ساعات «ثقيلة» فى انتظار الموت
الساعة قاربت على الثامنة مساء، حان موعد الخدمة الثانية لتأمين الطريق الدائرى على حدود محافظة القليوبية، يستعد رجال الشرطة المشاركون فى الخدمة من ضباط وأمناء شرطة ومجندين لارتداء السترات الواقية من الرصاص، يجهز كل فرد سلاحه والمعدات اللازمة استعداداً للانطلاق من مديرية أمن القليوبية فى مدينة بنها صوب الطريق الدائرى فى انتظار المجهول.
قوة تأمين الطريق الدائرى تشارك فيها إدارة تأمين الطرق، ومجموعة من الأمن المركزى، وأخرى من المرور والمباحث، تنطلق فى 5 سيارات شرطية لتوزيع الخدمات، والتمركزات الأمنية.
«الوطن» قضت ليلة فى أحد تمركزات الكمائن المتحركة على الطريق الدائرى التى بلغ عدد قوتها 20 شرطياً فى 5 سيارات شرطة يرافقهم «بوكس»، مهمتهم تأمين الطريق الدائرى من منطقة نزلة المرج حتى نزلة باسوس التى تقع على حدود محافظة الجيزة مع محافظة القليوبية حيث يوجد ثمانية مخارج ومداخل للطريق الدائرى كما يوجد قوتان أخريان مهمتهم تأمين النزلات بخلاف القوة الحالية.[FirstQuote]
قوة التأمين المتحركة التى رافقتها «الوطن» وصلت إلى الطريق الدائرى وبدأت تجوب الطريق فى الاتجاهين لترصد وجود مخالفات أو تعطل للطريق، سلك موكب الكمين اتجاه الدائرى المؤدى إلى مسطرد، وقرر التوقف هناك، وهى المنطقة الأشهر فى تجارة المخدرات وسرقة السيارات، والإجرام حيث ترتفع فيها -طبقاً لأحد الضباط فى الكمين- نسبة المطلوبين أمنياً.
يأمر العميد عمر أبوزيد، مدير إدارة تأمين الطرق والمنافذ الذى يقود القوة، بتأمين الكمين وتسكين الضباط والمجندين فى أماكنهم.
اختيار مكان نصب الكمين لا يتم بشكل عشوائى، وغالباً يكون على طلعات الطريق الدائرى لأن كل المداخل مصممة بشكل دائرى يرى سالك الطريق الكمين فجأة ولا يستطيع التوقف أو الرجوع عكس الطريق، يبدأ الكمين فى فحص المركبات التى تصعد على الطريق الدائرى من منطقة مسطرد، يتقدم عدد من الضباط وأمناء الشرطة فى بداية الطلعة لتأمين الكمين ضد أى هجوم مسلح، فيما يرابط عدد آخر فوق الطريق الدائرى يؤمن الطريق من الاتجاهين ضد أى اعتداء غادر، يدقق أفراد الشرطة فى الدراجات البخارية، التى تدخل الكمين ويفحصون أوراقها جيداً.
على نفس الطريق الدائرى استشهد فى شهر أغسطس الماضى شرطيان فى كمين فى منطقة باسوس على أيدى مسلحين كانوا يستقلون دراجة بخارية، هم صلاح محمود مجاهد، أمين شرطة، وصبحى عبدالفتاح مرسى، رقيب شرطة من قوة إدارة تأمين الطرق والمنافذ فى مديرية أمن القليوبية، لذا تخرج الخدمات الشرطية على هذا الطريق الخطير على أهبة الاستعداد لحدوث هجوم مسلح. يقف الأمين سيد حسان، من إدارة تأمين الطرق والمنافذ فى الكمين مرتدياً سترته الواقية ضد الرصاص، يحمل فى يده سلاحه الآلى، يراقب عن كثب تحركات سائقى السيارات التى تقترب من الكمين، يتذكر الشرطى واقعة استشهاد زملائه فى كمين «باسوس» قائلاً: «الهجوم كان غدر وزملائى ماتوا وهما فى خدمتهم، صلاح مجاهد مات وكانت أمنية حياته يعلّق ضابط بعد ما يحصل على ليسانس الحقوق، زميلى صبحى مرسى كان نفسه الوضع يتحسن»، ويضيف: «أقف فى مكانى على الطريق الدائرى فى خدمتى اليومية، منتظراً ومتوقعاً الموت فى كل لحظة، أنا بخرج من بيتى وبسيب عيالى وبتوكل على الله وهو فى يده كل شىء الموت ممكن ييجى فى أى لحظة».[SecondImage]
يقبض على سلاحه بقوة يقف فى ثبات يقلب بعينيه فى كل سيارة مقبلة ومدبرة على الكمين، يتخذ اتجاهاً يؤمن الكمين منه، وينتظر الأوامر من الضابط، يتأهب المجند حمدى حميدة لأى لحظة غدر كالتى طالت زملاءه على نفس الطريق، يقول الشاب العشرينى فى ثبات: «لما بشوف زمايلى بتموت وبسمع فى التليفزيون دمى بيغلى وبقول فى نفسى إن اللى بيعمل كدة مش بشر، ببقى عايز أشتغل وأجيب حق زمايلى».
