"الهنيدى": لا أستبعد قبول طعون جديدة على قوانين الانتخابات
أكد المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية، رئيس لجنة إعداد قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، أن حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا لم تُحدد القاعدة القانونية التى يجب العمل عليها أثناء تعديل القانون، لافتاً إلى أنه لا أحد يجرؤ على اتهام اللجنة بأنها فصّلت دوائر بالمقاس لحساب أشخاص بعينهم، بينما أعضاء اللجنة خلال عملهم لم يتقاضوا مليماً واحداً، واعتبروا مهمتهم تكليفاً وواجباً وطنياً. وقال «الهنيدى»، لـ«الوطن»، فى أول حوار له عقب حكم عدم دستورية «تقسيم الدوائر»، إن مؤسسة الرئاسة أمهلت اللجنة ٣٠ يوماً للانتهاء من التعديلات على القانون، واللجنة القائمة على ذلك ستستعين ببعض القوى السياسية وأصحاب الخبرات خلال عملها، وقد تلجأ إلى دمج بعض الدوائر الفردية وزيادة مساحتها لتقليل معيار الانحراف فى الوزن النسبى للمقعد، إلا أن ذلك سيزيد من سطوة المال السياسى والخطاب الدينى فى العملية الانتخابية. وإلى نص الحوار:
■ بعد الحكم بعدم دستورية المادة «3» من تقسيم الدوائر، ألم يكن من الأفضل أن تكون رقابة الدستورية على قوانين الانتخابات سابقة وليست لاحقة؟
- الرقابة اللاحقة هى الأدق والأقوى فى كل دول العالم، لأنها تعتمد على رؤية وواقع القانون بعد تطبيقه فعلياً على الأرض بعد بدء العمل به، الأمر الذى يتيح للمواطنين الطعن عليه على الوجه الذى أساء إليهم أو تسبب فى ضرر لهم، لكن هذا الأمر يترتب عليه كذلك تكلفة مالية وسياسية واقتصادية كبيرة، وهذا ما حدث فى قوانين الانتخابات، وبالتالى ليس هناك ما يمنع أن تكون الرقابة فى هذه الحالة سابقة على نصوص القانون فى حد ذاتها، وأن تبدى المحكمة الدستورية رؤيتها بشأن دستورية القانون من عدمه.
■ هل يعنى ذلك أننا نمر بحالة من الارتباك قد يترتب عليها قبول طعون جديدة بشأن قوانين الانتخابات؟
- طبعاً، يجب أن نقدر الموقف على جميع المستويات، طالما أن كل من «هب ودب»، لديه الحق فى الطعن بعدم دستورية أى مادة فى قانون الانتخابات، وباعتبارى رئيساً للجنة التى أعدت تلك القوانين، فأؤكد أننا راعينا كل صغيرة وكبيرة وعملنا على إعداد قانون لتقسيم الدوائر الانتخابية يتناسب مع الدستور من خلال تحقيق التمثيل العادل للسكان بالمحافظات، إلا أن المحكمة الدستورية رأت أن القانون فيه عوار دستورى.
■ إذن أنت تتوقع قبول طعون أخرى على مواد قانون الانتخابات؟
- نعم، هناك طعون أخرى ستقبلها المحكمة، وستضطر اللجنة المكلفة إلى تعديل كل هذه المواد، ثم إرسالها إلى مجلس الوزراء ثم إلى مجلس الدولة، وبعدها إلى رئيس الجمهورية، وقد نفاجأ بعد كل ذلك بطعون أخرى جديدة، ما يؤدى فى نهاية الأمر إلى استحالة إجراء الانتخابات البرلمانية وغياب السلطة التشريعية.
■ البعض يرى أن قانون تقسيم الدوائر ظلم شياخات وقرى بعينها؟
- هذا كلام غير دقيق، ولم يجرؤ أحد على اتهام اللجنة المعدة للقانون بأنها فصّلت دوائر بالمقاس لصالح أشخاص بأعينهم، وبالتالى من يردد هذا الكلام يتبنى نظرية المؤامرة بقصد هدم الوطن.[FirstQuote]
■ لكن هناك أيضاً من يقول إن الدولة لا تريد إجراء الانتخابات، وإن قبول الطعن بعدم دستورية تقسيم الدوائر، جاء ليصب فى هذا الاتجاه؟
- أصحاب هذا الكلام، هم أنفسهم أصحاب نظرية المؤامرة، الذين يشككون فى صدق الرئيس وتوجه الدولة ورغبتها فى إجراء الانتخابات، ولو أن هذا الكلام صحيح، لما كلفت الدولة نفسها أموالاً طائلة ووقتاً مهدراً لكل من شارك فى العملية الانتخابية منذ الإعلان عنها، مؤكداً أن الدولة تدعم إجراء الانتخابات، وقد تضطر فى نهاية الأمر إلى إجراء «استفتاء شعبى» لقبول هذه القوانين من أجل استكمال خارطة الطريق، وتشكيل البرلمان.
