روابط حماية الثورة.. ميليشيات «النهضة» التونسية لتأديب المعارضين
تبدو روابط حماية الثورة وكأنها ميليشيات لحزب النهضة -حزب الإخوان المسلمين فى تونس- لتأديب معارضيه، يطلقونها على المعارضين ثم ينفون أى علاقة بها بعد ذلك، هذه هى قواعد اللعبة التى يديرها الجناج المتشدد فى حركة النهضة.[Image_2]
الروابط أنشئت رسميا منذ عام تقريبا بحجة حماية الثورة على اعتبار أنها جمعيات أهلية، وسرعان ما انتشرت فى ربوع تونس، ظاهريا لا ترتبط بهيكل تنظيمى واحد، لكن تحركاتها فى الولايات التونسية بنفس الشكل والطريقة تؤكد أنها تدار بقيادة مؤسسية واحدة، والهدف الواضح لهذه الروابط الاعتداء على كل من يهاجم حزب النهضة، ورغم التجاوزات القانونية، والعنف الذى تستخدمه تلك الروابط، فإن أحدا منهم لم يتعرض لأى محاكمة، وبات واضحا للجميع فى الشارع التونسى أنها أصبحت فوق القانون، وبات ظاهرا تجنب قوات الأمن الاقتراب منهم، ولا يوجد حصر واضح بأعداد أعضائها.[Quote_1]
يقول محمد على خليفة، الكاتب الصحفى بجريدة «الشروق» التونسية، إن روابط حماية الثورة هى جمعيات أهلية حاصلة على رخصة النشاط القانونى منذ ما يزيد على سنة، وهى عبارة عن جمعيات تضم شبانا يرون أن مسار الثورة قد ينحرف عن الأهداف المرسومة أو أن ما تأتيه بعض الأطراف السياسية خصوصا من المعارضة قد يتعارض مع الشرعية الانتخابية ومن ثم لا بد من هيكل «رقابى» يكون بمثابة العين التى تحرس الثورة، وتقطع الطريق أمام كل من يعمل على انتكاستها، حسب تصور من أسس هذه الروابط.
ما ينسب إلى هذه الرابطات من أنها «رابطات حماية النهضة» أو «رابطات حماية الترويكا»، أو هكذا تسميها قطاعات واسعة من المعارضة، كان بناء على التحركات التى قامت بها هذه الرابطات وكانت جميعها فى اتجاه ما تسميه «تطهير» بعض القطاعات التى ترى أنها فاسدة مثل الإعلام، خاصة، والقضاء والإدارة، مقابل عدم تحركها إزاء تجاوزات أو اعتداءات على اجتماعات حزبية، والحال أن حماية الثورة تقتضى حماية المسار الديمقراطى بما يعنيه من حرية فى التنظّم والتعبير والقبول بالرأى المخالف.
وتتهم رابطات حماية الثورة بأنها وراء الاعتداء على عدد من الاجتماعات الحزبية لقوى المعارضة، وخصوصا حركة «نداء تونس» -حزب تونسى يرأسة الباجى قائد السيبسى رئيس الحكومة السابق، وتتهمه «النهضة» بأنه من أزلام النظام السابق- فى عدة مناطق من البلاد، وكذلك الحزب الجمهورى (مؤخرا فى القيروان)، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذى كان يتزعمه الراحل شكرى بلعيد (فى الكاف بالشمال الغربى التونسى يوم الأحد 3 فبراير الجارى أى قبل أيام من مقتل بلعيد) حيث اعتدوا على اجتماع للحزب، واعتدوا بالضرب على شكرى بلعيد.
لكن اللافت فى الأمر أنه إلى حد الساعة لم يتم إثبات تهمة الاعتداء أو العنف بحكم قضائى على هذه الرابطات التى يبقى أفرادها معزولين وغير منتظمين.
