، ناهيك عن إشراك المواطنين أنفسهم ضمن منظومة صنع السياسات الاقتصادية ومحاربة الفساد الذى كان قد ضرب جذوره فى كافة أوصال الدولة الإندونيسية.
قامت تلك الإصلاحات بالأساس على عدد من البنود كان أبرزها: خلق شراكة من أجل إصلاح الحكم بين المجتمع المدنى والحكومة لقيادة الحرب ضد الفساد، وإصدار قوانين جديدة تسمح للشرطة بالتحقيق فى تهم الفساد، وكذلك إنشاء لجنة مستقلة للقضاء على الفساد، ناهيك عن تمرير قانون اللامركزية من أجل تقريب الخدمات العامة للمواطنين، هذا بالإضافة إلى دعم نمو مؤسسات المجتمع المدنى والصحافة الحية التى توفر صوتاً للمواطنين وتضع الحكام تحت المساءلة، وكذلك إنشاء وحدة بحوث ورصد مستقلة تهدف إلى تحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية فى البلاد.[Quote_1]
إصلاحات مكنت تلك الدولة المكونة من عدد من الجزر ذات الكثافة السكانية العالية أن تقهر المصاعب وترفع من مستوى الطبقات الكادحة بعد أن كانت المعيشة متدنية للغاية فنجحت فى تغطية 85% من ديونها، ومن المتوقع أن تقوم بسداد باقى الديون على مشارف عام 2014 لتدخل بذلك إلى النادى محدود الأعضاء المسمى «النمور الاقتصادية»، كما تشير كافة المؤشرات إلى أن إندونيسيا بحلول عام 2025 ستكون من بين الدول التى يعتمد عليها اقتصادياً فى العالم، لتخالف بذلك كافة التوقعات التى رأت حتمية انزلاقها فى فوضى عارمة نظراً للتنوع والاختلاف بين قاطنيها.
ولعل فضل الإنجازات جاء بالأساس نتيجة فرض الحكومة الجديدة قطيعة فعلية ورمزية مع الماضى، وكذلك إرسال إشارات قوية مفادها أن الأساليب القديمة قد انتهت وولت بلا رجعة، ووضع المواطنين كافة أمام القانون سواء دون تمييز لأحد على حساب آخر، الأمر الذى دفع منظمات المجتمع المدنى، والمجتمعات المحلية، والنساء، وممثلى الفقراء والضعفاء إلى أن يلعبوا دوراً بالغ الأهمية فى بناء مستقبل الدولة الجديد ومكافحة تركة الفساد المورثة من الماضى.