الإرهاب «القط» الذى تحول إلى «ديناصور»
على بُعد أمتار من قصر الاتحادية، كان يعيش فى رغد الحياة وسط أسرة تنتمى إلى مستوى اجتماعى عالٍ، وداخل أروقة منزل يطل على أحد أرقى ميادين العاصمة. عشرون عاماً ويزيد، قضاها منعمّاً بين طفولة سعيدة، تلتها دراسة حديثة على الطريقة الفرنسية بمدرسة «ليسيه الحرية» فى مرحلة الصبا، ثم هوس بـ«مزيكا الراب» الأمريكية فى مرحلة ما قبل العشرين، وتردد لا ينقطع على صالات الجيم، لينحت فيها جسده؛ حتى صار مفتولاً.. لا فقراً عرف، ولا جوعاً ذاق، ولا تقشفاً عانى، حتى دقت ساعة 2014، العام الذى شهد تغيُّراً دراماتيكياً فى حياة إسلام يكن «الشاب الروش» المُرفه، الجذاب، الحاصل على مؤهل تعليمى عالٍ، الذى تحوّل دون سابق إنذار إلى أبى سلمة بن يكن «الداعشى» الذى يفتخر بجز الرؤوس، بعد أن انتقل من حى مصر الجديدة إلى معاقل الدولة الإسلامية فى سوريا، ليصبح «دارس القانون» أحد جنود التنظيم الإرهابى.
قصة «إسلام» الذى كان يعيش فى مصر شاباً طبيعياً مثل كثيرين غيره، أو «أبى سلمة» الذى قضى عامه الأخير فى صفوف الإرهاب حتى مات فى عملية انتحارية تحت راية سوداء تشير إلى دولة الخلافة، ليست قصة درامية فى عمل سينمائى أجاد المؤلف حبكته، لكنها دراما الواقع الأكثر خيالاً من دراما الروايات، حقيقة خرجت من واقع تغيّر تماماً، لتعبر بدورها عن ظاهرة تغيّرت هى أيضاً، وتطورت، وازدادت قوتها، وتنامى خطرها، ظاهرة الإرهاب الذى كان يلاحق الدول فى عقود ماضية، ثم عاد يلاحق الدول فى عقدنا الحالى.
«الوطن» ترصد رحلة الـ30 عاماً التى تحول فيها «القط المُطارد» إلى «ديناصور عملاق» يعيث فى الأرض فساداً، رحلة شهدت تغييرات كبيرة على مستوى الثراء والتسليح والخطط والأهداف والدوافع الدينية السياسية والنفسية، اندثر معها نموذج «إرهاب التسعينات» الذى عانت منه مصر، وتصاعد نموذج «الإرهاب الجديد» الذى يعانى منه العالم بأسره.
