جمال محمد غيطاس يحلل لـ«الوطن» خطاب الرئيس بـ«الكلمة والمعلومة»
تحدث الرئيس مرسى مساء الأربعاء الماضى إلى الشعب قرابة ساعتين، فقال 10 آلاف و491 كلمة، بين مرتجلة ومكتوبة، تناولت 43 موضوعاً، وكان من بينها 9 آلاف و27 كلمة خالية من المعلومات، و1519 كلمة حاملة للمعلومات ومحتوية على 72 معلومة، وشن خلال الخطاب 45 هجمة، طالت 24 شخصية معروفة و15 شخصية وجهة مجهّلة. وللإنصاف والتاريخ نقدم التحليل الإحصائى الآتى لهذا الخطاب الذى جاء فى توقيت بالغ الحرج، ووسط أجواء أزمة عاصفة تكاد تشطر البلاد وتفتتها.
وأعتمد فى هذا التحليل على منهجية تحليل المضمون والتصنيف الموضوعى للكلمات الواردة به، مع استخدام برمجيات الفرز والعد والإحصاء بعد تحليل المضمون وتصنيفه. وانطلق التحليل من نقطة بداية هى تجزئة الخطاب إلى مقاطع منفصلة، واستخدام كل مقطع كوحدة للتحليل، وفى هذه المرحلة تم تجزئة الخطاب إلى 172 مقطعاً، ثم جرى توصيف كل مقطع وفقاً للموضوع أو القضية التى يتناولها، وعدد الكلمات المكتوبة، وعدد الكلمات المرتجلة، وعدد الكلمات الخالية من البيانات والمعلومات، وعدد الكلمات الحاملة للمعلومات، وعدد المعلومات الواردة، والمعلومات الواردة بعد تصفيتها وتجريدها، وسلبيات المعلومات الواردة من حيث النقص والدقة وخلافه، والشخصيات والجهات الواردة بالمعلومة.
>> النظام السابق.. «بعبع» لا يختفى
«الكيد» والهجوم على الخصوم أولاً.. والحديث عن النفس ثانياً.. والقضايا الأساسية فى المؤخرة
تكشف قائمة الموضوعات التى تناولها خطاب الرئيس عن أنه تناول 43 قضية، وأول ما يمكن ملاحظته فى هذه القائمة أن الهجوم على النظام السابق وبقاياه احتل المركز الأول من حيث عدد الكلمات المستخدمة خلال الخطاب، فقد استحوذ هذا الموضوع على 13% من كلمات الرئيس المكتوبة والمرتجلة، ولو أضيفت إليها الكلمات المستخدمة فى الهجوم على خصوم الرئيس فى مختلف الجهات سنجد أن 7% من كلمات الرئيس خصصت للهجوم على المعارضة و2% للنيابة العامة و3% للإعلام و1% للقضاء، أى إن الرئيس كان يهاجم خصومه قبل أن يخاطب شعبه، لأن النصيب الإجمالى للهجمات استحوذ على أكثر من ربع الكلمات التى استخدمها الرئيس فى خطابه، أو 26% من هذه الكلمات على وجه التحديد.
وفى المقابل، فإن الرئيس خصص 2% من كلماته للحديث عن إخفاقاته، و9% فى تبرير هذه الإخفاقات، و6% للحديث عن نجاحاته، و2% لقرارات جديدة يتخذها، أى إن مجمل ما استخدمه الرئيس فى الحديث عن نفسه إخفاقاً ونجاحاً وتبريراً وقرارات بلغ 19% فقط من كلماته.
يدل هذا الأمر على أن الرئيس جاء يخاطب الشعب بروح هجومية متحفزة، تستخدم الخطاب فى الهجوم على الخصوم والكيد لهم أولاً، ثم الحديث عن نفسه ثانياً، ثم بعد ذلك أى شىء آخر يتعلق بالوطن وقضاياه وهمومه ومستقبله، ويعزز هذه النتيجة أن القضايا الـ15 الأساسية المتعلقة بهذا الأمر كان نصيبها من خطاب الرئيس 21.4%، على الرغم من أنها تضم الحالة الأمنية ومشكلات الطاقة والسياحة والسولار والبنزين والدستور والخبز والشهداء والأموال المهربة والدعم والبوتاجاز والاستقرار والتنمية والسياسة الخارجية والتحرك إلى المستقبل.
