التصالح فى مخالفات البناء صداع مزمن بين الحكومة والبرلمان
مخالفات البناء على الأراضى الزراعية عرض مستمر
دخلت الحكومة سباقاً مع الزمن للبحث عن مخرج وحل جذرى لأزمة مخالفات البناء التى شهدتها مصر وبشكل خاص فى أعقاب ثورة 25 يناير، حيث تسبب الغياب الأمنى وانتشار الفساد داخل المحليات فى تضخم الأزمة التى تنوعت من التعدى على الأراضى الزراعية إلى البناء على أملاك الدولة، وصولاً إلى المخالفة فى المبانى، حيث تقدر بعض الإحصائيات أن نحو 40% من حجم الكتلة العمرانية فى مصر مبانٍ مخالفة بجانب وجود نحو 500 ألف طابق مخالف فى المبانى والأبراج السكنية بمصر.
حالة من السجال والجدل تشتعل بين الحكومة والبرلمان حول جدوى التصالح فى مخالفات البناء، حيث يرى بعض النواب أن إنجاز هذا الملف سيدر على الدولة نحو تريليون جنيه كعائد، فى حين يرى البعض أن تكلفة إزالة المبانى المخالفة على الأراضى الزراعية تصل إلى 25 مليار جنيه دون أى عائد منها لأن الأرض لن تعود للزراعة مجدداً بسبب وضع المواد الخرسانية داخل التربة، فيما ترى الحكومة ممثلة فى وزارة الإسكان أن التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية يخالف الدستور.
خلافات بين ممثلى الوزارات وأعضاء لجنة الإسكان فى «النواب» حول مواجهة الأزمة
ملف التصالح فى مخالفات البناء يمثل صداعاً مزمناً للحكومة، وعبئاً ثقيلاً على القضاء بسبب تكدس القضايا، كما أنه يهم ملايين المصريين وفى الوقت نفسه يمثل مصدراً لتمويل الموازنة العامة وأحد الحلول لمواجهة عجزها، إلا أن هذا الملف يصطدم بالعديد من الألغام والعقبات عند التطبيق على أرض الواقع، ما دفع البعض إلى وصفه بالملف «الشائك»، خاصة أن مشروع القانون المقدم من الحكومة يخلو من التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة، واكتفى مشروع القانون بالتصالح فى مخالفات البناء داخل الأحوزة العمرانية، وهو الأمر الذى أثار غضب كثير من النواب وطالب البعض بإدخال مخالفات البناء على الأراضى الزراعية ضمن المصالحات لأن قضاياها تملأ دهاليز المحاكم.
وحسم الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، الأمر أمام لجنة الإسكان خلال مناقشة مشروع القانون بقوله إنه لا تصالح فى مخالفات البناء على الأرض الزراعية، لأن ذلك يخالف المادة 29 من الدستور.
ويواجه ملف التصالح فى مخالفات البناء مجموعة من العقبات والمشاكل، بدأت قبل مناقشة القانون وزادت مع المناقشات داخل البرلمان، وتضمنت خلافات بين ممثلى الوزارات مع بعضهم من ناحية، وبينهم وبين أعضاء لجنة الإسكان من ناحية أخرى حول التصالح فى المخالفات والتعديات على الأراضى الزراعية أو التصالح فى المبانى القريبة من أعمدة الجهد العالى للكهرباء حول لجان التقييم التى طرحتها الحكومة لتقييم قيمة المخالفات، والتى اعتبرها النواب غير مجدية ولن تفى بالغرض.
وشهدت لجنة الإسكان مجموعة من الأزمات خلال المناقشات أبرزها اعتراف المستشار أحمد ماهر المستشار بقطاع التشريع بوزارة العدل، بأن جهات تنفيذ الإزالات غير قادرة على التنفيذ وأن التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية به مشكلة كبيرة لأن الدستور ألزم الدولة بالحفاظ على الرقعة الزراعية وعدم التفريط فيها، بجانب صدور قانون بتغليظ العقوبة فى البناء على الأراضى الزراعية فى 2017، معتبراً أنه إذا تم التصالح فى التعدى على الأراضى الزراعية سيتوجه الجميع للبناء عليها مما يهدد الرقعة الزراعية.
