الهروب من المسئولية: «اعمل نفسك مش من هنا»
الهروب من المسئولية
حالة عامة من التهرب من المسئولية أصبحت سائدة بين كثير من المواطنين، فتراهم يلقون الأخطاء على من حولهم دون تحمل نصيبهم من الخطأ، يرغبون فى مميزات الشىء دون تحمل واجباته، يسعون للوظيفة رغبة فى الوجاهة الاجتماعية، دون الالتزام بالمتطلبات، يتملصون من واجبهم تجاه المجتمع ومن تأدية دورهم التطوعى، وإنقاذ من هم أدنى منهم اجتماعياً، يسيرون وسط الزحام، يرغبون فى النجاة بأنفسهم فقط، وبعضهم يهرب حتى من إعالة أسرته، ويترك الحمل الثقيل على الزوجة أو الأطفال، وهو ما زاد من معدلات النساء اللاتى ينفقن على أسرهن فى ظل تخاذل الرجال عن القيام بدورهم تجاه الأسرة.
استشارى صحة نفسية: «غير المسئول» يهرب من الاعتراف بأخطائه خوفاً من تحمل تبعاتها.. وأستاذ علم اجتماع: ظاهرة منتشرة فى المجتمعات الأقل تقدماً
يقول محمد سيد أحمد، أستاذ علم الاجتماع السياسى: «عدم تحمل المسئولية ظاهرة منتشرة فى المجتمعات الأقل تقدماً، فالدولة المتقدمة التى تعتمد على القانون والمحاسبة، يراعى فيها المواطن مسئولياته، ويعرف قيمة الحق، وقيمة الواجب، ليس فى تأدية مهام وظيفته فقط، بل وفى حق المجتمع عليه، ومساعدة من هم فى حاجة إليه، وتبنى قضايا إنسانية».
ويضيف «سيد» قائلاً: «هناك أشخاص يتهربون من المسئولية خوفاً من التورط أو المحاسبة، خاصة أنه لا يوجد خط واحد أو قاعدة عامة تحكم جميع الأشياء، فيمكن أن يندفع طبيب شاب لمساعدة وعلاج شخص فقير، ويكون الجزاء معاقبته وليس تكريمه، ويمكن أن يتوقف شخص لإنقاذ مواطن تعرض لحادثة، فيجد نفسه متهماً، وكل ذلك خلق بداخل المواطن الرغبة فى الهروب، خاصة أن الشىء والموقف الواحد أصبح له أكثر من منظور، هناك من يراه صائباً وهناك من يراه خطأ وهناك من يجازى أو يعاقَب على نفس الموقف». «هناك مسئولون تجنبوا الحصول على مناصب قيادية أو وزارية خلال الفترة الانتقالية الفائتة، خوفاً من المحاسبة أو التورط فى أى قضية، وفضلوا البقاء بعيداً، حتى وإن كان بعضهم كفئاً لذلك المنصب ولديه من الخبرة ما يضيفه لمنصبه، ولكنه فضّل البقاء منزوياً سالماً، نفس الشىء فى المجتمع، فالكثيرون يفضلون الراحة بدلاً من المثابرة، وهناك شخصيات جبانة بطبعها، لا تُقبل على مقاومة صعوبات الحياة، وتفضل البقاء فى مساحتها الآمنة».
ويقول طه أبوالحسن، أستاذ الصحة النفسية كلية التربية جامعة مصر: إن عدم تحمل المسئولية له عديد من الأسباب، منها شعور الإنسان بالضغط، وعدم قدرته على المقاومة. والمفهوم السائد عند الناس حول الراحة يتمحور حول الراحة البدنية فقط، ولكن هناك كثيراً من الأنواع الأخرى مثل الراحة النفسية، وعدم معرفة الإنسان بطبيعته النفسية، ما يضعه فى أزمات متعددة، فالإنسان المتوازن لا يتشوق للهروب من المسئولية، ويجد فى مسئولياته جزءاً من تحقيق ذاته».