يضيف الشاب ابن قرية بركة غطاس بمحافظة البحيرة الذى يؤدى فترة تجنيده ضمن قوات الأمن المركزى: «على الرغم إن أهلنا بيقلقوا علينا لكن محدش فى يوم قال لى متروحش الخدمة، أمى بتدعيلى وتقولى خليك جدع وإياك تسيب التجنيد وتدعى لى وتقول ربنا يرجعك بالسلامة».
يلتقط مجند الأمن المركزى محمد سليمان مسلم، من الجيزة مركز البدرشين طرف الحديث قائلاً «يا باشا إحنا أرواحنا ليها ميعاد ومحدش هيموت ناقص عمر، الأيام دى صعبة علينا كلنا بصراحة، والخدمة عليا لازم أوفيها وبعدها أشوف مصالحى ومستقبلى».
يمسك فى يده طرف الحاجز الحديدى وهو عبارة عن صدادة يوجد بها سنون حديدية مدببة تمنع مرور السيارات وإذا تخطتها سيارة تقوم بثقب إطاراتها المطاطية وتجبرها على الوقوف، يتأهب المجند محمد خليل، ابن محافظة الشرقية لتلقى أمر من قائده النقيب أحمد مهران، ويقول «قفل الطريق مسئوليتى لو شديت الحبل مش هعدى السيارات اللى عايزة تضرب الكمين، والمانع مهم قوى فى الكمين».[SecondQuote]
يقطع صوت المجند دوى يشبه طلقات الرصاص مقبلة من اتجاه نزلة الطريق الزراعى، تشخص عيون كل من فى الكمين فى الاتجاه نفسه، يطمئن العميد عمر أبوزيد القوة التى معه قائلاً: «هذا صوت ألعاب نارية ربما يكون فرح قريب مننا».
الساعة قاربت على منتصف الليل، بدأ وقع صوت السيارات التى تمر على الطريق الدائرى فى الاختفاء شيئاً فشيئاً، حتى انخفضت حركة السير، يلقى الملازم أول أحمد عبدالرؤوف، الضابط بإدارة تأمين الطرق والمنافذ بمديرية أمن القليوبية، القبض على شخص بحوزته مادة مخدرة كان يستقل سيارة «تاكسى»، يعطى الضابط أمراً لأحد المجندين بإحضار «الكلابشات»، ويقيد الشاب الثلاثينى المتهم وهو يلوح وفى يده نصف «قرش حشيش» كان بحوزته، يقتاده الضابط إلى سيارة الشرطة تمهيداً لتحرير محضر فى قسم الشرطة.
يقول «عبدالرؤوف»: «على الطريق الدائرى نرى مواطنين من كل أنحاء الجمهورية، من أسيوط، ومن قنا، المتجه إلى المنوفية، والبحيرة، والمقبل من مسطرد ومن بهتيم ومنطاى، والجزء التابع لمديرية أمن القليوبية من الطريق الدائرى هو الأصعب لأنه يرتبط بمناطق جغرافية بها نسبة إجرام مرتفعة، وخارجين عن القانون».