>> ساعتان.. و72 معلومة فقط
الخطاب سلة «شبه فارغة» من المضمون والقيمة.. ولم يقدم معلومة واحدة فى 20 قضية
عند النظر إلى خطاب الرئيس من منظور المعلومات والبيانات التى قدمها إلى الشعب، يلاحظ أن خطاب الرئيس بكلماته التى تخطت عشرة آلاف كلمة، لم يكن سوى «سلة فارغة»، لأن 9027 كلمة تشكل 85.5% من خطاب الرئيس كانت خالية من المعلومات والبيانات وأقرب للعبارات الإنشائية، و1519 كلمة تمثل 14.5% من الخطاب كانت حاملة للمعلومات، وهذه النسبة الضئيلة قدم الخطاب من خلالها 72 معلومة فقط، موزعة على جميع القضايا التى أثارها، ما يدل على أن الخطاب الذى حشد له الرئيس كل هذا الحشد كان فى حقيقته سلة «شبه فارغة» من المضمون والقيمة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اتضح من التحليل أن الرئيس حشد 24% مما لديه من معلومات ضئيلة للحديث عن نجاحاته، و11% منها لتبرير إخفاقاته، و7% منها لتوضيح قراراته، ثم استخدم 25% منها للهجوم على خصومه الحاليين وعلى النظام السابق، مضافاً إليهم رجال الأعمال، وبذلك يكون قد وضع 67% مما احتواه الخطاب من معلومات فى عشر قضايا، بعضها للحديث عن نفسه وبعضها الآخر لمهاجمة خصومه، أما الـ43% الباقية من المعلومات فتوزعت على 12 قضية، فيما خلا الحديث المتعلق بـ20 قضية أخرى من أى معلومات على الإطلاق.
ونستخلص من هذه الأرقام أننا أمام خطاب فقير معلوماتياً، يعانى بؤساً شديداً فى عدالة توزيع المعلومات الفقيرة أصلاً على أجندة القضايا المثارة، وأن سوء التوزيع يعكس حالة استحواذ واضحة للقضايا التى تخص شخص الرئيس على ما هو متاح من معلومات، وتدعم هذه النتيحة ما تم التوصل إليه سابقا من أن الهاجس الأساسى للرئيس هو الكيد للخصوم والهجوم عليهم.
الهجوم على الخصوم بـ«أسلحة فاسدة»
45 هجمة شنها الرئيس على معارضيه.. منها 32 عن طريق «بندقية خالية من الطلقات»
يرتبط نجاح الهجمات التى يشنها السياسيون على معارضيهم وخصومهم بمدى ما تحمله من معلومات صحيحة موثقة واضحة صادقة، وكما سبق القول فإن الرئيس وهو ينفذ الهدف الأساسى من خطابه وهو الهجوم على الخصوم والنظام السابق وبقاياه افتقرت أسلحته إلى الذخيرة الحية اللازمة، وهى المعلومات والبيانات ذات الجودة العالية. الأرقام الواردة هنا تدل على أن الرئيس شن على خصومه وبقايا النظام ومختلف الجهات 45 هجمة، لكن هذه الهجمات كان من بينها 32 هجمة خالية من المعلومات، أى كانت أشبه بالبندقية الخالية من الطلقات، التى تعتمد فقط على فرقعة الصوت بلا مضمون مؤثر.
ذخيرة الرئيس لم تكن فقط فارغة فى أغلب الأحيان، بل كانت بها عيوب فى أحيان أخرى، فقد اتضح أن هناك هجمتين اعتمدتا على معلومات متقادمة معروفة سلفاً ولم تأتيا بجديد، و6 هجمات كان بها معلومات مغلوطة أى ذخيرة فاسدة، و5 هجمات اعتمدت على معلومات ناقصة غير مكتملة.
يلفت النظر أيضاً إلى أن مسألة «الأسلحة الفارغة والفاسدة» لم تكن قاصرة فقط على شن الهجمات على الخصوم، بل امتدت لتشمل الحديث عن مختلف القضايا الواردة فى الخطاب. وبالنسبة لتوزيع السلبيات الواردة فى معلومات الخطاب على القضايا المختلفة يتضح أن هناك 11 قضية تعرضت لهذا النوع من الفراغ أو الفساد فى المعلومات، فيما كانت باقى القضايا بلا معلومات أصلا.
وحتى تتضح الحقيقة بلا لبس، فإن المعلومات المغلوطة التى أوردها الرئيس فى خطابه، وتصحيح هذه المعلومات وفقا لمصادرها الأصلية، وهى تتضمن هجومه على الأستاذ مكرم محمد أحمد، النقيب الأسبق للصحفيين، وواقعة شراء الطائرات بأكثر من ثمنها، وتقارير موقعة الجمل، والضمان الاجتماعى وغيرها من المعلومات المغلوطة - قمنا بالرجوع إلى مصادرها الأصلية وتصحيحها.