■ هل المواد المنظمة لعملية الانتخابات فى الدستور هى المسئول عما يحدث الآن؟
- بكل تأكيد نعم، فالصياغات جاءت مطاطة ويمكن تفسيرها بأكثر من طريقة، ومع هذا راعت اللجنة تفادى «المطبات» الموجودة فى الدستور، وكلفت متخصصين بإعداد القانون، من أساتذة القانون الدستورى، وتم عرضه على قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لمراجعته مرة أخرى، ورأى المجلس زيادة عدد الدوائر الانتخابية من ٢٣٢ دائرة إلى ٢٣٧، لتحقيق التمثيل المتكافئ لجميع الناخبين، ويكفى أن أقول إن هذا القانون استغرق أكثر من ١٠٠ ساعة عمل لإنجازه.
■ ذكرت سابقاً أنك لن ترضى بإخراج قانون للانتخابات يشوبه عوار دستورى؟
- بكل صراحة أنا فى غاية الحزن، لأن المجهود الذى بُذل فى إعداد هذا القانون لا يتصوره أحد، وكنا نراعى التدقيق حتى اللحظات الأخيرة قبل صدوره، ما أدى إلى تأخره، رغم مطالبة الرئاسة بسرعة الانتهاء منه لإنجاز الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق، لكن بكل أسف ما حدث أنه لا أحد يتعلم من أخطائه، وكأننا نريد اختراع العجلة.
■ هل ترى أن هناك من يسعى لتعطيل الحياة السياسية فى مصر؟
- هناك من يريد تعطيلها بالفعل، سواء كان متعمداً الإضرار بمصر، أو تحقيق مصالح شخصية، والدليل أن المطالبين بأهمية وجود البرلمان هم أصحاب رؤية عدم دستورية كل القوانين الخاصة بالانتخابات الثلاثة «مباشرة الحقوق السياسية، ومجلس النواب، وتقسيم الدوائر»، وأنا أوجه سؤالاً لكل المعارضين لهذا القانون، هل تريدون أن تدفعونا إلى إجراء استفتاء شعبى على قانون الانتخابات، وهل تدركون أن الدولة فى المرحلة السابقة -أى منذ إعلان الجدول الزمنى للانتخابات- دفعت فاتورة ضخمة كنا فى غنى عنها، طالما أن هناك برلماناً، فسيكون بإمكانه أن يجرى تعديلاً فى قوانين الانتخابات أو حتى يتم إلغاؤها وإعدادها من جديد.
■ باعتبارك رئيساً للجنة إعداد تقسيم الدوائر، ما الجدول الزمنى الذى ستعمل عليه اللجنة للانتهاء من تعديلات القانون؟
- أولاً سنبحث حيثيات حكم المحكمة الدستورية، وسنراعى فى القواعد الخاصة بتقسيم الدوائر أن تتطابق مع الدستور بطريقة مثلى، ومن ناحية أخرى سنطلب من الجهات المختصة إمدادنا بكافة البيانات والإحصاءات المتعلقة بأعداد الناخبين على مستوى الجمهورية، للأخذ بمن فى الاعتبار، بما فيهم من أصبح لهم حق التصويت فى الانتخابات بعد بلوغهم السن القانونية، وسنراجع جميع الأرقام الخاصة بتوزيع الدوائر الفردية والمقاعد على مستوى الجمهورية، وربما نلجأ إلى دمج بعض الدوائر لتخفيض معيار الانحراف بين كل دائرة وأخرى من حيث الوزن النسبى لعدد السكان والناخبين فى كل محافظة.
■ كيف كانت قراءتك الأولية لحيثيات حكم الدستورية؟
- بداية لا تعليق على أحكام القضاء، ولكن للأسف حيثيات الدستورية لم تضع لنا معياراً دستورياً منضبطاً نقيم عليه القانون الجديد، وحتى الانحراف الذى ذكرته وقالت إن هناك عواراً دستورياً بسببه فى ١٣ محافظة جاء كمثال، لكن الحيثيات لم تحدد معيار الانحراف فى الوزن النسبى بين الدوائر الانتخابية، وبالتالى فإن الأمر الآن يعود للجنة مرة أخرى وسنضع تفسيراً جديداً لنصوص الدستور المرنة والمتسعة، سنفعل المستحيل لعرض المشروع على أكبر قدر من المتخصصين والمواطنين، وهذا سيأخذ وقتاً طويلاً جداً.
