«الخازندارة».. تحفة معمارية عمرها 97 عاما أنشأته «الهانم»
الخازندارة خديجة «ست بـ100 راجل في الخير»
تحفة معمارية عمرها 97 عاماً.. أنشأته «الهانم»
فى منتصف شارع شبرا الشهير بالقاهرة يقع مسجد ومدرسة «الخازندارة» كلوحة فنية تحكى جوانب دينية وتاريخية من صفحة قديمة فى كتاب التاريخ المصرى، حيث تمتزج فيه فنون العمارة الحديثة بأصالة فن العمارة الإسلامى، لتضفى عليه لمسة جمالية متفردة، تعلوه مئذنة تسر الناظرين عند رؤيتها، ربما تظن أنها تعود إلى العصر المملوكى أو العثمانى، لكن المسجد القابع فى قلب حى شبرا العريق، لم يمض على تأسيسه 100 عام، ودقة صانعيه كانت وراء تسجيله كأثر.
ووفق موسوعة المزارات الإسلامية، الصادرة عن مكتبة الإسكندرية، «أنشأت مسجد الخازندارة المرحومة خديجة كريمة المرحوم محمد راغب أغا الشــهير بالخازندار فى سنة 1916، ورغبت فى أن تضم إليه بعض المنشآت العامة التى أقامتها فى ذلك العصر مثل مدرسة ومستشفى ومرفقات أخرى، لكنها ماتت أثناء قيام عمارته فى سنة 1918، بعد أن أوقفت على هذه المؤسسة ما هو معين بكتابى وقفها، وبعد وفاتها توقفت العمارة فى هذه المؤسسة لارتباك حدث فى تركة خديجة هانم، حتى أصبحت تابعة لوزارة الأوقاف فى عام 1925، فأخذت الوزارة فى إتمام بنائها، وأكملت المسجد وملحقاته فى سنة 1926، وأُرسلت له التيجان خصيصاً من إيطاليا لنحت أعمدته الرخامية، ويقع من ورائه بأمتار قليلة قصر الست خديجة الذى شُيد من الأحجار، وهو ليس مسجلاً كأثر».
وقبل إنشاء المسجد تحولت «مدرسة الخازندارة» إلى أول مقر لكلية أصول الدين التابعة للأزهر وذلك عام 1912 م، ثم افتُتحت رسمياً من قبَل الملك فؤاد فى 28 مارس 1933م.
المسجد القابع بشارع شبرا يظهر محافظاً على رونقه وجماله المنبعث من كل اتجاهاته، سواء منتصف الشارع المزدحم أو «حارة البراد» الجانبية، وهو عبارة عن مجمع معمارى ضخم صُمم على الطراز المملوكى بما فيه من مداخل وواجهات وأشكال العقود ذات الجفوت اللاعبة والمئذنة، ويُعد من أكبر المؤسسات العلمية التابعة للأزهر الشريف ووزارة الأوقاف. ويخضع المسجد حالياً للترميم والتطوير من خلال وزارتى الأوقاف والآثار، وذلك بعد زيارة ميدانية أجراها وفد من لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، قبل شهور، للوقوف على حالة المسجد، حيث يُعد أقدم مساجد المنطقة الشمالية بالقاهرة وأحد أبرز رموز الآثار الإسلامية بالمنطقة.
ويلتبس على بعض الناس مسمى المسجد، حيث يُطلق عليه اسم «الخازندار»، لكن الاسم المحفور على جدار المدرسة «المبنى الملحق بالجامع» يسمى المنشأة الخازندارية ومفردها «الخازندار» وقد صُممت على الطراز المملوكى بما فيه من مداخل وواجهات وأشكال العقود ذات الجفوت والمئذنة. وبحسب معجم الألفاظ التاريخية، يُعتبر «الخازندار» لقباً وظيفياً مكوناً من مقطعين: خزانة أى ما يخزن فيه المال، ودار الفارسية بمعنى: ممسك أو قابض على، والمقصود به: الشخص المكلف بالإشراف على الخزانة أو المخازن السلطانية فى العصر المملوكى ووظيفته الخزندارية، ثم اتسعت اختصاصاته فى عصر محمد على لتشمل إلى جانب ذلك الإشراف على الأطيان الزراعية وقبض الأموال الميرية وحساباتها ومصارفها.
«نصر الدين طوبار وسعيد نور».. «أصوات ملائكية»
صدحت بترتيل القرآن والابتهالات فى رحابه
وانطلقت من المسجد فى شبرا أصوات ملائكية، إذ كان يشهد إقبالاً فى وقت «السحَر» ويتردد المصلون قبل الفجر بدقائق إلى ساحته، فيما كان الشاب «نصر الدين طوبار»، الذى أصبح أحد نجوم فن الابتهال والتواشيح فى مصر والعالم العربى والإسلامى، يستعد للخروج من منزله على بُعد أمتار من المسجد مناجياً المولى عز وجل أن يفتح الله عليه بينه وبين السماء ويفتح له قلوب السامعين لينشد فيهم «ورُحت أدق بابك مستجيراً ومعتذراً ومنتظراً رضاك.. دعوتك يا مفرج كل كرب ولست ترد مكروباً دعاك».
وكشف أحد أهالى المنطقة من المصلين القدامى فى المسجد أن المبتهل وقارئ القرآن الذى وُلد فى مدينة المنزلة فى عشرينات القرن الماضى جاء إلى المنطقة بصحبة زوجته، وكان منزله قريباً من المسجد الأشهر فى الحى «الخازندارة»، وكانت تربطه بالأهالى والمسجد علاقة مودة وحب بدأت فى الستينات بعد بناء المسجد بحوالى 40 عاماً، إذ يُعتبر «الخازندارة» أول وجهة عرفها المنشد الشاب منذ قدومه إلى القاهرة قادماً من محافظة الدقهلية، وبات يتردد على المسجد وأخذ يرتقى فى سلم الإنشاد بصوته الذى يأسر قلوب مستمعيه من أهالى شبرا فى وقت السحَر، حتى أصبح اسمه ملء السمع والبصر، بعد أن عرف طريقه إلى إذاعة القرآن الكريم وتم تسجيله كمبتهل فيها.
وتحتفظ ذاكرة أهالى شبرا بتلاوات الشيخ سعيد نور الذى كان صوته يصدح بالقرآن فى جامع «الخازندارة» بشجن، ورغم أن الرجل لم يقرأ فى إذاعة القرآن الكريم، التى تأسست عام 1964 وجمعت كبار القرّاء فى كل العصور، سوى مرة واحدة، إلا أن الأهالى أكدوا، فى حديثهم لـ«الوطن»، أنه كان يتمتع بحنجرة ذهبية والتفوا حول عذوبة صوته التى شكلت حالة وجدانية ساهمت فى ترسيخ وجوده داخل المسجد.
وأورد الأهالى أن الشيخ سعيد محمد نور قارئ القرآن الذى أحبوا صوته وعشقوا تلاوته جاء إلى الحى مهاجراً من السودان وعاش فيه، وكان الأهالى ينتظرونه من حين إلى آخر لسماع صوته البديع داخل أروقة المسجد، إذ وصفوا قراءته بأنها مميزة وكان المسجد يضج بالمستمعين من أحياء أخرى بالقاهرة.