لبنان على شفا المجاعة. رغيف الخبز ارتفع ثمنه بشكل غير مسبوق، وفى أحيان لا يجده المواطن فى الأفران. رغيف الخبز هو أبسط مقومات العيش، فإذا وصل به الحال إلى ذلك فلك أن تتخيل الأوضاع فيما عداه من سلع وخدمات. التبرير حاضر أمام صرخات المواطنين المتضجرة من رفع الأسعار وشح السلع. إنه الدولار. الورقة الخضراء التى سحقت الليرة اللبنانية وجعلتها توزن بالكيلو، ووضعت المواطن فى مأزق وجودى. فعندما تصل المشكلات إلى رغيف العيش فنحن بصدد أزمة وجودية تهدد الحياة برمتها.
يحدث ذلك فى فرن العيش، فى حين تصر القوى المتصارعة فى مطابخ السياسة اللبنانية على ممارسة هوايتها فى العمل لغير صالح اللبنانيين. التجربة تقول إن الولاءات الخارجية تحرك الساسة فى هذا القطر أكثر مما تحركهم الأوجاع الداخلية وصرخات المواطنين. حزب الله -على سبيل المثال- قوة لا يستهان بها فى لبنان، وهو يقدم باستمرار نموذجاً على لعبة «الولاء للخارج»، فكثير مما يحتاج إليه اللبنانيون يسرب إلى الخارج خدمة لأهداف حزب الله -وبالتبعية إيران- فى المنطقة. والحزب ليس بدعاً بين القوى السياسية فى لبنان، بل أغلب هذه القوى تمارس بالطريقة نفسها. وقوى الخارج التى تعبث فى لبنان لا يهمها الشعب فى شىء، وقد تعتبره مجرد وقود فى فرن يتم تجهيزه لخطوة معينة خلال الأسابيع القادمة. فإنفاذ وإملاء إرادتها وتحقيق مصالحها هو ما يعنيها. فمن يسعى إلى خنق قوى سياسية معينة فى لبنان لا يهمه أن يخنق اللبنانيين فى الطريق.
تقارير إعلامية عديدة تؤكد أن لبنان أصبح قريباً من الدخول فى مجاعة حقيقية أكثر من أى وقت مضى. الكلام فى محله فماذا بعد افتقاد رغيف الخبز سوى المجاعة؟. وشواهد عديدة تؤشر إلى أن قوى الخارج التى تتحكم فى الداخل اللبنانى تريد أن تصل بالأمور إلى هذا الوضع الخطير. والنتيجة معروفة. فالغلاء وشح السلع والإفلاس الاقتصادى لا بد أن تؤدى إلى تأجيج الصراعات التى تبدأ فى شكل «خناقات بسيطة» بين الراغبين فى الرغيف ومن يملكون إنتاجه، ثم تنقلب إلى شكل الحرب الأهلية الكاملة. قوانين التاريخ تقول ذلك، والتجربة اللبنانية تؤكده. وقد سبق أن قاست لبنان من حرب أهلية ضروس فى السبعينات (1975)، وهى الحرب التى أدت إلى قتل وتشريد عشرات الألوف من اللبنانيين.
المحنة التى يعيشها لبنان حالياً تقدم لنا درساً بليغاً حول خطورة أن تتفوق الولاءات الخارجية فى الأهمية على الولاء للداخل. إن ولاء قوة سياسية واحدة للخارج كفيل بإهلاك دول وغرق مجتمعات، فما بالنا لو كان ثمة أكثر من قوة تفعل ذلك.
قد تجدّ ظروف فى المستقبل تنقذ لبنان من المحنة التى يعيش فيها، وتتنبه القوى الغافلة عن الداخل الشعبى إلى خطورة ما تفعل، خصوصاً أنها تعلم قبل غيرها أن سقوط لبنان فى فخ الصراع الأهلى قد يكون من ضمن نتائجه إعادة تشكيل معادلة السياسة فى البلاد بصورة تزيح هذه القوى عن المشهد برمته.