ثلاثاء البصخة في "أسبوع الآلام".. "ابن الطاعة تحل عليه الرحمة"
الروائح الذكية تنبعث من المباخر، تملأ الفراغات بين المصلين، يصطدم دخانها بصلبان السعف التى ترفعها النساء المتشحات بأغطية رأس مسدلة على أكتافهن، قداس السعف الذى بدأ فى السابعة، تشارك فيه «ميرنا»، 23 عاماً، متأخرة، فى سترة خفيفة تلائم الأجواء الربيعية.
ثلاثاء البصخة:
لم يعد بمقدور «ميرنا»، خريجة كلية الآداب، حضور البصخات بشكل منتظم، فعلى الرغم من ارتباطها بشكل كبير بكنيسة أخرى، غير التى تنتظم أسرتها بحضور الصلاة فيها، وهى كنيسة «السيدة العذراء والأنبا إبرام»، حيث انضمت لفريق الترنيم فى تلك الكنيسة، لكنها مؤخراً صارت مشغولة بعملها الجديد الذى يمتد من ساعات الظهيرة وحتى الحادية عشرة مساءً.
«أسبوع الآلام مافيهوش صلوات الأجبية اللى المفروض بنصليها طول السنة» تقول «أنجيل» المسيحية ذات الـ 46 سنة، «الصلوات دى مش بيلتزم بيها ويواظب عليها كلها إلا القديسين، لكننا بنحاول نعمل اللى نقدر عليه ونكون من أبناء الطاعة لأن الإنجيل بيقول: ابن الطاعة تحل عليه الرحمة».
منذ ثمانية أعوام، وقتما أنشئت كنيسة «السيدة العذراء ومار يوحنا»، انضمت «أنجيل»، المتدينة المسيحية، لخدّام الكنيسة «كانت الكنيسة لسة جديدة، وكانت قريبة من بيتى فحسيت إنها فرصة أقرّب من ربنا أكتر، بقيت بروح مع كذا ست ننضف الكنيسة ونمسحها، بعد كدة ربنا قدرنى وبقيت بقرا كويس وأبونا (قس الكنيسة) كلفنى بدراسة كتاب للسيدات» من وقتذاك اشتد الارتباط بين السيدة «أنجيل» وكنيستها.
البيت الصغير الذى تسكنه «أنجيل» مع أسرتها، تكلل جدرانه من الداخل صور للقديسين وفق العقيدة الأرثوذكسية، لكن «الأم المسيحية» ترى أنها لا تعطى تلك الأيقونات الاهتمام الكافى برأيها إذ توضح: «زمان الناس كانت بتهتم بأيقونات القديسين فى بيوتها، وتحط قدامها صوانى الشمع باستمرار وأحياناً كانوا يحطوا سراج منير بينور بالزيت».
فى تاريخ سابق، وقت وجود المسيح فى أورشليم، كان يرنو هو الآخر إلى مزيد من التدين، مثلما تسعى متبعته «أنجيل»، حيث دخل المسيح فى يوم الاثنين إلى الهيكل المقدس، بحسب التاريخ المسيحى، ودخل إلى «الصيارفة» الذين اتخذوا من الهيكل (المحظور البيع فيه) محلاً للبيع والشراء فقلب موائدهم وكراسيهم وطرد باعة الحمام من داخل الهيكل وقال لهم: «مكتوب: بيتى بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص».
«ارحمنى يا الله ارحمنى فإنه عليك توكلت نفسى ويظل جناحيك اتكل عليك إلى أن يعبر الإثم، الليلويا»، يغمض «أبانوب» عينيه وهو يردد الألحان المحفوظة التى يعتاد فى مساء كل ليلة بعد الانتهاء من البصخة لأن يراجعها ضمن فريق الشمامسة مع رئيسهم فى خدمة كنيسته «كنيسة ماريوحنا»، ألحان قبطية تُتلى، وأخذ ورد، ورد على الرد، أضلاع مربع تُشكلها مقاعد الكنيسة المنقوشة بالصلبان، التى يجلس قس الكنيسة فى منتصفها محفوفاً يمنة ويسرة برئيس الكهنة والشمامسة ومن خلف مربعهم الصغير بقية شعب الكنيسة الذين انضموا للصلاة.