«الحصى»: مطلوب إقرار تعديلات قانون البناء الموحد قبل «التصالح» و«فتى»: الأولوية للمبانى الملاصقة للكتلة السكنية القديمة
وأكد «ماهر» أن هناك أزمة أخرى فى قانون التصالح، لأنه لا يجوز التصالح فى التعدى على أملاك الدولة العامة، مطالباً بإضافة فقرة «عدا الأراضى الخاضعة لأحكام القانون 144 لسنة 2017 فى شأن بعض قواعد التصرف فى أملاك الدولة».
وقال معتز محمود، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان، إن هناك خلافاً حول لجان التقييم الحكومية التى نص عليها القانون لتقييم المخالفات، والبديل هو إنشاء محاكم بلدية بكل محافظة بحيث تقوم برصد المخالفات وإصدار أحكام سريعة بشأنها قبل أن يبيعها المخالفون، بحيث تصدر أحكاماً بمصادرتها لصالح الدولة، مطالباً بضرورة إرسال الحكومة مشروع قانون بتعديل قانون البناء الموحد رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨، لأنه لا يمكن صدور قانون التصالح قبل إدخال تعديلات على قانون 119، وتخصيص دوائر للقضايا الخاصة بمخالفات البناء.
وأكد معتز محمود لـ«الوطن» أن هناك 2 مليون و500 ألف قرار إزالة لمبانٍ مخالفة، مشيراً إلى أن مشروع قانون التصالح فى مخالفات البناء يهدف للوصول إلى صيغة توافقية تراعى مصالح الدولة والمواطنين.
وأضاف أن ملف مصالحات الأراضى من الملفات الشائكة التى لم يقدم أى برلمان سابق على فتحه، وهذا الأمر يضاف لإنجازات البرلمان الحالى، مشيراً إلى أن تحديد الغرامة التى سيتم توقيعها ضد العقارات المخالفة وفقاً لقانون التصالح فى مخالفات البناء، عليه خلافات واعتراضات من بعض النواب لأن مقترح الحكومة فى القانون يرى أن تكون الغرامة وفقاً للقيمة السوقية.
وأكد أنه من مصلحة الدولة تبسيط قيمة الغرامات حتى تتمكن من رفع العائد منها، خاصة أنه من المتوقع أن تكون قيمة الغرامات المحصلة من العقارات المخالفة 72 مليار جنيه سنوياً، مشيراً إلى أن الكتلة السكنية فى مصر تمثل 42 مليون وحدة سكنية، منها ما يقرب من 20 مليون وحدة سكنية مخالفة بعيداً عن التعدى على الأراضى الزراعية، وهو ما يعنى أن 50% من الشعب المصرى فى انتظار قانون التصالح فى مخالفات البناء.
وأوضح «محمود» أن من بين الأزمات التى تواجه ملف التصالح فى مخالفات البناء رفض وزارة الكهرباء التصالح فى المخالفات، حيث أكد ممثل الوزارة خلال اجتماع لجنة الإسكان، أنه لا يمكن التصالح فيما يخالف قانون الكهرباء، كما أن المقترح الخاص بفرض غرامة على الوحدات المخالفة تحصل مع فاتورة الكهرباء سيواجه صعوبة فى التنفيذ.
40% من الكتلة العمرانية فى مصر مخالفة.. والملف يواجه الكثير من العقبات
وتعد أبرز الخلافات حول القانون التى تفجرت مع مناقشة المادة الأولى منه، هو التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية، حيث تنص هذه المادة على أنه «يجوز التصالح فى الأعمال التى ارتُكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء، وفى حالات تغيير الاستخدام التى يثبت القيام بها قبل العمل بأحكام هذا القانون، فيما عدا الآتى: «الأعمال التى تخل بالسلامة الإنشائية للبناء، والتعدى على خطوط التنظيم المعتمدة وحقوق الارتفاع المقررة قانوناً، والمخالفات الخاصة بأماكن إيواء السيارات والجراجات، والمخالفات الخاصة بالمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، وتجاوز قيود الارتفاع من سلطة الطيران المدنى أو تجاوز متطلبات شئون الدفاع عن الدولة، والبناء عل الأراضى الخاضعة لقانون حماية الآثار، والبناء على الأراضى المملوكة للدولة، والبناء على الأراضى الزراعية».
