الرحمة أعظم خلق ينفع الكون وينور الحياة ويقربك إلى الله، ما وجدت خلقاً أطيب من الرفق والرحمة، فبهما تصفو الحياة، وبهما تطيب الدنيا ويتآلف ويتراحم الناس، وبهما يرضى الله عنا ويرحمنا.. «الراحمون يرحمهم الرحمن»، ومن كان رحيماً فقد اقتبس من صفة الرحمن والرحيم قبساً من نور هذين الاسمين العظيمين من أسماء الله الحسنى.
وقد بهرتنى أ. أمانى المنجوجى، مدرسة اللغة العربية بمدرسة فوة الثانوية بكفر الشيخ، وقد وجدت الحر شديداً على الطالبات فى الامتحانات دون مروحة ولا تكييف ولا وسيلة ترطيب أثناء موجة حر عاتية فأخذت تُرطب الهواء عليهم بدفتر أو بكرتونة بسيطة حوّلتها إلى مروحة يدوية، لطالبة تلو الأخرى وتخفّف عنهن فى حنان ورفق لا مثيل له، وقد تقبّل رأس بعضهن وتشجعهن وتطيب خاطرهن.
قالت المعلمة: إنها تصرّفت بذلك عفوياً، وإنها تفعل ذلك لرابع يوم، ولم تتخيل أن يعرف ذلك أحد، فهى لا تحب الظهور ولا التسميع.وقالت: تصرفى عادى وعفوى وأجمل شىء هو تعليقات الناس الحنونة الراقية، ولكن تصرّفى كان عفوياً.هذه المعلمة ذكرتنى بالتى أثنى عليها الحديث الشريف ولم تجد شيئاً تسقى الكلب العطشان الذى كان يلهث من العطش، فنزلت البئر وملأت حذاءها بالماء وسقته.
إذا نويت وسعيت لرحمة الخلائق فثق أن الله سيعينك، إذا نويت صلة رحم فثق أن الله سيمدك بمدد لا نهائى من عنده، إذا نويت بر والديك فى حياتهما أو بعد مماتهما فثق أن الله سيرزقك ويوسّع عليك بما يُمكنك من بر والديك، وسيعوضك عما بذلته أضعافاً مضاعفة، ثق أنك إذا نويت تفريج كربات الناس، فإن الله سيفتح لك أبواباً عجيبة لتفريج الكربات.
قلبك الرقيق الرحيم هو أعظم بوابة تصل بها إلى الله، وإلى محبة الناس، قلبك الطيب الحنون هو بوابتك للولوج إلى أعلى درجات الجنان فى الآخرة والعيش بسلام وطمأنينة فى الدنيا.قلبك الودود المحب للخير وللجميع هو سر سعادتك وأسرتك قبل غيرك فى الحياة، حيث لن يعرف الحقد ولا الحسد والضغينة إلى قلبك طريقاً.
قلبك الصافى النقى ستعبر به كل الصعاب، وتجتاز به كل المحن، ويجعل الأرزاق المادية والمعنوية تنهال عليك مثل مطر الشتاء.
قلبك الرحيم النقى سيجعلك ضمن من بشّرهم المسيح، عليه السلام، «طوبى لأنقياء القلب، لأنّهم يُعاينون الله».قلبك الرحيم النقى الودود سيجعلك أعلى مكانة فى الدنيا والآخرة من كثير من العباد والصوام والقوام الذين لا يتمتّعون بمثل هذا القلب.الرأفة والرحمة من أهم الصفات التى لازمت الحضرة النبوية المحمدية «بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، فمن اقتبس شيئاً من هاتين الصفتين النبويتين فقد عاش معنى النبوة الحقيقى، فالرسول هو «الرحمة المهداة»، فمن كان فى قومه وأسرته وأهله «رحمة مهداة» فهو على نهج النبوة العظيم.
سلامة صدرك وطهارته من الحقد والغل والبغى والحسد هى أقصر طريق تسلكه إلى الله ومرضاته سبحانه، وإلى كسب قلوب الناس، وقد وصف الرسول، صلى الله عليه وسلم، أفضل الناس بأنه «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، فقالوا: يا رسول الله صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب، قال «التقى النقى الذى لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد».
معلمة فوة كانت تتمتّع بقلب نقى محب للطالبات شفقة عليهن، لم تتخيل أن ناظر المدرسة يتابعها عبر الكاميرات المدرسية، أخلصت لله، فنشر الله عملها ورفع الله قدرها، وأشاع بين الناس سيرتها الطيبة وكذلك أهل الإخلاص.
لك أن تتأمل قول ابن عباس: إنى لأسمع الغيث «المطر» قد أصاب بلداً من بلاد المسلمين فأفرح به وما لى به سائمة «أى غنم أو إبل»، وهذا الصحابى الجليل أبودجانة يقول «ما من عمل شىء أوثق عندى من اثنين: كنت لا أتكلم فى ما لا يعنينى، والأخرى كان قلبى سليماً للمسلمين»، وكان بعض الصالحين يتبرّع بعرضه على الناس.
تحية للمعلمة العظيمة أ. أمانى، وتحية لكل معلم قدوة لتلاميذه، يحبهم ويحبونه، يعلمهم ويرحمهم ويشفق عليهم.