39 شخصية فى «مرمى النيران»
الهجوم على 15 جهة وشخصية «مجهولة».. من «العائلات التى نهبت الاقتصاد» إلى «الواد بتاع الكهربا»
تجسيداً للطبيعة الهجومية التى انطلق منها الخطاب تم إحصاء 39 هجمة وجهها الرئيس لشخصيات وجهات مختلفة خلال خطابه، كان من بينها 24 شخصية ذكرها الرئيس تصريحا أو تلميحا، وخصها بهجمة أو أكثر، اختلفت مستوياتها من مجرد إبداء السخرية والدهشة وانتهاء بالاتهام الصريح والتهديد والوعيد، وجاء على رأس قائمة من طالتهم نيران هجمات الرئيس أحمد شفيق المرشح الرئاسى السابق، وقيادات جبهة الإنقاذ، وحظى كلاهما بأربع هجمات من الرئيس، وبعد ذلك النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود، وكمال الشاذلى الأمين العام السابق للحزب الوطنى، حيث نال كل منهما هجمتين، ثم 19 شخصية أخرى ما بين إعلامية وصحفية ورجال أعمال وشعراء ومسئولين سابقين، حصل كل منهما على هجمة واحدة، وكان من بينهم أحمد فؤاد نجم وحسن عبدالرحمن والمستشار زكريا شلش وصفوت الشريف وفتحى سرور ومحمود وجدى ووائل الإبراشى وأسامة كمال ومكرم محمد أحمد وغيرهم.
لم تختلف طبيعة الذخيرة المعلوماتية التى استخدمها الرئيس فى هذا الصدد مع ما تمت الإشارة إليه سابقا، فكل هذه الشخصيات تعرضت لهجمات استخدمت فيها الأسلحة الفارغة والذخيرة الفاسدة، أو بشكل أدق الهجمات الخالية من المعلومات، أو التى تستخدم فيها معلومات مغلوطة، فمثلاً أحمد بهجت تعرض للهجوم بمعلومة قديمة، وأحمد شفيق تعرض للهجوم بمعلومة مغلوطة وهجمتين بلا معلومات، وعبدالمجيد محمود تعرض للهجوم بمعلومتين مغلوطتين، ومحمود وجدى تعرض للهجوم بمعلومة مغلوطة، وفى النهاية يتضح أن هذه الشخصيات تعرضت لهجمات: واحدة منها بمعلومة قديمة، و4 بمعلومات مغلوطة، و4 بمعلومات ناقصة، و16 بلا معلومات أصلاً.
كان هناك أيضاً 15 جهة وشخصاً تعرضوا لهجمات من الرئيس، ولكن من دون أن يفصح عنهم تلميحا أو تصريحا، مثل الـ32 عائلة مصرية التى اغتصبت الاقتصاد طيلة عشرين عاما، وأصحاب قانون مكتبة الإسكندرية، والذين يستخفون بمصر وقيادتها، و«الواد بتاع محولات الشرقية»، وبقية المستفيدين وبعض الفصائل، و«واحد فى المعادى»، وواحد مؤجَّر من الشركة الكويتية... إلى غير ذلك مما يعرضه الجدول رقم «9»، وقد تعرض كل واحد من هؤلاء لهجمة واحدة فقط من الرئيس.
وبتحليل هذه الهجمات من منظور توزيعها على الجهات المختلفة، يتضح كما يشير الجدول رقم «8» أن الإعلام ناله سبع هجمات من الرئيس اعتمدت على 3 معلومات فقط كلها مغلوطة، والقضاء كمؤسسة وليس أشخاصاً تعرض لهجمة واحدة بها معلومة واحدة ناقصة، والمعارضة ككل تعرضت إلى 12 هجمة تضمنت معلومتين فقط ليس بهما سلبيات، والنظام السابق وقياداته تعرض لـ19 هجمة تضمنت سبع معلومات واحدة قديمة وواحدة مغلوطة و3 معلومات ناقصة ومعلومتين ليس بهما سلبيات، والنيابة العامة تعرضت لهجمتين تضمنتا معلومتين مغلوطتين، ثم رجال الأعمال هجمتين بمعلومتين إحداهما مغلوطة والأخرى ناقصة.