وفى هذا السياق تردد قبل أيام أن رئيس الرابطة الوطنية لحماية الثورة سيحل الرابطة (المركزية)، وسيؤسس حزبا سياسيا قد يضم المنتسبين إلى هذه الرابطات، وهو ما اعتبره البعض خطوة للإفلات من المحاسبة عبر تقنين عمل هذه الرابطات التى تبقى من ضمن الجمعيات الناشطة بصفة قانونية ويُحسب لها أيضاً.
من جهتها اتهمت الناشطة الحقوقية [Quote_2]يامينة ثابت، رئيسة جمعية «أقليات»، رابطات حماية الثورة بممارسة الإرهاب على المختلفين معهم أو مع حزب النهضة حيث إن روابط حماية الثورة تحولت إلى عصا تضرب كل من يختلف مع حزب النهضة بحجة حماية الشرعية، وأضافت: «وكأن الشرعية لا يجب معارضتها معارضة سياسية»، واستغربت من صمت أجهزة الأمن على العنف المتزايد من تلك الروابط، وقالت إنها قدمت بلاغا لشرطة قرطاج ضد رابطة حماية الثورة بقرطاج بعدما جاءت إليها تهديدات، وأرسلوا لها رسائل سب وتهديد على موقع الجمعية الأهلية التى تديرها بعدما قدمت عدة بلاغات ضد من اعتدى على المقابر اليهودية وقالت: «لأنى أدافع عن الأقليات فى تونس فقد هاجمونى وسبونى ثم اقتحموا مقر الجمعية وكسروا كل شىء فيه وسرقوا أجهزة الكمبيوتر»، وتضيف: «رغم أنى قدمت بلاغا مدعما بالمستندات ورسائل التهديد التى وصلتنى فإنى أخاف ألا يتحرك أحد بناء على حماية خاصة تحظى بها تلك الروابط فى تحركاتها الإجرامية».
وفى الوقت الذى وصف فيه المعارضون للنهضة تلك الرابطات بأنها أصبحت تشكل «أمنا موازيا» لحماية النهضة سياسيا والإتيان بالأفعال التى لا تستطيع النهضة القيام بها من اعتداءات وتهديد واستعمال للقوة والقسوة، فإن الدكتور صلاح الدين الجورشى، المحلل السياسى وعضو مجلس الحكماء التونسى، رفض وصفها بالأمن الموازى قائلا «من الصعب القول إنها أصبحت تشكل أمنا موازيا، لكنها تتصرف بطريقة خارج إطار صلاحياتها كمنظمة مدنية، لأنها أصبحت تقوم بإفساد وتعطيل اجتماعات سياسية لأحزاب معارضة وتلجأ أحيانا للعنف الجسدى أو مثلما حدث فى جربة من موقعة الخيول كما نسميها نسبة إلى موقعة الجمل عندكم فى مصر»،
ويروى الجروشى قائلا: كان هناك اجتماع لحزب نداء تونس -وهو عدوهم الأول يهاجمون كل اجتماعاته ويفسدونها- ويبدو أنهم لم يتمكنوا من اقتحام هذا الاجتماع بطرقهم العادية فأحضروا مجموعة من الأشخاص يملكون خيولا واقتحموا الاجتماع بهم لتطلق عليها فيما بعد موقعة الخيول، ويضيف: لكن فى أماكن أخرى يقتحمون الأماكن ويقومون بأعمال بلطجة متجاوزين صلاحيات رجال الأمن.[Image_3]
وحول تكوينهم وأعدادههم قال: بالنسبة لأعدادهم لا أعتقد أن أحدا يملك رقما لأنهم روابط متفرقة فى مختلف المدن والولايات لكن فيما يتعلق بتكوينهم فغالبيتهم من أتباع حزب النهضة ومنهم بلطجية ومسجلون وهناك أيضاً بعض من الشباب السلفى المنضم إليهم.
