سينما الحى الشعبى.. 3 أفلام فى بروجرام واحد.. و20 مشاهداً فى حفلة بعد الظهر
«على بابا» حكت عنه الأسطورة الشعبية أنه رجل دخل مغارة «للحرامية» فخرج منها «بطلاً مؤزراً»، لأنه «سرق الحرامية» فصار هو بطلاً وظلوا هم «عصابة». لم يتغير الحال كثيراً فى تلك الصالة المغطاة التى حملت اسمه، وصار مرتادوها يحملون صفاته وأفعاله بدون أساطير تُنسج حولهم فتجعلهم أبطالاً، فى الحى الشعبى تمثل سينما «على بابا» معلماً مكانياً وتاريخياً مهماً لأهالى بولاق أبوالعلا والغرباء عنه، يحمل أصالة وأهمية فى الأذهان والروايات لكن «ياما فى الجراب يا حاوى».
فى قلب المبنى القديم ذى الطابقين، صالة واسعة حالكة الظلام، تتراص مقاعدها بطريقة قديمة، أمامها يجلس رجلان ويحيط بهما بوسترات لأفلام شعبية عرضت فى الفترة الأخيرة مثل «الألمانى»، و«عبده موتة»، و«ضى القمر»، و«فكك منى»، و«حصل خير». أحد الرجلين مختص بقطع تذاكر الدخول، والآخر مرشد زوار السينما إلى مقاعدهم. الصالة بابها حديدى يجلس بداخلها «راضى» أحد أبناء المنطقة، جاء خصيصاً لمشاهدة فيلم «عبده موتة»، الرجل الأربعينى يقول إنه يعمل «سمكرى» للسيارات، يعتبر السينما نزهته السهلة المتواضعة «الواحد بييجى يروق دماغه شوية ويستمتع ساعتين ويمشى»، السينما المعروفة شعبياً «على بابا» اسمها الرسمى «الكورسال الجديدة»، ينقسم عملها اليومى إلى فقرتى عرض؛ من 10 صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ومن 5 مساءً حتى 11 مساءً، حسب موظف قطع التذاكر، منذ دخول «راضى» الحفلة لم يثبت فى مقعد معين، بحجة أن الإضاءة غير مناسبة لرؤية الشاشة.[Quote_1]
الحضور القليل فى العرض يصلح معه وصف الصالة الواسعة بالفراغ، ريبة وترقب غير مبرر ينتاب الجميع، نظرات متبادلة، همس ولمز، وحركات قلقة بين الحاضرين، أناس يرصدون حركة كل زائر جديد، ظواهر غريبة تحدث داخل الصالة المغلقة، لا يتوقفون عن التنقل بين الكراسى، يتعمدون الجلوس بجوار أى «وجه جديد»، ومكالمات غامضة تحدث فى الموبايلات أثناء عرض الفيلم، الوجوه داخل الصالة لا تتغير مع تغير الحفلات، يبرر ذلك «راضى» بأن أغلب المشاهدين من أبناء المنطقة، ويضيف «هية بالنهار بتبقى فاضية، لكن فى الليل بتبقى زحمة خالص لأن الناس بتخلص مشاغلها»، قائلاً رأيه فيها بثناء، أنها رخيصة وشعبية ومناسبة لأبناء المنطقة «دى سينما قديمة واتعودنا عليها بعيد عن الزحمة بتاعة الأماكن الغالية».
«فخاخ» كثيرة يسقط فيها مرتادو سينما «على بابا» أو «الكورسال» داخل صالة العرض، تنصبها «شلة» أناس معينين لتحقيق أهداف بعينها، كل حسب رغبته، رجال فى العقد الرابع والخامس، وآخرون فى مبتدأ سن الشباب يدلفون إلى الصالة وسط العرض وينتثرون بين أرجائها، مظاهرهم متواضعة وملابسهم غير متناسقة، شاب عشرينى يضع «كوفية» حول رقبته، يحرص على الجلوس فى آخر صفوف الكراسى من الخلف عند مدخل الصالة، يقلب عينيه فى كل «زبون» داخل إلى الصالة، حركات وأصوات لا يفهمها إلا أصحابها، يهز برجله مقعداً أمامه ويهمس بكلمات غير مفهومة، يعلق راضى السمكرى بأنها «شقاوة شباب اليومين دول»، رجل خمسينى العمر يرتدى «تى شيرت» شبابياً لا يطيق الجلوس فى مكان لمدة دقيقتين كاملتين، ريبته لا تتوقف، ورحلة تنقله بجوار الجالسين تنتهى بانضمامه لأصدقائه فى مقدمة الصفوف، يجلسون متلاصقين ومتحدثين بأصوات جهورية فى موضوعات غير مفهومة.
الركن المخصص للعائلات خالٍ تماماً من الأسر والسيدات، الموجودون لا يتجاوز عددهم عشرين مشاهداً تصنيفهم «ذكورى 100%»، فى صالة العرض يبدو جلياً انشغالهم بتحقيق أغراضهم عن متابعة الفيلم المعروض، «فيزا» الدخول إلى سينما «على بابا» ليس ثمن التذكرة البالغ 15 جنيهاً، ولكن النيل من السمعة والأمان، خاصة ما يصدر من مراقبة دؤوبة من الزبائن الدائمين للوجوه الحديثة القادمة إلى السينما لا تعرف مصيرها، «ما خفى كان أعظم»؛ فلسان حال سينما «على بابا» يؤكد ما ترويه الحكايات القديمة، ويضيف إلى اسم الشخصية الأسطورية «اتهاماً» جديداً يتعلق بالذمة الأخلاقية بفضل سلوكيات زبائنها.
أخبار متعلقة:
بولاق «السلطان» أبوالعلا
«ماسبيرو».. من هنا انطلقت الثورة ..وتوابعها
"من بره هالله هالله": المبانى الراقية.. حزام يخنق أهالى بولاق
كوبرى أبوالعلا .. "تفكيك" بعد 80 سنة "خدمة"
«سوق قطع غيار السيارات».. من هنا يبدأ حلم «عبد الغفور البرعى»
عشوائيات وأنقاض ومبان متهالكة وحكومة لا تتحرك أبداً .. المنطقة كلها آيلة للسقوط
سيدى أحمد أبوالعلا .. سلطان المتصوفين وحامى حمى بولاق
«إسطبل الملك» .."متحف للمركبات الملكية" بـ"فرمان الخديو"
للفقير في مصر رب يحميه.. ووكالة البلح تكسيه
مثلث "ماسبيرو" :النيل أمامكم ..والأبراج خلفكم.. والسكان تحت أقدامكم