انقسام بين المبدعين حول «لجنة الدراما».. والمعارضون: محاولة لتقييد الحريات
«يسرا» تحتفل ببدء تصوير مسلسل «بنى يوسف»
واقع جديد فرض سيطرته على الساحة الدرامية التى سلكت منحى جديداً فى الفترات الماضية، بعدما أصبحت الأكثر مشاهدة ومتابعة بفضل عودة النجوم وصناع السينما إلى الشاشة الفضية، فأصبحت أكثر انفتاحاً فى مناقشة موضوعات كانت تعد «تابوهات» محرمة فى أوقات سابقة، بغية تقديم واقع المجتمع كما هو دون تجميل، الأمر الذى رفضه قطاع من الجمهور، وعدد من صناع الدراما المتمسكين بمدرستها القديمة فى تناول المجتمع.
كل ما سبق دفع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى تأسيس لجنة الدراما برئاسة المخرج محمد فاضل، لتتولى متابعة الأعمال الدرامية، وتأخذ على نفسها عهداً بـ«عدم تكرار الأخطاء التى وقعت فيها الدراما المصرية فى الأعوام السابقة»، وفقاً لبيان أحمد سليم، الأمين العام للمجلس، نافياً أن يكون عملها بمثابة رقابة جديدة تفرض سطوتها على المبدعين، بخلاف دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وما بين مؤيد ومعارض تباينت ردود فعل صناع الدراما حول اللجنة، فهناك من اعتبرها خطوة لتلاشى سلبيات الدراما التليفزيونية، وآخرون يرونها محاولة لتكبيل حرية المبدعين وفرض قيود جديدة على أعمالهم.
«رجاء»: نطالبها بالتركيز على النواحى الفنية وليس الأخلاقية.. ونحن لم نختبرها حتى الآن.. و«محرم»: لن تقوم بدور الرقابة.. والجمهور اشتكى من الابتذال
وطالب السيناريست محمد رجاء لجنة الدراما بالتركيز على النواحى الفنية وليس الأخلاقية: «فتوصى بتنفيذ مسلسلات لأنها قوية يجب تقديمها، فهناك مسلسلات كثيرة غير فنية ولا ترقى إلى مستوى المشاهدة، ولا يستطيع الجمهور مشاهدتها سوى مرة واحدة، وبعد ذلك تنسى نهائياً، وأتمنى أن تعمل اللجنة على تشجيع وتقديم أعمال على مستوى الأعمال نفسها التى قدمها أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوى، وما يشبهما من الأعمال المهمة».
وأضاف رجاء لـ«الوطن»: «لا أعرف تحديداً آليات عمل اللجنة فنحن لم نختبرها حتى الآن، نحن فى حاجة إلى مسلسلات قوية تعيش وتحمل موضوعاً، فلو ستناقش تلك اللجنة الأعمال من حيث قيمتها، أوافق على وجودها، لكن إذا تطرقت إلى مدى أخلاقية العمل من عدمه، لا أعتقد أنها ستقدم الشىء الذى نبحثه عنه فى الوقت الحالى سواء من أعضاء اللجنة أو من العاملين فى الدراما، فجميعنا يهدف إلى تقديم فن جيد يحمل قيمة، مع اختلاف وجهات النظر لفكرة تلك القيمة».
ومن جانبه، قال الكاتب مصطفى محرم: «اللجنة لا تقوم بدور الرقابة، وسبق وتناقشت مع رئيسها المخرج محمد فاضل فى تشكيلها، فهو تقويم للدراما وليس رقابة عليها، على سبيل المثال تقدم توصيات للأعمال الضعيفة من خلال ملاحظات بناءة، بالإضافة إلى تنقية الدراما من الألفاظ والعنف الشديد بشكل فنى، ولذلك هى تضم عدداً من المبدعين مثل محمد فاضل وعبدالرحيم كمال، والناقدة خيرية البشلاوى، فهؤلاء ليسوا رقباء، فالرقابة تقوم على المنع والإجازة وهذا الأمر ليس فى سلطة اللجنة».
«صالح»: الإسفاف الذى شاهدناه مؤخراً يتطلب وجودها وأقف فى صف كل شىء ينتصر للجودة والقيمة والرسالة.. و«شفيق»: نؤيد كل ما يصب فى صالح الحفاظ على الذوق العام.. و«عاطف»: معظم أعضائها ينتمون لمهن أخرى.. ولا أتوقع تأثيراً إيجابياً لها على الأعمال الفنية و«عبدالعزيز»: المبدع لديه رقيب على عمله.. و«الفضائيات» بها رقابة داخلية على المسلسلات
وتابع محرم لـ«الوطن»: «الدراما فى الفترة الأخيرة تحتاج إلى جهود كبيرة تتجاوز عمل لجنة الدراما، وعدد كبير من الأعمال تحتاج إلى بتر، ما يحدث للدراما التليفزيونية الآن نوع من الانهيار والابتذال، والجمهور بالفعل اشتكى من المسلسلات المقدمة بدليل أنه يبحث عن الأعمال القديمة ليعيد مشاهدتها».
وقال المخرج حسنى صالح إن «اللجنة ليس من دورها أعمال القيد، لكن الإسفاف الذى أصاب الدراما فى الفترة الأخيرة يتطلب منها ذلك، فنحن فى حاجة إلى شىء من الرقابة والمتابعة، ومن المنطقى استبعاد الأعمال السيئة التى تسىء إلى الوطن بأكمله وليست للدراما أو صناع العمل فقط، أنا فى صف كل شىء يشجع وينتصر للانتقاء والجودة والقيمة والرسالة دون شك، وحتى يتم ذلك نحن فى حاجة إلى متخصصين سواء مخرجون أو نقاد ومؤلفون فى هذا الشأن».
