قياصرة الرومان وقياصرة المتأسلمين
التاريخ وحده من يتحدث عن الحاضر، هكذا يعيد التاريخ إنتاج ذات الخط الدراماتيكى، ولكن فى ثوب جديد يتناغم مع عصرنا الحديث، ولكن مؤشراته اللحظيه تنبئ عن خطورة ما ينتظرنا فى المستقبل القريب، فكما لعبت الكنيسة فى الماضى دورها فى إفساد الحياة السياسية خلال العصر الرومانى واتهام معارضيها بالزندقة وانشغال رجال الدين بالسياسة والسلطة والمال والابتعاد عن دورهم الأصيل فى نشر التعاليم المسيحية التى بنيت على الحكمة والرشد وصفاء القلوب، مستغلين ذلك فى تكميم أفواه المفكرين والفلاسفة مثل أرسطو وسقراط وأفلاطون، وعمل الأخير على إعادة تأهيل المجتمع «المدينة الفاضلة» وحثهم على الفضيلة، التى تساهم فى بناء المجتمع، الذى يعد نواة لبناء الدولة وشرع فى ترسيخ أسس ومؤسسات الدولة وتعريفها وتحديد مسئولياتها تجاه المجتمع فى شكل علاقة تبادلية الجانب، وليس بالغريب أن ما نعيشه الآن ما هو إلا ظلال لهذا الماضى، فالعقل البشرى عقل تراكمى يسترجع ماضيه ويبنى عليه أيديولوجياته الفكرية والعقائدية، وها نحن نعيش فى كنف عهد جديد ونهج متأصل فى تفرغ أهل الدين للسياسة، متخطين حاجز التاريخ وغير آسفين على الدروس المستفادة من الماضى، فالدولة الإسلامية بغير مضمونها المألوف كما بناها السلف الصالح تتأرجح على فوهة النفور المجتمعى، الذى يرجع إلى عدم تقبل الشذوذ الفكرى الذى ينتهجه المتأسلمون فى مصر وباقى الدول العربية، والتناقضات الداخلية فى ذلك التيار ما بين العصف الذهنى للمجتمع وعدم تقبلهم الوضع الحالى فإنه عالم غريب عليهم ووسائلهم لا تصلح لهذا الزمن حتى مع إنتاج السياسات السابقة التى كان ينتهجها الحزب الوطنى لم تكن تصلح اليوم لإعادة إنتاجها فى ظل بوادر لشعب جديد كسر حاجز الصمت والحصار الفكرى ليصبح جواداً عفياً غير ملجم، يخطو أولى خطواته نحو الحرية دون سياسة واضحة تحقق له العدالة والكرامة الإنسانية، ومن هذا المنطلق أود أن أنوه بأننا ابتعدنا عن الهدف المنشود.. الوطن.. والانتماء وانسقنا إلى مستنقع الغوغائية الفكرية فى لغط ملحوظ وربما مخطط له بألا تستقر الأمور، فهل من مغيث؟
الباحث محمد يوسف عبدالمنعم