■ إذن ستراجعون قانون تقسيم الدوائر كاملاً؟
- الحكم الصادر من المحكمة، قضى بعدم دستورية المادة 3 من تقسيم الدوائر، ما يعنى أن اللجنة ستضع فى حسبانها أولاً الأخذ بتطبيق الحسابات التى انتهت إليها المحكمة الدستورية فى حكمها بشأن المحافظات التى تعانى انحرافاً وهى ١٣ محافظة، ثم مراجعة قانون تقسيم الدوائر الانتخابية مرة أخرى، وبداية من الأسبوع المقبل سندعو اللجنة للاتفاق على كل الأمور.
■ تقرير هيئة مفوضى الدستورية، طالب بتخفيض معيار الانحراف فى الوزن النسبى للدائرة من ٥٠٪ وهو ما عملت عليه اللجنة خلال إعداد القانون إلى ٢٠٪، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
- هذا الأمر سيؤدى -حال تحقيقه- إلى اتساع مساحة كثير من الدوائر، ما يزيد من سطوة المال السياسى والخطاب الدينى، ويجب التأكيد على أن كلمة «الانحراف» لا تعنى خطأً فى التطبيق، وإنما هى معيار حسابى ووزن نسبى يجمع بين مساحة الدائرة وعدد ناخبيها.
■ هل المدة التى حددتها مؤسسة الرئاسة وهى ٣٠ يوماً، كافية لإنجاز التعديلات المطلوبة؟
- بالحسابات قد تنتهى اللجنة من إجراء التعديلات قبل المدة الزمنية المحددة، لكن يبقى السؤال: كم يستغرق الحوار المجتمعى مع القوى السياسية والأحزاب حول هذا القانون، وما مدى جدية الطعون التى قد يدفع بها البعض على دستورية أى من المواد الأخرى فى قوانين الانتخابات؟
■ ما المعوقات التى تراها اللجنة الآن فى إنجازها للتعديلات؟
- من الناحية القانونية والدستورية ستراعى اللجنة كافة الأمور، أما على المستوى الشخصى، فبصراحة شديدة هناك عدد من أعضاء اللجنة لا يرغبون فى استكمال عملهم بعدما تعرضوا له من هجوم شديد فى وسائل الإعلام، ويكفى القول إن أعضاء اللجنة المعدة لقانون الانتخابات وهم قامات قانونية ودستورية لم يتقاضوا مليماً واحداً مقابل عملهم، فهو يرون أنهم يؤدون واجباً وطنياً، وبعضهم كان يتحمل مشقة الانتقال من محافظة إلى أخرى طواعية منه.
■ هل ترى أن لجنة إعداد قوانين الانتخابات ظُلمت؟
- سيأتى يوم تشهد فيه القوى السياسية، أن هذا القانون المطعون فى دستوريته، كان الأمثل لتمثيل كافة الدوائر الجمهورية، ويكفى القول إن من شاركوا فى وضع نصوصه هم قامات من داخل المحكمة الدستورية، منهم المستشار حسن بدراوى، وهو أحد أعمدة المحكمة الدستورية، وأطاح به الإخوان، وهناك المستشار على عوض، من قامات المحكمة، والسؤال الآن: إذا كان هناك عوار دستورى، فهل هذه القامات كانت مغرضة عندما شاركت فى وضع القانون، وهل أخطأوا فى فهم اتجاهات المحكمة الدستورية التى عملوا بها؟
■ البعض يرى ضرورة إلغاء بعض الدوائر فى المجتمعات العمرانية الجديدة، والدائرة الخاصة بحلايب وشلاتين، ما رأيك؟
- أقول لهؤلاء، هل يعقل أن برلمان السودان يخصص مقعداً برلمانياً لمنطقة حلايب وشلاتين المصرية، ونحن لا نمثلهم داخل وطنهم، من يتحدث بهذه الطريقة لا يفهم البعد الاستراتيجى لهذه المنطقة التى تسعى بعض القوى الدولية لاقتطاعها من مصر، واعتبارها جزءاً من السودان، أما بالنسبة للمجتمعات العمرانية الجديدة، فأودّ القول إن الدستور كفل لهذه المناطق تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك رأت اللجنة أن تخصيص مقعد لها بالبرلمان أمر مهم، فمثلاً هل يعقل أن منطقة العاشر من رمضان وهى منطقة صناعية يجرى تمثيلها بنائب عن دائرة بلبيس، وهى مدينة نشاطها زراعى فى المقام الأول، نحن راعينا كل تلك الأمور عند وضع القانون.