خلايا متناثرة، فقراء عناصرها، يلجأ أحدهم إلى بيع أثاث منزله لشراء قطعة سلاح يسيل بها دماء أخيه تقرباً إلى الله، ويلجأ آخر لبيع ذهب زوجته، ويلجأ ثالث إلى السرقة وهماً منه بالاستناد إلى القاعدة الفقهية: «الضرورات تبيح المحظورات». مرحلة أولى من الإرهاب لم تعد الآن، بعد أن أمطرت السماء أموالها فى الأعوام الأخيرة على التنظيمات الإرهابية، وصار مشروع تأسيس تنظيم أشبه بتأسيس شركة للاستثمار، وكطريق للدخول إلى «عالم البيزنس».[FirstQuote]
نبيل نعيم، أحد مؤسسى تنظيم الجهاد سابقاً، أكد أن «العنصر المالى» أهم محاور تطور الإرهاب خلال الثلاثين عاماً الماضية، وتحول خلايا العنف الصغيرة التى كانت لا تشكل تهديداً حقيقياً على وجود الدولة ومؤسساتها، إلى جماعات كبيرة لديها جيش منظم من العناصر القتالية والمدربة، وميزانيات مالية ضخمة تستخدمها فى التجنيد وضمان الولاء والتسليح المتقدم وتنفيذ العمليات الضخمة، فضلاً عن رعاية عناصرها وتيسير الحياة المعيشية لهم، الأمر الذى يعكس التحول الأهم للإرهاب الذى حدث فى الأعوام الخمسة الأخيرة، وهو تحول تلك «الجماعات» إلى ما يشبه «الدول»: «الإرهابى فى التسعينات كان ممكن يبيع بيته أو ذهب زوجته، علشان يشترى حتة سلاح ويهاجم أى ملهى ليلى، أو يحاول اغتيال شخص يعتقد أنه كافر ويحارب الدين، لكن الآن صار الأمر مختلفاً وأكثر خطورة، وبعض الجماعات الإرهابية مثل (داعش) لديها ميزانيات مالية تفوق ميزانيات بعض الدول»، مستطرداً فى سخرية تعكس المفارقة: «الواد التكفيرى زمان كان شحات مش لاقى ياكل، ويصبّر نفسه بالجنة والملذات وحور العين، لكن دلوقتى ممكن يجمع ثروة ويعيش فى وضع أفضل من اللى عايشه، بمجرد إعلان البيعة للأمير والانضمام إلى صفوف المقاتلين».
ثراء الجماعات الإرهابية، أرجعه «نعيم» إلى 3 مصادر مختلفة: «تمويلات تأتى من أجهزة مخابرات خارجية، على رأسها المخابرات الأمريكية، وهذا أسلوب اعتادته إدارة واشنطن، باختلاف الرؤساء منذ وقت طويل، وهو دعم جماعة دينية من المتشددين للقيام بتحركات معينة تخدم فى النهاية المصالح الأمريكية، ثم تنقلب أمريكا على تلك الجماعة وتحاربها، بعد أن تنتهى المصلحة ويتحقق المخطط، وحدث ذلك عندما حاربت (القاعدة) الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان بسلاح أمريكى، ثم بعد سقوط السوفيت، بدأ العداء بين أمريكا و(القاعدة)، والتهديدات بين الطرفين، وصولاً إلى تصفية (بن لادن)، زعيم (القاعدة)، عقب أحداث 11 سبتمبر 2003».
القيادى الجهادى السابق أكد أن الأمر تكرر مع معظم التنظيمات الجهادية، لا سيما «داعش» التنظيم الذى يلعب أدواراً تخدم السياسات الأمريكية فى المنطقة، حسب قوله، لتحقيق ما يسمى بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».
وإلى جانب «التمويل الخارجى»، أشار «نعيم» إلى «التمويل الداخلى»، قائلاً إن بعض قوى الإرهاب لديها علاقات خفية مع أنظمة داخلية فى المنطقة، لخدمة مصالح مشتركة، وتجرى مشاورات مستمرة وصفقات على أعلى مستوى من خلال وسطاء، بعيداً عن الكاميرات والصحف: «إيران وقطر وتركيا، لا شك أنها تتعامل مع تنظيمات مسلحة فى الدول التى تمر بأزمات، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، بهدف فرض واقع سياسى جديد وحماية مصالحها وخدمة أهدافها».
المصدر الثالث لحالة الثراء التى ينعم بها «إرهاب 2015»، أوضح «نعيم» أنه يرجع إلى «الغنائم» -حسب المسمى الفقهى- التى تحصدها تلك الجماعات، مع تساقط الأنظمة وتفكك سلطات الدول وتمدُّد الجماعة فى الأرض الخلاء: «فى دول الخريف العربى، استولى المسلحون التكفيريون على أموال فى البنوك والشركات التى تقع داخل الأراضى التى سيطروا عليها، إضافة إلى آبار بترول وغاز يقومون ببيعها بأسعار أقل، وبالتالى يجدون حكومات تتعامل معهم فى الخفاء».