يستكمل الضابط الشاب الذى يقول إنه تخرج عام 2012، وحضر تخرجه محمد مرسى الرئيس المعزول قائلاً: «شغلتنا كدة بنتعرض فيها للخطر دى رسالتنا، أنا من يوم ما دخلت الكلية وكان نفسى أبقى ظابط محترم والناس كلها تحبنى فى عز ما كان أغلب الظباط قبل الثورة الناس بتكرههم».
8 مخارج ومداخل للطريق الدائرى فى حدود محافظة القليوبية، من مخرج مدينة مسطرد، والمرج، وبهتيم، والخصوص، والطريق الزراعى وباسوس والمعتمدية، كل فرد فى الكمين له مهمة محددة، شرطى المرور يفحص رخص السيارات والمركبات، وشرطى الأمن المركزى يؤمن الكمين ضد أى هجوم، فيما يتفحص ضابط المباحث بمديرية أمن القليوبية العقيد عادل فكرى هويات المشتبه فيهم من المارة، وأصحاب السيارات والموتوسيكلات.
يحمل سلاحه الآلى فى مقدمة الكمين، يتابع سير المركبات، ينحنى بجسده قليلاً كى يدقق الرؤية فى كل سيارة تمر، يؤكد النقيب أحمد مهران، من القوة المسلحة بالأمن المركزى، أن رجال الأمن سواء من الجيش أو الشرطة هم الشوكة التى قصمت ظهور الإرهابيين ومنعت مخطط تدمير مصر، ويضيف: «نحن نخرج من منازلنا ونستودع أنفسنا عند الله، دورى هنا التعامل مع أى شخص يهاجم الكمين أو يقاوم السلطات والناس تتعاون معنا وترحب بنا فى الشارع لأننا نحمى أرواحهم، وما يحدث من استهداف لنا لا يزيدنا إلا إصراراً على استكمال دورنا فى الشارع المصرى».
يرافق قوة التأمين المرابطة على الطريق الدائرى العميد عصام الغزالى، مسئول العلاقات العامة بمديرية أمن القليوبية، ويؤكد أهمية دور الإعلام والمواطنين فى مساندة قوات الشرطة فى الفترة الحالية نظراً لما تواجهه من مخاطر فى سبيل تحقيق الأمن، وأشار إلى أن وزارة الداخلية عادت بأجهزتها إلى الشارع بعد غياب، واختلف منهجها فى التعامل مع المواطن وشعر الناس بهذا الاختلاف، وأضاف أن مديرية أمن القليوبية تفقد كل يوم ضباطاً ومجندين وأفراداً وأمناء شرطة بسبب الهجمات الإرهابية، وأن هناك قائمة شرف تضم عشرات الشهداء منهم 2 استشهدا على الطريق الدائرى.[ThirdImage]
صوت صافرة اللاسلكى تكسر حالة الهدوء التى تخيم على المكان، يتابع العميد عمر أبوزيد مدير إدارة تأمين الطرق والمنافذ بمديرية أمن القليوبية، الخدمات الموجودة على الطريق الدائرى من خلال اللاسلكى ويعطى توجيهاته للضباط بالخدمة، ويؤكد أن قوة الكمين مهمتها تأمين الطرق والمنافذ على مستوى مديرية أمن القليوبية حتى تمنع حدوث عمليات السرقات و«التثبيت» وتجاوز القانون، وتشعر الناس بالأمن، وقال «نعمل على مدار الـ24 ساعة من خلال غرفتين للعمليات لمتابعة سير الطرق، الغرفة الأولى فى شبرا، والثانية فى بنها».
يتابع الرجل الأول المكلف بتأمين الطرق بمحافظة القليوبية أنه بعد الاستهداف المتكرر لرجال الشرطة تغير «تكتيك» نصب الكمائن المتحركة على الطرق بحيث تمنع التعدى على رجال الشرطة واستهدافهم قائلاً: «عدونا دائماً مجهول سواء كان سياسياً أو جنائياً، وإحنا كضباط بنخرج من البيت وعارفين أننا ممكن ما نرجعش، بس بنتوكل على الله».
«الدراجات البخارية أصبحت تجذب الانتباه، وعليها حملات مكثفة فى المديرية وعلى الطريق الدائرى»، هذا ما أكده «أبوزيد»، وأضاف «ضبطنا موتوسيكلات دون نمر وغير مرخصة، مخالفة للقانون ومستقلوها عليهم أحكام، وأنصح أصحاب الدراجات النارية بالترخيص، وحال سرقة الدراجة البخارية عليهم سرعة الإبلاغ عنها حتى لا تستخدم فى العمليات الإرهابية التى تحدث من حين إلى آخر».
