علا الشافعي تكتب: الفيلم السعودي "حد الطار" تجربة مهمة.. ومخرج واعد
علا الشافعي
دائمًا ما نقول تذهب أيام وليالي المهرجانات، وتبقى السينما والأفلام التي شاهدناها في الذاكرة والوجدان، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الدورة الـ42 لمهرجان القاهرة السينمائي تحفل بالعديد من الأفلام المهمة والإنتاجات المتميزة في مسابقات المهرجان المختلفة، ومن بين الأفلام اللافتة للانتباه وتستحق التوقف عندها الفيلم السعودي "حد الطار"، للمخرج عبدالعزيز الشلاحي، والذي عُرض في افتتاح المسابقة العربية بمهرجان القاهرة السينمائي.
تجربة "الشلاحي" تستحق التوقف عندها والتأمل لأكثر من سبب ليس لأنه مخرج واعد حقًا، يمتلك وجهة نظر واضحة بدءًا من اختيار فكرة غير نمطية تفاجئ الكثيرين ممن يملكون "استريو تايب" عن المجتمع السعودي، فهناك دائمًا صور ذهنية تتوارد للبعض بمجرد ذكر فيلم سعودي بمعني أنك كمشاهد ستكون مؤهلًا لمشاهدة شريحة اجتماعية من الأثرياء مثلًا، أو مشاكل مجتمع يصنف كواحد من المجتمعات الغنية، ولكن "الشلاحي" يفاجئنا بشريحة اجتماعية غير متوقعة بل تحمل صدمة للبعض.
بطلنا من المفترض أنه ابن "السياف" بمعني أن والده كان واحدًا من المسؤولين عن تنفيذ حكم الإعدام، وبطلتنا الشابة تدق والدتها "الطار" أو الدف في حفلات الأغنياء والمشايخ وهو ما يسمي بـ"ذكاء الاختيار"، إضافة إلى الاسم الذي يحمل مفارقة فهو "حد الطار" حيث يجمع بين "السيف والطار" أي مهنة الوالد والوالدة لبطلي العمل ومن هنا كانت براعة الاستهلال.
المخرج يدخل في الموضوع مباشرة لا يعرف الثرثرة الدرامية بل يملك رؤيته الخاصة، وينطلق ليؤسس بداية مختلفة عن كل التجارب السعودية السينمائية التي سبق وشاهدناها.
المخرج عبدالعزيز الشلاحي ومؤلف العمل مفرج الجفل يقدمان قصة حب بين عالمين يبدوان ظاهريًا شديدي التناقض بين دايل ابن السياف، وشامة ابنة الدقاقة، دايل الذي يهيم عشقا بشامة، ويرسل لها الرسائل في عرائس لعبة يهديها لشقيقتها الصغيرة، والتي تخرج لشراء العيش ويصر دايل على الزواج من شامة، في حين أن عمه الذي تولى تربيته بعد وفاة والده يرفض تلك الزيجة ويقولها بشكل "ابنة الدقاقة لا" في احتقار واضح لمهنتها، بل يضع العراقيل في طريق "دايل" ويهدده بالطرد من المسكن الذي يؤويه، مؤكدًا أن عليه أن ينصاع لرغبة عمه ليس ذلك فقط بل يواصل مهنة والده كقاطع رقاب، وهي المهنة التي ترفضها شامة وتصر أن يبتعد عنها، والمفارقة أن "دايل" يرفض أيضًا أن تمتهن شامة مهنة والدتها أو أن تنضم لفرقتها الموسيقية، ويساعدها على تنمية موهبتها في تفصيل وتصميم الأزياء، ويجلب لها مجلات لتتعلم وتقلد نماذج وموديلات النجمات اللاتي يتصدرن أغلفة تلك المجلات.
"الشلاحي" ومعه مدير التصوير ينقلان لنا تفاصيل الحياة البسيطة التي تعيشها "شامة" مع أسرتها.
في شارع يمتلئ بتفاصيل تحاكي بعض الحارات المصرية القديمة ولا يتصور خيالك وجودها في تلك المدينة، تفاصيل منزل شامة شديد البساطة وكيف يصعد دايل على سلم خشبي إلى سطح حبيبته، ليراها من شباك المطبخ، ولا يغفل المخرج وكاتب السيناريو عالم الوالدة والتي تعمل "دقاقة" فنشاهد معاناتها في مشاهد مكثفة، وكيف تتمرد عليها بعض أعضاء الفريق الذي يصاحبها ورحلة بحثها عن عازقة أورج جديدة لأن المشايخ باتوا يشترطون وجود عازفة أورج ضمن الفريق الذي يدق ويغني أغاني العرس.
الدراما لا تبدو صاخبة أو مليئة بالتحولات العنيفة، بل تفاصيل صغيرة تمت صياغتها بذكاء لتصب في النهاية في الخط الدرامي الرئيسي للفيلم، عالم "دايل" ينهار فجأة عندما يعرف أن "شامة" تجاريه في مشاعرة في محاولة لإنقاذ ابن خالها من حكم الإعدام، حيث يعملان على جمع الدية له، وينهار عالم شامة عندما تجد نفسها مضطرة لأن تكون جزءا من فريق والدتها.
فهل ينتصر "دايل" العاشق المهزوم الذي لا يملك فرصًا حقيقية للعمل لأنه لا يملك مؤهلًا تعليميًا لرغبته في الانتقام من "شامة"؟، وهل يستطيع أن يكون فعلًا "سياف" يقوم بقطع الرقاب؟ أم أنه أخذ من السيف رقة نصله، وقدرته على إثارة البهجة عند حمله في الرقصات بالأفراح والاحتفالات؟.
وماذا ستفعل "شامة".. هل ستستمر في مهنة والدتها لتنقذ عائلتها.. وهل تضحي بحبها الحقيقي وتتزوج لمجرد الحصول على المهر لدفعه كجزء في دية ابن خالها المتهم في جريمة قتل ومحكوم عليه بقطع رقبته بالسيف؟.
فيلم "حد الطار" يحمل الكثير من الجرأة لقدرته على طرح تلك التساؤلات، والمتعلقة بالأفكار التي كانت تسيطر على المجتمع السعودي في تلك الفترة الزمنية حيث تدور الأحداث في نهاية التسعينات، تلك التساؤلات المتعلقة بطبيعة الأحكام واحتقار بعض المهن والعنصرية تجاهها وكأنه يفتح جراحًا، ويصر على أن يلقي أحجارًا لتتحرك المياه الراكدة أكثر وأكثر من خلال جيل جديد فاهم وواع يدرك أن السينما عليها دور كبير في تنوير المجتمعات.
فيلم "حد الطار" قدم العديد من الممثلين الموهوبين تألقوا في تجربة مختلفة ومهمة في السينما السعودية.