بروفايل| «حالة الحرب» قيد الإعلان
يغلف السكون المدينة، يقطعه أزيز القذيفة الهاوية، يطاردها خيط الدخان الأبيض بلون أكفان من ستصيبهم لاحقاً. بطرف عين يلمحها أحد سكان البناية الصفراء، الشرطى المنهمك فى متابعة المباراة يفزّ من جلسته واقفاً صائحاً، تنسكب أكواب الشاى.. يرتطم هارب بهارب، ويظن أفراد الحراسة بين الطوابق وعند البوابات أن «الصيحة» احتفال بهدف فى المباراة، لكن ثمة مباراة أكثر عنفاً على وشك البدء. «حرب حامية» كانت القذيفة مقصاً قطع شريطها الأحمر وتخطاه.
لترات من الدماء المتخثرة وأكوام من اللحم «المدعوك» تحت الأنقاض، هياكل مدرعات ورماد. أثارت مخلفات الحرب استعطاف البعض وتشفّى وشماتة آخرين، رحمات ولعنات، مناشدات بحماية الباقين وتعزيز حياتهم بالسلاح، ومناشدات على الجانب الآخر بأن «اقتلوهم حيث ثقفتموهم».
حالة الحرب التى لم تُعلَن رسمياً بعدُ تشى بها تصريحات مسئولى الصف الأول فى نظام الرئيس السيسى الذى طالب قادة الجيش والشرطة بأن يعملوا على «تصفية أوكار الإرهابيين»، والعمليات المتوالية التى تشنها القوات المسلحة المصرية لاستهداف المتهمين بانتمائهم لجماعات «تكفيرية مسلحة» بالاعتقال أو التصفية.
المزيد من العمليات التفجيرية لا تزال تشهدها مدن مصرية، بعضها فى قلب المناطق المأهولة بالمدنيين، والمزيد من المدنيين والعسكريين أُدرجت أسماؤهم فى قوائم ضحايا العمليات المسلحة والتفجيرات التى وصلت منذ شهور إلى القاهرة وبعض العواصم الأخرى كالمنصورة والإسكندرية.
«خير وسيلة للدفاع الهجوم». استراتيجية يطالب مؤيدو نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى بانتهاجها بغرض «تعزيز وجود الدولة فوق كافة التراب المصرى، وسحب السلاح من المجموعات المسلحة فى سيناء، والتى تمكنت من الوصول من خلال عملياتها إلى خارج شبه الجزيرة الحدودية».
«حالة الحرب» التى لم تُعلن تشى بها تكبيرات بسبب طلقات تثقب الرؤوس، وتهليلات لتقدم تُحرزه القوات فى عمق «الأوكار الإرهابية». خطط من الجانبين وعمليات تواجه فيها الآلة العسكرية المصرية «الميليشيات الإسلامية المسلحة»، فيديوهات وفيديوهات مضادة، وإعلام وإعلام مضاد، وتحريض على «استهداف ضباط الجيش والشرطة ومؤيدى النظام القائم وأسرهم بإعداد ما استطاعوا من قوة» أو «توسيع قاعدة استهداف البؤر الإرهابية وتجفيف منابع تمويلها فى الداخل والخارج»، وعشرات القتلى من البسطاء والمجندين:
«لا بُدَّ من حربٍ لتكتَمِلَ الحياةُ بموتِهم.. هُمْ نُخبةُ القتلى وأرخصهم دماءً فى الحروبِ.. بريدنا للأرضِ إنْ تاقت إلى مطرٍ.. قرابينُ العروشِ.. سلالِمُ كى يَصعَدَ الأمراءُ.. من عتمِ الهوامِشِ.. سِدرةَ التاريخِ» (شعر: حسن الحسن).