عبدالعزيز سلامة يكتب.. صاحب «الحنجرة الذهبية»
عبدالعزيز سلامة
هو صاحب الحنجرة الذهبية، بل قُل المعجزة الربانية، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذى ملأ صوتُه الآفاق، وطار ذكرُه إلى كل النواحى والبلاد، وحسبى من الكلام عنه ما ذكره الشيخ العارف بالله أحمد أبوالوفا شرقاوى، عندما طلب منه القراءة بصوته، إحياءً لإحدى الليالى الشرقاوية، فلما انتهى دمعت عيناه وقال: «إن صوتَ هذا الصبى يحيى فيَّ روح التصوف.. فمن لا يشعر بشجن صوت الشيخ عبدالباسط ليس لديه عواطفٌ إيمانية»، وأهداه خمسين قرشاً.
من شدة إعجاب الناس بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، لقّبوه بالعديد من الألقاب، فكان اللقب الأشهر: «الحنجرة الذهبية»، ولُقب كذلك بـ«صوت مكة»، و«صوت السماء»، كل تلك الألقاب تشير إلى ما كان يتمتع به الشيخ رحمه الله من صوت فريد، ونغمة رنانة تطرب الأذن، وطول نَفَس لم ولن ينافسه فيه أحد، ولطالما اشتهر بتلك الصفة بالتحديد، فضلاً عن الأداء القوى والمخارج الرصينة والصوت الشجى الذى يجعلك تغوص معه فى أعماق الآيات.
انتهج الشيخ فى تلاواته نهجاً فريداً مميزاً لم يسبقه فيه أحد، ولم يتمكن واحد من بعده أن يسلك مسلكه، أو يحاكى صوته، فالشيخ لديه حنجرة -كما سموها- «ذهبية» حقاً.. فأنّى يأتى أحدٌ بمثلها!.. ونتيجة لذلك عرفت طريقته فى القراءة باسم المدرسة الصمدية.
رحلتى مع الشيخ: نشأت أنا فى بيت محب للقرآن، تصدح به أركانه آناء الليل وأطراف النهار، فلم يكن لى فى بادئ الأمر شيخ مميز أستمع لتلاوته، بل كان يغلب على حالى الاستماع لتلاوات المشايخ غير المصريين كالسعوديين وغيرهم، وكان هذا دأبى عند إرادة سماع القرآن كالكثيرين، لكن حدث أن توفى عمى رحمه الله ذات يوم، وأوتى بمكبر صوت ووُضع فيه ختمة كاملة مجودة بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فصارت تصدح فى أنحاء البيت ليل نهار، وكانت أذنى تنجذب لهذا الصوت دون إرادة، ولسانى يردد معه دون شعور، من حينها أحببت الشيخ وعشقت صوته وطريقته، فامتلأ هاتفى بتلاواته المتنوعة، ليكون القارئ المفضل لدىَّ بلا منازع.
خضتُ تجربة بعدها مع العمالقة الآخرين من قرناء الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، كالشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ المنشاوى، والشيخ الحصرى، فوجدت حلاوة وعذوبة لم أجدها قبل ذلك فى المشايخ غير المصريين، ولكن ظل صاحبُ الحنجرة الذهبية هو رئيسهم وسيدهم بالنسبة لى، فكيف لأحد أن يعزف عن هؤلاء الأفذاذ بحق الله، إلى ما من دونهم فى الصوت والإتقان.. فحقاً كما يقولون «مصر ولّادة».