«بيت مال» التنظيمات الإرهابية الذى انتعش بتدفقات من الخارج والداخل وأعمال نهب وسلب، واكبها قدماً بقدم، انتعاش على مستوى التسليح لتلك التنظيمات الذى تطور فى آخر 4 أعوام بصورة هائلة، «تسليح الإرهاب فى التسعينات كان عبارة عن قنابل بدائية الصنع وأسلحة خفيفة، وبالتالى نوعية العمليات تركزت فى تفجير أو اغتيال أو سرقة وترويع، واستطاعت الشرطة المدنية السيطرة عليها خلال عدة سنوات، أما الآن فالتسليح ارتفع إلى مستوى الأسلحة الثقيلة، سواء قذائف هاون وآر بى جى ومدافع محمولة وصواريخ متوسطة المدى ومواد شديدة الانفجار، الأمر الذى جعل من تدخل القوات المسلحة لمكافحة هذا النوع من الإرهاب الخطير ضرورة لا غنى عنها»، قال اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجى، مشيراً إلى أن العصابات فى الوقت الحالى اقتربت فى تسليحها إلى مستوى الجيوش، لكنها لا تزال تفتقد أسلحة مهمة، مثل الطائرات والدبابات وصواريخ الدفاع الجوى، «صحيح مستوى التسليح خطير جد، لكن إذا تحدثنا عن حالة مصر، فالجماعات الموجودة فى سيناء لا تساوى شيئاً، مقارنة بقوة وكفاءة جيشنا».[SecondQuote]
الأحداث الدامية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط من حروب ومواجهات مسلحة بين تنظيمات إرهابية وبعضها، أو فى مواجهة أنظمة حاكمة، لا تنفصل عن الرغبة فى تنشيط تجارة السلاح التى أصبحت واحدة من أهم ركائز الاقتصاد العالمى الجديد ومصدر دخل لعدد من الدول الكبرى المصنّعة للسلاح. «مسلم» أضاف أن التسليح المتجدّد للجماعات الإرهابية يمثل جزءاً من «لعبة» سوق السلاح العالمية، لا سيما أن تسليح تلك الجماعات يجبر الدول لرفع مستوى تسليح جيوشها، وتستمر المواجهات بين الطرفين، فيما تنتقل عوائد الربح إلى «خزائن» الأطراف الخارجية صاحبة المصلحة.
عوامل عديدة ترتبت على «الثراء المالى» و«التطور العسكرى»، زادت من الفجوة بين الإرهاب القديم و«موضة» الإرهاب الجديد، منها التقدم فى استخدام التكنولوجيا الحديثة، سواء فى تخطيط وتنفيذ العمليات أو الترويج لها بمنتج إعلامى عالى الجودة، والتواصل مع العالم حتى مع تكفيره والدعوة لقتاله، بعد عقود من الانغلاق عنه، عبر مواقع التواصل الاجتماعى وصحف ومواقع إلكترونية بلغات مختلفة، الأمر الذى أدى إلى اتساع أكثر من دائرة تستهدفها التنظيمات الإرهابية، «دائرة الاتصال» سواء بعناصرها أو خصومها، و«دائرة التجنيد» لجذب وضم عناصر جديدة، و«دائرة الحرب» فى الأراضى التى تخطط للهجوم عليها، والتى لم تقف عند حدود دولة أو منطقة أو إقليم كامل، لكنها امتدت إلى كل مكان. الدكتور نبيل عبدالفتاح، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، قال إن الإرهاب تحول إلى «ظاهرة عالمية» واستطاع تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، وبالتالى تطورت مفاهيمه وأهدافه اعتماداً على وسائل حديثة جاءته من الغرب الذى يكفره ويحرض على الجهاد ضده، «حادثة شارلى إبدو فى فرنسا كانت بالغة الخطورة، وحملت دلائل وإشارات عديدة حول المرحلة الجديدة التى دخلها الإرهاب، وأثارت الفزع الأوروبى عموماً لأسباب عديدة، أهمها تحقيق رسالة مفادها أن التنظيم قادر على الوصول إلى أهدافه فى قلب أوروبا». «عبدالفتاح» أضاف أن الإرهاب أصبح جزءاً من النظام العالمى الذى يقوم على العولمة والانفتاح وتكنولوجيا الاتصال، مطالباً المجتمع الدولى والحكومات والهيئات ذات الصلة بإعادة النظر فى تحليل ظاهرة الإرهاب بعد التغييرات الكبيرة التى طرأت فى العقود الثلاثة الأخيرة، وإعداد استراتيجية متكاملة لمواجهته بصورة متخصصة وعلمية، بعيداً عن وسائل المواجهة القديمة والمواقف السياسية المنحازة.