وأضاف صالح لـ«الوطن»: «يجب أن يقوم عمل اللجنة على أسس علمية مدروسة وموضوعية شديدة، ففى الفترة الأخيرة كان هناك أعمال لا ترتقى لوصفها بالفن، بسبب اعتماد بعضها على الاستسهال والموضوعات الخارجة عن نطاق أصولنا وطباعنا وتقاليدنا، حيث تقوم بتمصيرها وهو ما يطلق عليه (فورمات)، فهويتنا لم تضيع إلى تلك الدرجة، أعمال الأدب العالمى نقدمها على مدار تاريخنا ودائماً تكون قريبة من البذور الشرقية، والموضوعات الإنسانية التى تتماشى مع مختلف ثقافاتنا، فلا يجب التعامل مع المخدرات والحياة بين الرجل والمرأة دون زواج، وغيرهما من السلوكيات الأخلاقية غير المقبولة على أنها أمور طبيعية فى المجتمع، يشب عليها الجيل الجديد، وأعتبر ذلك كارثة كبرى».
ويرى المخرج أحمد شفيق أن كل ما يصب فى صالح الحفاظ على الذوق العام والأخلاق والآداب العامة أمر مقبول ومفيد، للدراما وللمجتمع، متابعاً: «صناع الدراما بشكل عام والاجتماعية على وجه الخصوص، لا يريدون الإساءة إلى الذوق العام، وبالتالى وجود اللجنة صحى، ولكن بشرط أن تكون لها آليات عمل محددة، وفقاً لشكل فنى وموضوعى واضح المعايير، وألا يكون وراءها أى أغراض أخرى»، وأضاف شفيق لـ«الوطن»: «لا يمكن التعامل مع اللجنة باعتبار عملها تقويضاً لحرية المبدعين، فلا يمكن اعتبار من يمشى عارياً فى الطرقات حراً، وانزعاج الناس من مظهره تقويضاً لحريته، ولكن منع تصرفاته يعد حفاظاً على حرية الناس، وبالقياس بما يحدث فى الدراما، بعض الأعمال تعرض موضوعات أو معالجات غير مناسبة للجمهور المتلقى، فهو لا يعلم ما تحتويه اللحظة المقبلة من العمل، وقد يفاجأ بمشهد قد يضطره إلى تغيير القناة، أو قد يشاهدها أطفاله دون أن يستطيع منعهم».
وفى السياق ذاته، قال السيناريست عمرو سمير عاطف: «جهاز الرقابة على المصنفات الفنية هو الجهة الوحيدة المنوط به تقييم السيناريوهات والأعمال الفنية، إذاً فلماذا تأتى لجنة لمتابعة وتقييم الدراما؟ هذا أمر غريب لم نره فى أى بلد آخر إطلاقاً، ويدل ذلك على أننا نتراجع إلى الوراء، فمعظم أعضاء اللجنة ينتمون لأجيال ومهن أخرى، أو صناع دراما يعملون بطرق مختلفة ونطلب منهم تقييم الدراما المقدمة حالياً، وهو ما أشبه بقيام الماضى بـ(كلبشة) المستقبل، فدائماً يتم وضع عراقيل أمام الجيل الجديد، ويتم رفض أى شىء مغاير عما يؤمنون به، وهو ما يتسبب فى حالة من الجمود، والمصادرة على من يرغبون فى تقديم أفكار جديدة قد لا يستوعب أبعادها أعضاء اللجنة».
وأضاف «عاطف»: «لم أواجه مشكلات مع الرقابة، ولكن نحن نتحدث عن وضع عام، قد تكون فى ظاهرها رقابة على المحتوى من مشاهد أو ألفاظ ولكنها فى حقيقتها قد تكون رقابة على الأفكار والمواقف السياسية، لا أريد استباق الأحداث، قد يكون وجود كاتب مثل عبدالرحيم كمال فى اللجنة، يضمن لها نوعاً من الاعتدال فى القرارات أو المواقف التى تتخذها»، وتابع: «يمكن تقييم الأعمال الفنية من مختلف النواحى حتى الأخلاقية منها، ولكن لا يمكن فرض تقييمى على الأعمال، لأنها نتاج عمل فريق تخرج من معاهد السينما، وحصلوا على كارنيهات من النقابات الفنية لمزاولة المهنة، وليس من المنطقى أن تكون هناك لجان لمراقبتهم، وكان من باب أولى عدم السماح لهم بممارسة المهنة من الأساس، فهناك حالة من الرقابة مبالغ فيها، ولا أعتقد أن اللجنة سيكون لها أى تأثير إيجابى على الأعمال الفنية فى مصر».
بينما يرى المخرج سامح عبدالعزيز أن المبدع لديه رقيب داخلى على عمله، متابعاً: «طوال الوقت أضع ضميرى أمامى كرقيب، وهو الأساس بالنسبة للمبدع، بما يناسب المجتمع الذى نعيش فيه وعاداته وتقاليده، وهو ليس أمراً جديداً، وفى الوقت الحالى الذى يحاول صناع الأعمال طرح الموضوعات خلال أعمالهم بحرية، القنوات الفضائية أصبح بها رقابة داخلية على المسلسلات، بخلاف عمل جهاز الرقابة على المصنفات، ومن بعده لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى للإعلام».