ينصح مدير إدارة تأمين الطرق المواطنين ملاك السيارات بعدم التوقف ليلاً على الطريق لأى سبب من الأسباب، وإبلاغ النجدة حال تعطل السيارة، ويشير إلى واقعة تعرض فيها مواطن للخطر، قائلاً «أحد المواطنين استغاث لسرقة سيارته على كوبرى قها أثناء توقفه على الطريق، وتوجهت أقرب سيارة شرطة للمكان المجاور وأقمنا كميناً على أحد المنافذ المجاورة واستطعنا أن نضبط السارق فى الحال».
وأضاف «أنصح الناس بسرعة الإبلاغ، وفى حالة استيلاء الحرامى على موبايل صاحب السيارة يقوم صاحبها بالإبلاغ من أقرب مكان ممكن».[ThirdQuote]
يصمت مدير إدارة تأمين الطرق قليلاً كى يتابع آخر الضبطيات والإخباريات التى يتلقاها من خدمات الكمائن الأخرى، فى هذه الليلة استطاعت قوات تأمين الطرق القبض على بعض من المطلوبين والخارجين عن القانون، منهم سيدة مسجلة خطر عليها 10 أحكام قضائية ومطلوبة على ذمة قضايا أخرى، على كمين بالدائرى بمكان يجاور منطقة الخصوص، كما استطاعت قوات الشرطة على طريق كفر شكر أن تلقى القبض على 2 مطلوبين على ذمة قضايا جنائية كانا يستقلان دراجة بخارية، كما ألقى القبض على قائد سيارة مخمور على الطريق الدائرى عند نزلة مدينة قليوب من اتجاه الطريق الزراعى.
الساعة تشير إلى الثانية صباحاً، قائد «الكول الأمنى» يعطى أوامر بجمع الخدمة والتحرك لنقل الكمين فى مكان آخر، تبدأ القوة الأمنية فى التحرك بطول حدود الطريق الدائرى الواقعة مع محافظة القليوبية، لتكمل ساعات الخدمة التى تستمر حتى الساعة الثامنة صباحاً موعد الدورية الثانية.
أخبار متعلقة
شهود عيان: أول الضحايا مجند كان يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر
عسكريون: ضرورة إعادة النظر فى الخطط التأمينية لـ«الكمائن»
جهاديون: حادث مسطرد يكشف عن موجة إرهابية لاستهداف «الجيش»
صاحب «الكشك» المقابل للكمين: استيقظت على صوت الانفجار وفوجئت بالكارثة
قوى إسلامية تُحمل «الإخوان» مسئولية حادث «مسطرد».. والتنظيم: اتهام باطل
أحزاب وقوى سياسية تستنكر الحادث وتؤكد: «الإرهابية» تستهدف الدولة
تفجير كمين مسطرد.. «اللى يواجه الإرهاب ينكوى بناره»
من أهالى الأميرية والمطرية لـ«الإرهابيين»: «مش خايفين»
استشهاد 6 مجندين فجراً فى هجوم مسلح على نقطة للشرطة العسكرية بمسطرد
استعدادات أمنية مكثفة بمطار أسيوط انتظاراً لوصول جثامين ضحايا مسطرد
أهالى جرجا يخصصون قطعة أرض لبناء معهد أزهرى باسم شهيد مسطرد
أسرة الشهيد «محمد» للإخوان: ربنا ينتقم منكم
والد الشهيد عمر عبدالهادى: مستعد لتقديم ابنى الثانى للشهادة
شهيد قرية «المساعيد» لم يمهله الإرهاب لتحقيق حلم رعاية والدته
والد شهيد المنوفية لـ«السيسى»: «طفّى نارى وهات تار ابنى وأعدم الإرهابيين»
«محلب» ناعياً شهداء الجيش: ماضون فى طريق بتْر «يد الإرهاب»
القوات المسلحة: عناصر إخوانية استهدفوا أفراد الشرطة العسكرية
شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يدينون الحادث.. ويطالبون بالقصاص من مرتكبيه