تحت عنوان «كابوس أوروبا»، فى صحيفة «الجارديان» البريطانية، طرح الكاتب البريطانى سيمون تسدال، وجهة نظر أكد بها الرأى نفسه، قائلاً إن أوروبا تعيش كابوساً بسبب الإرهاب الذى تنامى بصورة كبيرة وتجاوز منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن بعض العناصر الإرهابية فى أوروبا من مواطنى الدول وليسوا مهاجرين من المنطقة العربية والإسلامية: «بالنظر إلى حادث إطلاق النار على مجلة تشارلى إبدو الساخرة فى فرنسا، وإطلاق النار فى معبد يهودى بالدنمارك، سنجد أن هناك تشابهاً كبيراً بين العمليتين، ومنفذاهما من مواطنى الدولتين ولا تقف وراءهما منظمات إرهابية، واكتسبا الأفكار المتشددة خلال وجودها فى أوروبا، وهو ما يمثل كابوساً». «تسدال» اعتبر أن «الإنترنت» وما صاحبه من تطور بتكنولوجيا الاتصال يلعب دوراً سلبياً مزدوجاً فى تلك الأزمة، فمن ناحية فهو الوسيلة الرئيسية لنقل الأفكار المتشددة إلى الغرب وفى تضليل صغار السن عن بعد، ومن ناحية أخرى يزيد حجم الاستقطاب ويضخم ردود الفعل حول الحوادث المشابهة، الأمر الذى يعمق حالة «الإسلاموفوبيا» فى الغرب، ويضر بوحدة وتماسك المجتمعات الغربية التى تضم ملايين المنتمين لأصول إسلامية وعربية. الكابوس الأوروبى الذى أشار إليه «تسدال» ليس إلا كابوساً عالمياً، هذا ما أكدته دراسة أمنية أعدتها شركة «آى أو إن» لإدارة المخاطر الاستراتيجية والدولية، كبرى الشركات الأمنية على مستوى العالم، التى أوضحت أن الاقتصاديات الغربية الكبرى أصبحت هدفاً للتنظيمات الإرهابية بعد نجاحها فى تجنيد أعداد كبيرة من الإرهابيين فى عدة دول أوروبية، والبقاء فى دولهم كخلايا نائمة تعمل وقت الحاجة، وأوضحت الدراسة أن جميع دول العالم باتت معرضة لهجمات إرهابية، حتى تلك الموجودة فى أمريكا اللاتينية والبعيدة تماماً عن مواجهة التنظيمات الإرهابية، بعدما تضاعف التهديد الإرهابى بصورة كبيرة، ولم تعد هناك دولة آمنة أو بعيدة عن الإرهاب الداخلى أو الإرهاب العالمى.
