البرامج الاقتصادية تغيب عن ساحات الفضائيات فى زمن القرارات الصعبة
الحكومة يجب عليها أن تقدم حق المعرفة للمواطن
اتخذت الحكومة مؤخراً حزمة من القرارات الاقتصادية، تمثلت فى زيادة أسعار الوقود والكهرباء، وهو ما أثار جدلاً واسعاً على شاشات الفضائيات ومواقع السوشيال ميديا، حول جدوى تلك الإجراءات فى دفع عجلة الاقتصاد الوطنى والخروج من مأزق التضخم وارتفاع الأسعار، الأمر الذى أثار تساؤلات عن افتقار الإعلام للبرامج الاقتصادية المتخصصة، التى من شأنها شرح وتبسيط رؤية الدولة للمواطنين.
«الوطن» تحدثت مع عدد من خبراء الإعلام ومسئولى القنوات الفضائية، عن سر اختفاء البرامج الاقتصادية على شاشات التليفزيون، والبداية مع محمود التميمى، مدير البرامج بشبكة قنوات dmc، الذى أكد أن برامج «التوك شو» شغلت حيز البرامج المتخصصة بشكل عام.
وأوضح التميمى أن برامج «التوك شو» تجلب إعلانات كثيرة للقنوات، ويديرها مجموعة من المذيعين المرموقين، الذين يطرحون فى برامجهم مختلف الموضوعات، مؤكداً أنهم يضيعون الفرصة على أى برنامج متخصص أن يناقش موضوعاته بعمق ودقة، نظراً لأن البرنامج الرئيسى للمحطة يعتبر نفسه مجلة تليفزيونية متنوعة، تجعل أصحاب القنوات لا يفكرون فى طرح برامج متخصصة، وأضاف: «بعض القنوات تقدم البرامج الاقتصادية فى قوالب مملة وعتيقة، وغير جاذبة للمشاهد، فنحن لدينا مشكلة فى (الصنعة التليفزيونية)، وهو ما يخلق صورة ذهنية عند الجمهور، بأن تلك البرامج مقدمة للمتخصصين فى الاقتصاد، أو مجرد حشو لملء وقت القناة، فلو نظرنا بشكل عام إلى ما يقدم فى الإعلام المصرى، سنجد أن بعض الإعلاميين لديهم خلفية اقتصادية جيدة مثل لميس الحديدى، ولكن ليس المطلوب أن يكون المذيع خبيراً اقتصادياً لكى يقدم برنامجاً ناجحاً، فيكفى اطلاعه على الموضوع الذى يناقشه على الهواء، فالإعلام المصرى فى المجالات كافة ينقصه التدقيق والفهم والوعى، وهذه أزمة عامة تعانى منها الميديا التى باتت تتجه للموضوعات الجاذبة للإعلانات والمشاهدة، فيغلب عليها المواد الترفيهية»، وطالب التميمى الإعلام المصرى بالخروج من دائرة الإعلانات ونسب المشاهدة المغلقة، والبحث عن دور توعوى فى إطار الرسالة الإعلامية لأى قناة، «شبكة قنوات dmc لديها خطط كثيرة لبرامج متنوعة، فى جميع المجالات تتزامن مع انطلاق بقية قنوات الشبكة، بهدف المساهمة فى تشكيل وعى المشاهد، فغياب البرامج الاقتصادية ترك أثراً سيئاً على وعى الجمهور المستهدف، فالإعلام تم تحويله إلى تجارة وسلعة فقط».
إلهام أبوالفتح: نحتاج لإعلاميين متخصصين فى الاقتصاد.. وجمال الشناوى: نواجه صعوبة فى استضافة المسئولين
من جانبها، قالت إلهام أبوالفتح، رئيسة قنوات صدى البلد لـ«الوطن»: «الإعلام المصرى لا يوجد لديه برامج معنية بالموضوعات الاقتصادية بشكل كافٍ، ونحن فى حاجة إلى مثل هذه البرامج المتخصصة، لتبسيط مفردات الاقتصاد للمشاهد، دون طرح التفاصيل الموجودة فى الكتب، التى لا يفهمها سوى المشاهد المتخصص، خصوصاً أن المتخصصين فى تبسيط قواعد الاقتصاد أصبحوا عملة نادرة، فغير المتخصص حين يقحم نفسه فى تقديم برنامج اقتصادى، ربما يقدم معلومات خاطئة تؤثر سلبياً، بشكل يفوق عدم التطرق للموضوع نهائياً»، وتابعت: «شبكة صدى البلد فكرت مراراً فى تقديم هذه النوعية من البرامج، لكن واجهتها مشكلة فى العناصر البشرية القادرة على تبسيط أمور الاقتصاد، وتقديمه إعلامياً بشكل مبسط للمشاهد حتى يتفاعل معها، فلا نجد المذيع الموهوب، أو المعد المتميز الذى يستطيع أن يحل هذه المعادلة، ويحول الاقتصاد بشقيه الكلى والجزئى والدخل وخلافه من مصطلحات معقدة إلى مواد بسيطة تصلح لكل الناس، ورجال الاقتصاد علماء فى مجالهم، لكنهم لا يمتلكون اللغة المناسبة لمخاطبة رجل الشارع، وأعتقد أننا نحتاج إلى أقسام الاقتصاد فى كليات الإعلام، لتخريج مذيعين ومعدين متخصصين، أما محررو الاقتصاد فى الصحف المختلفة، فيقومون بنشر أخبار الاقتصاد دون شرح مبسط للقراء، فهم أيضاً غير مؤهلين لتقديم برنامج اقتصادى ناجح».
