المؤرخ عاصم الدسوقى: الرأسمالية أفسدت الحياة البرلمانية المصرية
المؤرخ عاصم الدسوقى: الرأسمالية أفسدت الحياة البرلمانية المصرية
الدسوقى
93 عاماً مرّت على الحياة البرلمانية فى أرض النيل، ما بين المحاولات للوصول إلى الحياة الديمقراطية، أو الاستسلام للواقع المفروض لصعوبة الحياة المعيشية للشعب الذى عانى وطأة الملكية والرأسمالية التى مثلت الأغلبية فى معظم الحكومات، وتحكمت كثيراً فى مصير الحياة البرلمانية المصرية أو بالأحرى مصير الشعب، إلى أن قامت ثورة 25 يناير أملاً فى القضاء على الفساد المستشرى فى جميع نواحى الحياة بفعل سيطرة «الرأسمالية» على الأغلبية فى البرلمان.
فترة حكم «عبدالناصر» كانت من الأفضل.. والمظاهرة الوحيدة حدثت عام 68
المؤرخ المصرى الدكتور «عاصم الدسوقى»، المتخصص فى التاريخ المعاصر، والعميد السابق لكلية آداب جامعة حلوان، تحدث لـ«الوطن» عن دور الأغلبية البرلمانية فى مصر منذ بدء الحياة البرلمانية، مقسماً الـ93 عاماً إلى أربع فترات، بدأت عند تطبيق دستور 1923، قائلاً: «منذ أن بدأت الحياة البرلمانية عند تطبيق الدستور، بدأ ما يُعرف بالأغلبية البرلمانية، وهى ما تعنى أكثر الأحزاب عدداً فى البرلمان، وفائدة هذا تعود فى تطبيق أى قانون أو اتخاذ أى قرار، فتتحالف الأغلبية مع أقلية أخرى، وذلك ما يُسَمَّى بالحشد داخل البرلمان، ومن ثم يفرضون رأيهم»، مشيراً إلى أن الأغلبية تعطى «الاطمئنان بالفوز».
وأضاف فى تصريحات خاصة، أن الفترة الأولى استمرت من عام 1923 حتى قيام ثورة 1952، مشيراً إلى أن الانتخابات البرلمانية أجريت فى الفترة من ما بين 1923 و1950 ست مرات، وكان الملك «يعصف» دائماً بالحياة الدستورية، ويعزل الحكومة، ولا يشكِّل الجديدة بالانتخابات، ولكنه كان يختار أحد المشهورين بالولاء للقصر الملكى أو الأقليات المعادية لحزب «الوفد» لتعيينه، مؤكداً أن الأغلبية استمرت طوال الفترة الأولى فى نتائج الانتخابات للوفد، إلا أن الملك كان يرى عكس ذلك، وأن من يقول إن «الفترة الملكية كانت أفضل» فهو مخطئ، وهذا الكلام ليس صحيحاً، مستطرداً: «كان ينتهز أى فرصة لوقف الحياة البرلمانية».
أما عن الفترة الثانية فقال «الدسوقى» إنها بدأت عام 1952 عند إسقاط دستور 1923، لسبب بسيط هو أنه ينص على أن نظام الحكم فى البلاد «ملكى وراثى»، والضباط قاموا بثورة ضد الملكية، فلا يعقل أنهم يقبلونه أو يعترفون بهذا الدستور، فصدر إعلان دستورى بمقتضاه تم تسيير الأمور لـ3 سنوات كفترة انتقالية، حتى جاء الدستور الجديد يناير عام 1956، وتم الاستفتاء عليه فى شهر يوليو من نفس العام، وبدأ وقتها الإعداد لانتخابات «مجلس الأمة» عام 1957، أى إنه كان لا يوجد حياة برلمانية فى تلك الفترة من 1952 حتى 1956، وأطلق عليها مرحلة «الفترة الانتقالية».
وتابع: «أما المرحلة الثالثة فبدأت 1957 واستمرت حتى عام 1971 عندما جاء السادات وبدأ فى تغيير النظام»، مشيراً إلى أن هذه الفترة كانت من أفضل الفترات التى شهدتها الحياة المصرية، وإن كان هناك ما يسمى بـ«قوى الشعب العامل» والذى تكون من عمال وفلاحين ورأسماليين ومثقفين، حيث إنه لم يكن هناك سيطرة من قبل الرأسماليين على البرلمان.
وقال «الدسوقى»: «فترة حكم عبدالناصر كانت من أفضل الفترات، فلم تقم تظاهرات ضده تطالب بالخبز أو الحرية أو العدالة أو وظيفة أو سكن أو غيره، فالمظاهرة الوحيدة التى قامت ضده عام 68، وكانت احتجاجاً ضد أحكام صدرت بحق مسئولين عن هزيمة 1967، وأصدر عبدالناصر وقتها أمراً بعدم إطلاق رصاصة واحدة تجاه أى متظاهر»، واصفاً المرحلة بأنها «مرحلة الحكم النموذجى».
وأضاف أن المرحلة الرابعة بدأت مع تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم، حيث جاء السادات بنظام جديد عام 1971 وأعاد الأحزاب مرة أخرى، لتعود الرأسمالية تسيطر، ولكن تحت اسم «رجال الأعمال»، لأن كلمة الرأسمالى كانت بشعة، ليصبح رجال الأعمال يسيطرون على مجلس الأمة الذى تحول اسمه إلى مجلس الشعب، «حتى يشعر الشعب بأنه يمثِّله»، مشيراً إلى أن «التشريعات بدأت بشأن الانفتاح الاقتصادى تصدر، وبدأت تظهر المشاكل بسيطرة رجال الأعمال على السلطة». وأكمل «الدسوقى»: «وفى المرحلة الرابعة سيطر الحزب الوطنى على الأغلبية فى البرلمان حتى قامت ثورة 25 يناير»، مشيراً إلى أن ما تَغيَّر بعد 2011 هو رأس النظام فقط، ولكن لم تتغير الفلسفة بسيطرة رجال الأعمال على الأغلبية، مؤكداً أن الحكومات المقبلة فى مصر فى طريقها إلى الرأسمالية، وهو ما تنصّ عليه الأجندة الإسرائيلية الأمريكية.