هذه ليست شريحة موبايل، ولا شريحة «بفتيك»، إنها الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى المصرية.
هذه الشريحة تمثل غالبية الطبقة الوسطى وقاعدتها العريضة، وتضم الموظفين الصغار العاملين فى قطاعات الدولة المختلفة والقطاع الخاص، وتضم أيضا صغار الحرفيين وصغار المشتغلين بتجارة التجزئة والبعض يدخل فيها غالبية عمال الزراعة والصناعة والمشتغلين بالخدمات المؤقتة فى المدن، وبالطبع لا ننسى ربات البيوت زوجات رجال هذه الشريحة، وتتوزع هذه الشريحة ما بين الريف والمدينة وأفرادها تلقوا تعليماً متوسطاً أو أقل.
ولماذا هى ضائعة؟ الحقيقة أنك لا تملك إلا أن ترثى لها وتتهمها فى آن واحد، فقد أضاعت بجهلها وقلة حيلتها وانعدام وعيها الطبقى الفرصة على مصر فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أضاعت الفرصة لرغبتها فى العيش حتى لو أعطت صوتها لجلادها، أو لمن يوفر لها زجاجة زيت أو أنبوبة بوتاجاز أو كيس أرز حتى تستطيع أن تعبر يومها دون مشاكل.
أبناء هذه الشريحة لا يقرأون، فليس لديهم لا الفراغ ولا المال للقراءة، ليس لديهم خدمة إنترنت ولو توفرت لهم، فلن يذهبوا لمواقع الصحف الإلكترونية ولا للفيس بوك أو تويتر، يعتمدون على الثقافة السمعية الشفاهية فى الأغلب، أو الثقافة البصرية لفضائيات استطاعت بنجاح أن تزرع فيهم الخوف من الغد، كما لو كانوا ليسوا مرتعبين بالفعل.
هؤلاء من وصفهم (بوحة) فى مرافعته الشهيرة أمام المحكمة فى نهاية الفيلم بأنهم مضروبون فى الخلاط.
والأمثلة كثيرة متواترة من تجارب يمكن أن تراها أو تسمع عنها:
سلسلة مطاعم (انتداب) التى يمتلكها رجل الأعمال (شكرى عبدالحميد) قامت بحث عمالها على التصويت للفريق أحمد شفيق لقاء 50 جنيهاً لكل صنايعى فول وطعمية أو فرد ديليفرى، فإذا علمت أن مرتب كل واحد منهم لا يزيد بحال على 400 جنيه، فستعرف معنى الخمسين جنيهاً، وبهذا المنطق خرجت جحافل بائعى «التوحيد والنور» للتصويت لمحمد مرسى.
مجموعة من ربات البيوت بسيطات التعليم، ذهبن جماعة لانتخاب شفيق، لماذا؟ لأن أمن بناتهن أعز عليهن من أى شىء آخر، وقد مثّل ارتباط شفيق بالنظام السابق لهن ميزة وليس عيباً!! وكذلك فعل بائع كتب مستعملة التقيت به وكذلك فعلت مجموعة من أفراد الأمن بإحدى الجامعات الخاصة.
فى المعادلة السياسية، الوعى الطبقى هو أهم ما تمتلكه الشريحة الوسطى من الطبقة الوسطى، هؤلاء الذين ذهبوا لحمدين صباحى وأبوالفتوح، وحجمهم يدعو للتفاؤل حقاً لأنهم ببساطة عرفوا من سيأتى بمصالحهم التى ضربها النظام السابق، أو على أقل تقدير عرفوا أن كلاً من مشروع شفيق أو مرسى لن يصب فى صالحهم، بل فى صالح الطبقة التى خدمها السادات ومبارك منذ الانفتاح الاقتصادى حتى الآن.
فى كتابه «مقدمة فى نقد الاقتصاد السياسى» يقيم ماركس علاقة وثيقة بين الوعى والوجود، فيقول: « ليس وعى البشر هو الذى يحدد وجودهم، بل على العكس وجودهم هو الذى يحدد وعيهم»، وهو أمر ينبهنا إلى أن الحلقة المفرغة سوف تنكسر عندما تتحسن أحوال هؤلاء المنتمين للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى المصرية، ساعتها سيرتفع وعيهم بطبقتهم ومصلحتها ولن يعطوا أصواتهم لمن يؤبد الاستغلال.
وهذا يحتاج لنوع محترم من التعليم يخالف ما هو متوافر لهم حسب قدرتهم الشرائية، ولذلك على المتنورين من الشرائح الأخرى من الطبقة الوسطى أن يطالبوا بنوع أرقى من التعليم، ويحتاج أيضاً أن يمتلك أفراد هذه الشريحة لأدوات الاتصال الجديدة حتى يستطيعوا أن يكونوا تكتلات ما على الإنترنت تدافع عن مصالحهم وتظهرهم للنور، بدلاً من قوى الرجعية التى تحرص على أن يبقوا فى الظلام.
إذا لم تساعد بقية الطبقة الوسطى ذات الوعى هذه الشريحة للخلاص من مستقبلها الأسود، فإن المستقبل الأسود مش هيبقى عليها هى بس، هيبقى ع الناس كلها.. كلنا هنضرب فى الخلاط وهنتعمل كوكتيل!!