التغييرات الكبيرة التى طرأت تدريجياً على مفهوم وشكل وأسلوب وتخطيط وتسليح ونطاق الإرهاب، أدت إلى تغيير جوهرى فى أفكاره وأهدافه، وتركيز النظر إلى السلطة بدلاً من المجتمع، وتحويل دفة قيادة المعركة إلى ساحة «الطائفة الممتنعة» التى يقصد بها الجيوش، وإرجاء معركة «الطائفة الجاهلة» التى يقصد بها الشعوب، إلا فى حالة التعذر. الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامى، قال إن استهداف قوات الجيش والشرطة، جنوداً أو معدات أو معسكرات، بات الهدف الأول على أجندة الإرهاب، من أجل كسر ما يصفونها بـ«الطائفة الممتنعة» ثم يَسلم لهم الحكم ويملكون الأرض وينفذون ما يتوهمون أنه شرع الله فى الطائفة التى لا تحمل السلاح وهم عموم المواطنين، مشيراً إلى أن تبنى هذه الاستراتيجية يرتبط بعوامل سياسية وليست فقهية: «التغييرات السياسية وحالة الفوضى وتفكك السلطة التى شهدتها عدة بلدان عربية، دفعت التنظيمات التكفيرية إلى رفع مستوى طموحها إلى مستوى احتلال الأرض وإقامة السلطة الإسلامية وكسر السلطة المدنية الكافرة بحسب معتقدها، لأنهم شعروا بأن الأمر بات سهلاً وهيناً وبإمكانهم القيام به، بدلاً من الاكتفاء بعمليات متفرقة وضعيفة من فترة لأخرى، سواء اغتيال أو تفجير، لا تحدث أثراً قوياً ومباشراً». الرجل الذى قاد مراجعات الجماعة الإسلامية فى التسعينات لتصحيح المسار بعد موجة من الإرهاب، أكد ضرورة الاهتمام بالمواجهة الفكرية إلى جانب المواجهة الأمنية والعسكرية، «هناك عناصر إرهابية تحمل السلاح، وهؤلاء لا نتعامل معهم إلا بسلاح الجيش والشرطة فى مصر وأى دولة أخرى، وهناك آخرون لا يحملون السلاح لكنهم يقفون على الحياد أو يتعاطفون أو مؤهلون لحمل السلاح، وهؤلاء يجب احتواؤهم والتعامل معهم بالرأى والفكر والخطاب من خلال المنابر التعليمية والثقافية والدينية والإعلامية»، وفى السياق ذاته حذر «ناجح» من ظاهرة شباب «الجماعات المفككة»، لأنهم يشكلون نواة جيدة للاستقطاب، ويمكن جذبهم إلى صفوف الإرهاب، وبالتالى يجب احتواؤهم وإعادة توجيههم، حتى لا يكونوا «شوكة» فى ظهر الدولة.[ThirdQuote]
المواجهة الفكرية التى وصفها «ناجح» بـ«الملحة»، أكد عليها اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، الذى قضى أعواماً فى مكافحة الإرهاب فى النصف الثانى من القرن الماضى، داعياً إلى ضرورة تبنى استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب الجديد، تقوم على 7 محاور: «عسكرياً، وإعلامياً، وسياسياً، وثقافياً، ودينياً، واقتصادياً»، محذراً من الاعتماد على محور واحد الخاص بـ«الجانب الأمنى»، وتجاهل المحاور الستة الأخرى: «على المستوى المباشر، نتصدى أمنياً، لكن بالتزامن مع ذلك يجب السير على خطوط متوازية لاقتلاع جذور الإرهاب وخلق بيئة طاردة للأفكار المتطرفة وعدم تحميل الأمن مشكلات لا علاقة له بها، مثل الفقر والتعليم المتدهور والثقافة الضائعة وتشوه الخطاب الدينى»، وبسؤاله عن الإرهاب الذى شارك فى مواجهته لأعوام طويلة، والإرهاب الذى يطالع أخباره حالياً، قال «علام» إن «إرهاب 2015» أخطر بصورة شديدة عن كل موجات الإرهاب فى العقود الماضية، لأن الهجمة الحالية منظمة ومحل صناعة واحتراف ودعم من جهات كثيرة، ولا تستهدف مجرد القيام بعمليات صغيرة ينفذها مجموعة من التكفيريين على غرار ما شهدته مصر، لكنه يستهدف أيضاً إسقاط دول وتقسيم أراض واحتلالها بواسطة إمكانيات كبيرة، وهو ما حدث فى بلدان مجاورة، ويحاولون تنفيذ نفس السيناريو فى مصر.