ويضيف «أبوالحسن»: «المواطن اليابانى على سبيل المثال، أصبحت الحكومة تجبره على الحصول على فترات راحة، وذلك من شدة شغف المواطن بعمله، حيث تحول إلى ماكينة عمل لا تتوقف، وتحول ذلك إلى سمة من سمات الشعب، وأصبح الإنسان المتخاذل عن عمله غير مرغوب فيه ومنبوذاً، وربما يُقبل على الانتحار، لشعوره بأنه فقد شرفه لمجرد كونه عاطلاً، ولكن فى المجتمع المصرى أصبح المواطن يتلذذ ويطلق النكات على تجاهله لعمله، وعلى قدرته على الفهلوة وهروبه من تحمل المسئولية».
ويكمل «أبوالحسن» قائلاً: «المواطن المصرى يقف متحيراً بين رغبته فى الشىء وفى نفس الوقت عدم رغبته فى تحمل أى مسئولية نابعه عنه، مثل بعض الأسر المصرية التى ترغب فى اقتناء حيوانات أليفة، ولكنهم لا يريدون الاعتناء بها، أو من يرغبون فى إنجاب الكثير من الأطفال، وعدم تحملهم مسئولية تنمية وتربية هؤلاء الأطفال، والمواطن الذى يهرول لاهثاً وراء المنصب، باحثاً عن استغلال سلطته والواجهة الاجتماعية دون الوفاء بواجباته».
ويضيف أبوالحسن: «الأسر المصرية أصبحت تشهد صراعات كثيرة، كما ازدادت حالات الطلاق فى المجتمع، والسبب فى ذلك الصراع حول تقسيم المسئوليات، حيث يتخيل كل من الزوج والزوجة فى بداية حياتهما أن الحياة ستكون وردية، خاصة لو اعتادت الفتاة عدم تحمل المسئولية، والاعتماد على والدتها فى كل مناحى الحياة، وتفاجأ بأنها مسئولة عن أسرة، وبعدها تصبح مسئولة عن أطفال، بل وتقبل أحياناً على خطوات فى الحياة لا تدرك تبعاتها، وتنتظر من زوجها أن يحل محل والديها، ولكنها تكتشف أنه أيضاً كان يعتمد على ذويه فى كل شىء، وغير قادر على تحمل المسئولية، فتشب حالات من النزاع، تنتهى بالطلاق والتفكك الأسرى».
ويشير أبوالحسن: «هناك شق اقتصادى، حيث تزداد الأعباء المالية على الأسرة، مما يفرض مزيداً من المسئوليات، منذ فترة ليست بالطويلة، كانت الحياة تتسم بمزيد من البساطة، ولكن مع كثرة التعقيدات، وتزايد الأعباء المالية، فيضطر كثير من الرجال للسفر خارج مصر، للبحث عن مصادر رزق، ومن هنا تجد الزوجة نفسها بمفردها تتحمل كل الأعباء الأسرية، وتتحمل مسئولية الأولاد، هذا لا يعتبر هروباً من المسئولية ولكن الظروف الاقتصادية أحياناً تضع عبئاً مضاعفاً، يعجز أمامه الإنسان عن إتمام كافة مسئولياته».
ويرى محمد هانى، استشارى الصحة النفسية، أن «التهرب من تحمل المسئولية» صفة سيئة يكتسبها الإنسان منذ صغره، حيث يلاقى الطفل نوعاً من أنواع التدليل من والديه، وبذلك تزداد رغبته فى الهروب من تحمل المسئولية، ويعتمد على من حوله ليقوموا هم بكافة المهام، بل يساهم الشخص غير متحمل المسئولية فى بث طاقة سلبية فى الأشخاص الذين يقومون بدورهم، حيث يحثهم على «تكبير الدماغ»، كما هو منتشر بين عموم المصريين. ويضيف «هانى»: «الشخص غير المسئول يجنح دائماً للتهرب من أخطائه ولا يعترف بها، لأنه لا يريد تحمل تبعاتها، ويبحث عن فرصته من خلال الفهلوة، حيث لا يرغب فى الكد أو التعب، وهو شخص يكون مهزوماً نفسياً فى الأساس، لدرجة أنه لا يسعى لتحقيق ذاته، وهو يريد أن تمضى الأيام جميعها دون تعلم أو تعب أو مثابرة، حتى عثراته لا يرغب فى إعادة النظر فيها ومعرفة أسبابها، فهو يتمتع بحالة تامة من اللامبالاة».