الرئيس «المندهش»
كرر كلمة «ليه» 46 مرة.. و«أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة» 3 مرات
آخر ما كشف عنه التحليل أن أكثر الكلمات التى كررها الرئيس فى خطابه هى كلمة «ليه»، وهى لفظة عامية للفظة «لماذا»، وكان يعبر بها عن تساؤلاته واندهاشه لما يرى أنه يستحق التساؤل والاندهاش، وقد كرر هذه الكلمة 46 مرة، ثم جاءت بعدها كلمة «النظام السابق» وما يتصل بها من مفردات كـ«النظام البائد» و«المجرم» وغيرها، وهذه تكررت 37 مرة، ثم «الثورة» كررها 24 مرة، و«الإعلام» 8 مرات، و«الثوار» 7 مرات، و«الشباب» 6 مرات، و«المعارضة» 5 مرات، و«القائد الأعلى للقوات المسلحة» 3 مرات. وتتسق هذه التكرارات مع السياق العام للخطاب وتوجهاته الهجومية، فقد كان يستخدم دائما كلمة «ليه» كمقدمة أو نهاية للهجمة التى يشنها على هذا الطرف أو ذاك، بل وكثيراً ما كانت تقترن فى آن واحد مع حديثه عن النظام السابق والمعارضة والخصوم خاصة من الإعلام، ثم جاء تكراره لكلمة «أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة» وكأنه يحاول المداراة على الشرخ القائم فى العلاقة واختلاف التوجه بينه وبين الجيش.
ما وراء الأرقام
الصراع على السلطة.. اختيار الجماعة
- سيطرة الطابع الهجومى التصادمى القائم على الكيد للخصوم الحاليين وللنظام السابق معا، على حساب اللغة التصالحية واهتمامات الناس ومستقبل البلاد، ما ينبئ عن أن الصراع على السلطة لا يزال هو الخيار الأول للرئيس والجماعة التى ينتمى إليها، وأن عملية الإصلاح والتنمية على الرغم مما يقال أو قاله الرئيس شخصيا فى الخطاب تتراجع إلى الوراء مسافات كبيرة.
الافتقاد إلى المروءة وشرف الخصومة
- الافتقاد إلى الكثير من سمات «المروءة والملاءمة السياسية وشرف الخصومة»، نظراً لهجومه على خصومه وهو متمتع بقوة المنصب دون أن يكون لدى أى منهم القدرة على الرد، بل إن أحدهم توفاه الله ولم يعد يملك الدفاع عن نفسه، لكن الرئيس تحدث عنه باعتباره أحد عصابة حرامية تسرق، وأكثر ما يتمناه أن يستمروا فى السرقة شرط أن يظل ما يسرقونه داخل البلاد.
«قوة المنصب» وليس «قوة الحقيقة»
- سيطرة نزعة تصفية الحسابات بشكل واضح على الخطاب، وذلك بالتركيز الشديد على التنديد بخصوم اليوم الذين كان الكثير منهم حلفاء الأمس، ووضعهم فى سلة واحدة فى أكثر من موضع مع النظام السابق وبقاياه، واستند فى ذلك إلى قوة المنصب أكثر من استناده إلى قوة الحقيقة والمعلومات الواضحة غير الظالمة.
تجاهل تام لـ«غليان الشعب»
- التغافل الواضح عن معظم، إن لم يكن كل، القضايا التى كان المواطنون يتوقعون أو يحتاجون الحديث عنها، كملايين التوقيعات التى جمعتها «تمرد»، التى تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وحالة الغليان الشعبى السائدة التى لا يمكن تجاهلها.
قضايا كبرى.. وتناول «سطحى»
- المرور سريعاً على القضايا الإقليمية والدولية وتناولها بعبارات إنشائية خالية من المعلومات والمواقف الواضحة، وتناول المشكلات الحياتية القائمة عبر الغوص فى أمور تفصيلية لم يكن من المتوقع وليس من المطلوب أن يخوض فيها الرئيس، مثل الحديث عن مشكلة الوقود بسرد قصص عن «جراكن بجوار سور عمارة بشارع رمسيس»، أو مشكلة الطاقة بسرد واقعة «الواد بتاع محولات الشرقية»، دون طرح رؤية عامة واضحة للدولة حول هذه المشكلة، وبالطبع فإن الإغراق فى هذه النوعية من المعلومات جعل الخطاب كاشفا لحالة من تدنى الكفاءة يثير قلقا يفوق كثيرا القلق من حالة الاحتقان القائمة.
الانطلاق من «نقطة الكذب»
- الاعتماد على الخلط والعرض غير الدقيق للمعلومات والميل لنزعها من سياقها كمحاولة لتبرير ما يجرى، ثم استخدام هذا الخلط كنقطة انطلاق نحو اللجوء إلى لغة التهديد فى أكثر من موقع، وبدا ذلك واضحا حينما لوح باستخدام القانون العسكرى لردع من يوجهون له الإهانات ويسيئون إليه باعتباره «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، وليس رئيس الدولة.