مواجهة أمنية عسكرية لاقتلاع جذور الإرهاب وإحباط مخططاته، ومواجهة فكرية لكشف أخطائه ومغالطاته وتحصين عقول المواطنين ضد دعواته السامة، وثالثتهم مواجهة قانونية لحصار عناصره داخل وخارج البلاد، طرحها الدكتور عوض شفيق، أستاذ القانون الدولى، الذى أصدر كتاباً يحمل اسم «المعايير القانونية والدولية لمكافحة الإرهاب»، قائلاً إنه يجب على دول العالم تفعيل قرارات مجلس الأمن والالتزام بمبدأ التسليم أو المحاكمة، للاشتراك دولياً فى مكافحة الإرهاب الذى يهدد الجميع دون استثناء، مشيراً إلى قرار المجلس رقم 1373: «يجب على الدول منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية وتجريم تمويل الإرهاب، والقيام بدون تأخير بتجميد أموال الإرهابيين وقمع تجنيد أعضاء الجماعات الإرهابية ومنع تزويد الإرهابيين بالسلاح، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية وعدم إتاحة الملاذ الآمن للإرهابيين، ومنع من يمّولون أو يدبّرون أو ييسّرون أو يرتكبون الأعمال الإرهابية من استخدام أراضيها، وكفالة تقديم أى شخص يشارك فى تمويل أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة، وتزويد كل منها الأخرى بأقصى قدر من المساعدة فيما يتصل بالتحقيقات أو الإجراءات الجنائية المتعلقة بتمويل أو دعم الأعمال الإرهابية، ومنع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية عن طريق فرض ضوابط فعّالة على الحدود وعلى إصدار أوراق إثبات الهوية ووثائق السفر». «شفيق» أوضح أنه لا يوجد تعريف قانونى لمصطلح الإرهاب، بل يفهم الإرهاب بشكل عام بأنه يشمل الأعمال الجنائية الموجهة أو المحسوبة لإيجاد حالة من الرعب بين الجمهور العام أو مجموعة من الأشخاص أو أشخاص محددين لأغراض سياسية، وأن الأعمال تكون محظورة وغير مبررة أياً كانت الاعتبارات السياسية أو الفلسفية أو العقائدية أو العرقية أو الإثنية أو الدينية أو أى طابع يستغل لتبريرها، بموجب أحد الاتفاقات الدولية.
من فقر إلى غناء، ومن بدائية إلى مستوى متقدم عسكرياً وتكنولوجياً، ومن خلايا متناثرة إلى تنظيمات منظمة على طريقة الدول، ومن محدودية النطاق الجغرافى إلى انفتاح الحدود على العالم كله، رحلة 30 عاماً للإرهاب تحول خلالها من ظاهرة «محلية» إلى ظاهرة «عالمية»، وسقطت معها «تابوهات» طال تكرارها.. الفقر، الاستبداد، الانعزال، تصنع إرهاباً، لكن الإرهاب الجديد لم يعد فى حاجة إلى هذه العوامل، بعد أن طرق أبوابه كثير من الأغنياء وأصحاب الشهادات العالية، وطرق هو أبواب كثير من الدول الأكثر ديمقراطية وحرية وانفتاحاً. إرهاب من خصائص مختلفة، وعوامل تركيب مختلفة، ودوافع مختلفة، يفتح مصيدته للجميع، ولا يمت بصلة إلى إرهاب الماضى الذى سقط فى مصائد الحكومات.