ويضيف: وكون غالبيتهم من أتباع حزب النهضة فهذا من الواضح أنه وضَع عبئا ثقيلا فى رقبة أجهزة الأمن التى تتهاون معهم كثيرا ولا تتدخل بالشكل المناسب للحد من تجاوزاتهم ولم نرَ أحدا منهم، رغم كل التجاوزات التى ارتكبوها، محالا لتحقيق حقيقى وجدى سوى واقعة واحدة فى تطوان عندما قتلوا شابا من حزب حركة نداء تونس وهذا يدفع بعلامات استفهام كبيرة نحو دور الشرطة، وهناك علامات استفهام كبيرة متعلقة بهم وهناك أسئلة كثيرة للنهضة حولهم.
من جهته قال سامى الطريقى، عضو المكتب السياسى لحركة النهضة، إن تلك الروابط غير تابعة لحزب النهضة والاتهامات الموجهة لهم ما هى إلا محاولة من تيار اليسار للضغط على حركة النهضة وعلى الحكومة المشكلة منها لارتكاب مخالفات قانونية بحل جمعيات أهلية مشهرة قانونا دون الحصول على حكم قانونى، وأضاف: كل ما يحدث فى إطار حملة ممنهجة لتوجيه الاتهامات للنهضة، فمن قبل ادعوا أن السلفيين هم الجناح العسكرى للنهضة وكانوا يريدون الزج بهم جميعا فى السجون بلا أى حكم قضائى ولا تهمة، وكنا نرى فى النهضة أن تلك المشكلة معقدة، ولا يجب التعامل مع السلفيين بالمفهوم الأمنى الذى فشل طوال عهد بن على ثم إن هناك سلفية علمية وسلفية جهادية كما أن هناك تكفيريين، ولا يجب أن نتعامل مع الجميع بنفس الطريقة، لكنهم ظلوا يوجهون الاتهامات للنهضة حتى تحركت الداخلية وألقت القبض على المخالفين من السلفيين فصمتوا، ثم عادوا ليتهمونا فى روابط حماية الثورة وهى روابط شرعية حاصلة على ترخيص، ربما يكون بعضهم يحمل لهجة ثورية عالية لكن هم لم يخالفوا القانون إلا فى حالات بسيطة وتعالجها النيابة، والآن هم يتهمون تلك الروابط بممارسة العنف رغم أن خطابهم هو رفض عودة التجمعيين (أعضاء حزب التجمع حزب بن على السابق)، ويعتبرون «نداء تونس» إعادة إنتاج للتجمعيين.[Quote_3]
وعندما زادت المطالبات بحل تلك الروابط قالت «النهضة» إن هناك بابا واحدا لحل تلك الروابط هو القانون إذا كان هناك شخص يحمل أى تهمة ضدهم فليتقدم بها إلى المحكمة، وإذا صدر حكم بحل أى رابطة سوف تنفذه الحكومة فورا، الغريب أنهم يطالبون بحل هذه الروابط هكذا بدون أى حكم قانونى وعندما تقول لهم نمنع التجمعيين من أن يعودوا للحياة السياسية يقولون لك «لا، يجب أن يكون هناك حكم قضائى»، هذا هو المنطق الذى نواجهه.. وقال مضيفا: أنا هنا لا أدافع عن روابط حماية الثورة وأدعو أى شخص يرى أنهم تجاوزوا أو خالفوا القانون أن يتقدم ضدهم لوكيل الدولة -وكيل النيابة- ببلاغ ليتم التحقيق فيه وهناك بالفعل تحقيقات تجرى مع بعضهم. وإذا أخطأت منهم جمعية أو اثنتان فلا يجب أن نلقى بالتهم على الجميع، ثم إن هناك هيئات أخرى تسمى هيئات حماية الثورة وهى هيئات يسارية تابعه لليسار غير مرخصة ولا معروفة هويات أصحابها ولا من أنشأها ولا تمويلها من أين يأتى، ولا يتكلمون عنها بل يلتزمون الصمت تجاهها، فقط يوجهون سهامهم نحو روابط حماية الثورة وهى روابط مرخصة أنشئت قبل «النهضة» وكانت بعد الثورة مباشرة تضم إسلاميين ويساريين وكل الأطياف وكان هدفها حماية الممتلكات فى أوقات الفراغ الأمنى.