وانصبت الخلافات على البند الخاص بالبناء على الأراضى الزراعية، حيث طالب بعض النواب بحذف البند من مشروع القانون، وآخرون اقترحوا إعادة صياغته حتى يصبح التصالح فى الكتل السكنية المبنية على أراضٍ زراعية، شريطة أن تكون ملاصقة للكتلة السكنية القديمة، وهناك من يرى أن يكون النص على الأراضى الزراعية المملوكة للدولة.
وقال النائب مجدى ملك، عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، إن قانون التصالح فى مخالفات البناء المقدم من الحكومة، يخص ما تم على أرض الواقع فيما بعد الثورة أثناء فترة تراجع مؤسسات الدولة فى حماية خطوط التنظيم والرقعة الزراعية فقط، أما التعدى على أملاك الدولة العامة والخاصة فلن يكون بها تصالح، بمعنى أن الأمر يخص الحالات التى أصبحت تمثل واقعاً مريراً فيما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
وأكد «ملك» لـ«الوطن»، أنه فيما يخص التعديات على الأراضى الزراعية فى عامى 2016 و2017 فهذا شأن قضائى غير قابل للتصالح، مشيراً إلى أنه وفقاً للقانون سيتم التصالح بناء على ضوابط حسب الأماكن الملاصقة للأحوزة العمرانية والكتل السكانية وامتدادها للحيز العمرانى وما يشمله من توسع فى الكردونات، أى تقنين الوضع بما لا يخالف النظام العام.
«مدبولى»: التصالح على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة غير دستورى.. و«العدل»: جهات الإزالة غير قادرة على التنفيذ
وقال النائب محمد الحصى، عضو لجنة الإسكان، إن الحكومة حينما تقر أحوزة عمرانية جديدة تأخذ جزءاً من الأرض الزراعية، متسائلاً: «هل هذا لا يتعارض مع نص المادة 29 من الدستور؟»، ومشدداً على ضرورة خروج تعديلات قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 للنور قبل إقرار قانون التصالح فى المخالفات، لسهولة تحديد الأحوزة العمرانية والمخططات التفصيلية قبل الشروع فى التصالح. وأضاف النائب يسرى المغازى، وكيل اللجنة، أن هناك عدداً من المقترحات التى تهدف للتخفيف عن المواطنين، أبرزها التصالح فى الكتل السكنية الملاصقة للكتلة القديمة، من خلال عمل حيز عمرانى جديد، مشدداً على ضرورة خروج القانون للنور ليكون قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع، خاصة أن مخالفات البناء على الأراضى الزراعية تقترب من 4.5 مليون مخالفة، مؤكداً أنه سبق وتحدث مع وزير الإسكان بشأن التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية، وأبلغه بعقد اجتماع مع رئيس الوزراء، يضم الزراعة والإسكان، لتحديد الأحوزة العمرانية الملاصقة للكتل السكنية.
وأوضح النائب فوزى فتى أن المبانى المخالفة المبنية على أرض زراعية تم توصيل المرافق العامة لأغلبها بالفعل، مقترحاً التصالح فى الأماكن الملاصقة للكتلة السكنية، التى لا تقع فى هذا الحيز أو لا ينطبق عليها هذا الشرط، وتصبح الدولة غير مسئولة عن توصيل المرافق لها حال كانت غير متمتعة بالمرافق العامة.
من جانبه أكد النائب عمر وطنى، أن مشروع قانون التصالح فى مخالفات البناء داخل الأحوزة العمرانية المقدم من الحكومة يعد من القوانين المهمة، التى تشغل قطاعاً عريضاً من المجتمع المصرى، لافتاً إلى أنه سيتم إقراره خلال دور الانعقاد الحالى، مضيفاً أنه بعد إقرار هذا القانون لن يتم السماح بالمخالفة سواء بمصادرة المبنى بالكامل أو سداد قيمة المخالفة بالكامل، مشدداً على ضرورة خروج تعديلات البناء الموحد 119 لسنة 2008 بالتزامن مع قانون التصالح فى مخالفات البناء، بهدف الحفاظ على هيبة الدولة فى تطبيق القانون والسيطرة على فوضى المخالفات.
مخالفات البناء على الأراضى الزراعية عرض مستمر