وأشار جمال الشناوى، رئيس تحرير قنوات on tv، إلى أن الشبكة تقدم برنامجاً خدمياً بعنوان «أسواق وأعمال» يذاع 5 مرات فى الأسبوع، إلى جانب نشرة اقتصادية تبرز أحوال البورصة يومياً، «لو كان هناك قضايا اقتصادية ملحة نناقشها فى البرامج المختلفة، على الشبكة مثل (صباح أون) وغيرها من برامج (التوك شو)، لتوضيح الرؤية للرأى العام».
«عبدالعزيز»: الحكومة تعتمد على اللجان الإلكترونية «العالم»: البرامج التى تمس المواطن تتمتع بمشاهدة عالية
وبحسب الشناوى: «تواجهنا بعض المشكلات فى تلك البرامج، تتعلق بتقصير الحكومة التى لا تقدم شرحاً واضحاً للقرارات التى تتخذها، كما نواجه صعوبة فى الحصول على المعلومة الدقيقة من المسئولين، وقد تبذل الحكومة جهوداً محمودة، لكنها تفتقر إلى الطرق الجيدة فى عرضها، فمعظم وزارات المجموعة الاقتصادية لديها أزمة فى عرض مجهودهم على الرأى العام، فالجهاز الإعلامى للحكومة لا يقوم بدوره»، وتابع «نواجه صعوبة فى إقناع المسئول بالظهور على البرامج لمخاطبة الرأى العام مباشرة، فلو أن الحكومة تنتج مواد إعلامية خاصة، فسيحقق ذلك إثراء لجميع البرامج وليس الاقتصادية فقط، المسئول الإعلامى ينقصه الكفاءة المطلوبة، وفى الخارج كل مسئول يعقد مؤتمراً صحفياً بشكل دورى أسبوعى أو شهرى، ليتحدث للرأى العام من خلال الإعلام، وفى النهاية ليس لدينا معلومة، فكل برنامج يعمل وفقاً لاجتهاده، لأن الحكومة ليس لديها أجهزة إعلامية قوية».
ومن ناحية أخرى، قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن الحكومة عليها أن تقدم معلومات عن برنامجها الاقتصادى، الذى يمس حياة المواطنين فى الحاضر والمستقبل، كى تكون متاحة أمام الإعلام فى البرامج التى تخاطب الرأى العام، «هذا حق المواطن، ليس لدينا إلا تصريحات اقتصادية دعائية من الحكومة»، ونفى العالم ما يشاع عن جفاف البرامج الاقتصادية وعدم جاذبيتها، «البرامج التى تمس حياة الناس مشاهدتها عالية جداً، خصوصاً التى تقدم مضمونها بشكل متعدد الأبعاد، وعلى الإعلام أن يعرض القرارات الاقتصادية وأبعادها على الرأى العام، عن طريق إتاحة الفرصة للمسئولين عن تلك القرارات، لتحقيق قدر معقول من الشفافية».
وأكد الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز، أن الحكومة بذلت بعض الجهود من أجل تسويق قراراتها الاقتصادية الأخيرة، من خلال حملات دعائية على شاشات بعض الشبكات التليفزيونية، حيث شرحت ملابسات رفع أسعار الوقود وتأثيرها على المواطن، فى مدة لم تزد على ثلاث دقائق ونصف، متابعاً «يبدو أن الحكومة لديها عدد كبير من اللجان الإلكترونية الفعالة، التى تقوم بالعمل على مواقع التواصل الاجتماعى، فى محاولة لتوضيح جوانب معينة فى قراراتها»، واستطرد: «لكن يبدو أن جهود الحكومة غير كافية، ولم تنجح فى تفهم الجمهور لقراراتها بشكل كافٍ لأسباب عدة، تنحصر فى صعوبة تلك القرارات، والحالة الاقتصادية التى يعيشها الجمهور، كما أن تلك الإجراءات جاءت فى سياق حزمة من الممارسات السياسية والاقتصادية غير المقبولة شعبياً، إلى جانب أن الحملات الدعائية لم تكن بالجودة أو الكثافة الكافية، بالإضافة إلى أن الحكومة وقعت فى خطأ كبير، يظهر فى غياب المصادر الحكومية التى لم تمتلك الجرأة، أو القدرة على مواجهة الجمهور لشرح أبعاد القرار، فصاحب المصلحة أو المسئول كان غائباً، وظهر بدلاً منه حملات دعائية ولجان إلكترونية، أظهرت بعض أنماط الموالاة غير المدروسة فى مواقع (السوشيال ميديا)، ما جلب المزيد من الغضب على القرار وصُناعه»، وأردف: «مشكلة الإعلام المصرى تكمن فى أنه صوت واحد لا يتحلى بالتعددية الواجبة والكفاءة المهنية، إلى جانب أن الميديا لا تقوم بالدور المنتظر منها».