م الآخر| علاج الشرطة.. "فخفخينا"
المشهد الأول
المكان: أنحاء متفرقة من البلاد.
الحدث: تفجيرات.
رد الفعل: أنباء متضاربة عن أعداد القتلى والمصابين، وترقب وقلق وحزن شديد على وجوه المصريين.
المشهد الثاني:
المكان: من داخل الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة مختلف على نسبها، فهناك من ينسبها للثورات، وهناك من ينسبها للمؤامرات، وبنظرة عامة على هذا المشهد رأيت فرحة عارمة تغطى المكان، أعلام ولافتات مؤيدة وأخرى كوميدية، ألعاب نارية وغناء ورقص، أصوات متداخلة وأفعال أخرى شبيهة بأفعال الموالد.
فقلت في نفسي.. بالأمس كنا ندين مرتكبي التفجيرات ونلعنهم ونتوعدهم، واليوم نحتفل!.. بماذا نحتفل؟ هل نسينا الواقع المرير الذي عشناه ومازلنا نعيشه؟ ما هذا العبث؟ ما هذه الازدواجية؟ بل ما هي دوافع ومعايير هذه الفرحة؟.
عندما اقتربت من الحشد لأتفحص الوجوه، رأيت أن حزنًا غريبًا يعتلي هذه الوجوه، حزنًا لا يتوافق مع مظاهر الابتهاج، فقلت في نفسي إنه مشهد غريب، أبدان تتراقص كرقصة الذبيح ولكن في كبرياء، قلوب بها غصة ولكن الشجاعة كانت هي السيدة، تعانقت الأفراح والأطراح فخلقت مشهدًا غير مألوف ولكنه غاية في الإبداع، أو هكذا تمنيت أن أرى.
المشهد الثالث:
المكان: على الجانب الآخر وفي ذات التوقيت.. رأيت حالة لا توصف إلا بحرب استنزاف شرسة لجماعة من البربر المارقين، يملؤهم الثأر ويسكنهم الحقد، وجوههم متجهمة لا يعرفون الهوادة ولا الرحمة أو حتى الخجل.
المشهد الرابع:
التوقيت: مشهد يومي متكرر.. فوضى وعنف، كر وفر في أماكن متفرقة من البلاد.
وإذا ما وضعنا المشاهد الأربعة في كادر واحد، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو أننا أمام سيناريو عبثي شارك فيه المؤيدون "عن غير قصد"، والمعارضون "عمدًا"، أما الدولة فهي الشريك الأكبر أو الراعي الرسمي لهذه الأحداث ولكن بلا حيلة.
إذن نحن أمام مشهد خامس أفرزته المشاهد الأربعة السابقة، ولكنه هذه المرة مشهد ملتبس، والبطل هو جهاز الشرطة الذي يعمل بالقطعة، يتحرك بعد الحدث ثم يقبض على بعض مرتكبيه، ثم تقوم النيابة بإخلاء السبيل لعدم كفاية الأدلة، ضابط يطبطب، والآخر يظبط، جنود ترابط في معسكراتها للحماية ومع ذلك يحدث التفجير، كر وفر ومقاومة عشوائية.. وفي النهاية، سيناريو متكرر لا يبدو أنه سينتهى قريبًا، والمحصلة دولة يتم استنزافها ولا توجد حلول.
المشهد الأخير: إجبار، ويتلخص في كلمة الصرامة.. فيجب إفساح المجال لجهاز الشرطة ليكشر عن أنيابه (وكفاية طبطبة)، فإن أخفق تتم محاسبة المسؤولين بشرط أن يعمل بنظرية شبيهة بالكوكتيل (فخفخينا يعني)، بحيث تكون مكونات هذا الكوكتيل: (تطبيق القانون، إتباع المنهج العلمي، وإن لزم الأمر يتم الضرب ع القفا)، ولا أحد يحدثني عن حقوق الإنسان، فالبلد يتم استنزافه يوميًا، وفي النهاية كلنا خاسرون.
فمنذ الحادي عشر من فبراير 2011 ونحن نتغنى بالحرية ليل نهار، وعلى الرغم من أنها مستوردة من الغرب، إلا أننا نتعامل معها (على الدواق)، ولم نأخذها بأدواتها وضوابطها كما يفعل أصحابها في الغرب، وللأسف كل ما أخذناه منها هو ما وافق هوانا، وتركنا ما يوافق مصلحة الوطن.. هل تتذكرون مقولة رئيس وزراء أعرق الدول اليى احترمت الحريات في العالم، والتي قال فيها "عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لبريطانيا فلا تحدثني عن حقوق الإنسان".